الجيش الإسرائيلي في أمسّ الحاجة إلى مقاتلين… ويدرس خيارًا مفاجئًا
من يحمي اللبنانيين من رصاص الأعياد؟
مع اقتراب ليلة رأس السنة الميلادية، يبدأ العد العكسي لعام جديد، لكن في لبنان يبدأ معه عد مواز لاحتمالات الموت العبثي، فإطلاق النار العشوائي في الهواء يعود كل عام كطقس غير معلن، لكنه راسخ، يرافق البدايات والمناسبات المختلفة أفراح، أتراح، أعياد، انتخابات، ونجاحات فردية، مشهد يتكرر بانتظام، بلا رادع فعلي، وبلا محاسبة، وكأن الفرح في هذا البلد لا يعلن إلا برصاص يطلق في الهواء ليعود ويسقط على رؤوس أبرياء، في أحياء سكنية مكتظة، وعلى أسطح منازل، وفي الشوارع العامة في بلد يعرف مسبقا نتائج هذا السلوك، تتكرر المأساة عاما بعد عام، وسط دولة غائبة أو عاجزة، وقانون حاضر في النصوص، غائب في التنفيذ.
هذه المشاهد المتكررة ليست وليدة اللحظة، بل هي استمرار لظاهرة قديمة متجذرة في المجتمع اللبناني، خلفت عشرات الضحايا بين قتيل وجريح، لا ذنب لهم سوى وجودهم في المكان الخطأ والوقت الخطأ، ورغم التحذيرات المتكررة الصادرة عن الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، لا يزال القانون في كثير من الحالات حبرا على ورق، فيما تستمر الرصاصات الطائشة في حصد الأرواح وبث الرعب داخل البيوت.
فلماذا لم يتغير شيء؟ هل المشكلة في ضعف القانون؟ أم في غياب تطبيقه؟ أم أن الظاهرة أعمق من ذلك، وتعود إلى ثقافة اجتماعية متجذرة في بلد يفيض بالأزمات والسلاح الفردي المتفلت؟
بحسب حسين ياغي، مؤسس جمعية "سايف سايد" للتوعية حول الرصاص الطائش والسلاح المتفلت،" تعود هذه الظاهرة إلى ما قبل الحرب المشؤومة عام 1975، حيث كان إطلاق رصاصتين في الهواء وسيلة للتواصل بين القرى عند حدوث وفاة، بينما كانت ثلاث طلقات تشير إلى دعوة بقية البلدات لمناسبة فرح، وذلك لغياب وسائل الاتصال الحديثة"، وأضاف ياغي أن "الأمر تطور مع مرور السنين، حيث بدأ إطلاق النار عند وفاة شخصيات مهمة، وبعد حرب 1975 انتشرت هذه الظاهرة بشكل كبير في كل المناطق، وإن بدرجات متفاوتة، نتيجة انتشار السلاح بأيدي المواطنين".
ومع مرور السنوات، أصبح انتشار السلاح في أيدي المواطنين عاملا أساسيًا يزيد من خطورة هذه الظاهرة، ما يوضح حجم التحدي الذي تواجهه السلطات في تطبيق القانون، فوفق منظمة "Small Arms Survey"، يحتل لبنان المرتبة الثانية عربيا بمعدل 31.9 قطعة سلاح لكل 100 شخص، أي نحو 1.6 مليون قطعة سلاح داخل البلاد.
نظرا إلى هذه المخاطر أقر في العام 2016 القانون رقم 71 بهدف تشديد عقوبات مطلقي النار، حيث أكد مصدر حقوقي أن "إطلاق النار العشوائي لا يعد فعلا مباحا أو غير منصوص عليه، بل هو جريمة واضحة يعاقب عليها القانون اللبناني فوفق قانون الأسلحة والذخائر، يجرم استخدام السلاح دون مبرر مشروع، وتفرض عقوبات تصل إلى الحبس والغرامة، وتشدد في حال أدى الفعل إلى إصابة أو وفاة".
واضاف المصدر" الإشكالية الأساسية لا تكمن في غياب النصوص القانونية، بل في ضعف تطبيقها على الأرض، ويعود ذلك إلى عدة عوامل مترابطة:
- التراخي في الملاحقة والمحاسبة، إذ تنتهي كثير من التوقيفات بإخلاء سبيل سريع أو تحل القضايا عبر وساطات سياسية واجتماعية، ما يفقد العقوبة وظيفتها الردعية؛
-ازدواجية المعايير، حيث يطبق القانون بصرامة في بعض المناطق وبمرونة مفرطة في أخرى وفق التوازنات المحلية والنفوذ السياسي والعشائري.
-ضعف الإمكانات التقنية، إذ يتطلب تحديد مطلق النار عملا بالستيا وتحقيقات دقيقة لا تتوافر دائما، خصوصا في ظل الضغط على الأجهزة الأمنية ونقص الموارد.
الباحث في "الدولية للمعلومات" محمد شمس الدين أشار إلى أنه "رغم وجود القانون الرقم 71/2016، فإنه لم يحدث التأثير المنشود في الحد من هذه الظاهرة التي تواصل الانتشار في المجتمع اللبناني، ويتضح أن القوى الأمنية لم تظهر حزما في تطبيق القانون، ما يستدعي ضرورة تعزيز الإجراءات القانونية وزيادة العقوبات لضمان التنفيذ الفعلي".
وينص القانون اللبناني على معاقبة كل من يقدم، لأي سبب كان، على إطلاق عيارات نارية في الهواء بالحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات وبغرامة تتراوح بين 8 و10 أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور، مع مصادرة السلاح ومنع الجاني من الحصول على رخصة سلاح مدى الحياة، وتشدد العقوبات إذا نتج من إطلاق النار أذى جسدي، فتصل إلى الحبس من 9 أشهر إلى 3 سنوات وغرامات أعلى في حال المرض أو التعطيل المؤقت عن العمل، وإلى الأشغال الشاقة المؤقتة حتى 10 سنوات في حال التسبب بعاهة دائمة أو تشويه جسيم، أما إذا أدى إطلاق النار إلى الوفاة، فيعاقَب الفاعل بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة تتراوح بين 10 و15 سنة، إضافة إلى غرامة تصل إلى 25 ضعف الحد الأدنى الرسمي للأجور.
وفي أيار 2025 أقر البرلمان قانونا جديدا لمضاعفة العقوبات على مطلقي النار العشوائي"السجن أصبح بين 6 أشهر و6 سنوات بدلا من العقوبات السابقة، في محاولة لتعزيز الردع القانوني، ووفق الخبير القانوني والدستوري الدكتور سعيد مالك، فإن القانون الجديد بات ينص على معاقبة كل من أقدم، لأي سبب كان، على إطلاق أعيرة نارية في الهواء من سلاح حربي، سواء كان مرخصاً أم غير مرخص، بالإضافة إلى الحبس ودفع غرامة تتراوح بين 8 إلى 10 أضعاف الحد الأدنى الرسمي للأجور، إضافة إلى مصادرة السلاح، ومنع الجاني نهائياً من الحصول على رخصة سلاح مدى الحياة.
وبالرغم من إقرار القانون وتعديلاته فإنه لم يشكل رادعا واستمرت هذه الظاهرة ليسقط نتيجتها المزيد من الضحايا، حيث كشفت دراسة أجرتها "الدولية للمعلومات" في الفترة ما بين 2017 و2023 أن المتوسط السنوي لضحايا الرصاص الطائش بلغ 8 قتلى و56 جريحاً.
ومن منا يستطيع نسيان الطفلة نايا حنا، ابنة سبع السنوات، التي أصيبت برصاص عشوائي في ملعب مدرستها بمنطقة الحدت قرب بيروت، إثر "احتفال رصاصي" بنجاح أحد الطلاب، وبقيت ثلاثة أسابيع في المستشفى قبل أن تفارق الحياة، لتذكر الجميع بأن هذه الظاهرة ليست مجرد أرقام وإحصاءات، بل مأساة حقيقية تحصد أرواح الأبرياء، وتوضح فشل تطبيق القانون وضعف الملاحقة.
ويرى خبراء اجتماعيون أن ظاهرة إطلاق النار العشوائي ليست أمنية فقط، بل ثقافية بامتياز، حيث ينظر إليها في بعض البيئات على أنها دليل على الفرح المفرط، أو الرجولة، أو النفوذ، أو حتى "الهيبة"، وتغذي هذه الثقافة عدة عوامل، أبرزها التسامح الاجتماعي مع الفعل، وغياب الإدانة الجماعية، وتحويل الجريمة إلى "عادة" أو "مزحة ثقيلة"، في حين نادرا ما يوصَم مطلق النار اجتماعيا حتى عندما يسقط ضحايا.
قبل كل رأس سنة أو مناسبة وطنية، تتكرر المشاهد نفسها بيانات تحذيرية، دعوات للإبلاغ، وانتشار أمني محدود، لكن ما إن تمر المناسبة حتى تعود الأمور إلى ما كانت عليه، من دون خطة مستدامة أو معالجة جذرية للظاهرة، والمسؤولية عن استمرار هذه الظاهرة مشتركة بين عدة جهات، إذ تتحمل الدولة المسؤولية لغياب التطبيق الحازم والمتساوي للقانون، ويقع على القضاء عبء بطء الإجراءات أو التساهل في بعض الملفات، بينما يساهم المجتمع في تطبيع العنف وتحويله إلى طقس احتفالي، في حين تتحمل القيادات السياسية والمحلية جزءا من المسؤولية لصمتها أو لتدخلها أحيانًا لطمس المحاسبة.
إطلاق النار العشوائي في لبنان ليس قدرا، بل هو نتيجة تراكمات قانونية وأمنية وثقافية، ويمكن الحد منه إذا توافرت الإرادة السياسية والمجتمعية، وفق القانون اللبناني رقم 71/2016 الذي يجرّم استخدام السلاح دون مبرر، ويتطلب ذلك تطبيقا صارما للقانون بلا استثناءات، ومحاكمة علنية تشكل رادعا فعليا، إلى جانب حملات توعية طويلة الأمد تبدأ من المدارس، وفك الارتباط بين الفرح والسلاح، ودعم بدائل احتفالية آمنة تحمي الأرواح وتغير الثقافة الاجتماعية المرتبطة بالرصاصة.
ولتفعيل هذه التوصيات على أرض الواقع، طلبت قوى الأمن الداخلي من المواطنين الإبلاغ عن أي مخالفة عبر الرقم 112، أو خدمة "بلغ" على موقعها الإلكتروني، أو رسائل خاصة على مواقع التواصل، مصحوبة بإثباتات، على أن تعالَج الشكاوى بسرية تامة.
والسؤال اليوم هل الرصاص الطائش هو أقوى من لغة القانون أم ستكون هذه المرة مختلفة من حيث التشدد في الملاحقة، وإلقاء القبض على الفاعلين ومعاقبتهم؟
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|