عون التقى وفداً عراقياً: عودة الجنوبيين هي الأولوية بالنسبة إلى لبنان
دروز السويداء ودمشق... بين هواجس الداخل وضغط العامل الإسرائيلي
منذ سقوط نظام بشار الأسد، دخلت محافظة السويداء مرحلة سياسية شديدة الحساسية، فرضت إعادة طرح الأسئلة القديمة الجديدة حول موقع الدروز في الدولة السورية، وطبيعة علاقتهم بالسلطة المركزية، وحدود دورهم في سوريا ما بعد الحرب. فبين خطاب رسميّ يتحدّث عن توحيد البلاد وطيّ صفحة الصراع، وواقع أمنيّ وسياسي لم يستقرّ بعد، تبدو العلاقة بين دروز السويداء والنظام السوري الجديد علاقة حذرة، محكومة بالشك المتبادل وبحسابات معقدة تتجاوز الداخل السوري.
خلال سنوات الحرب، نجحت السويداء إلى حدّ كبير في الحفاظ على نوع من الحياد المسلّح، مكتفية بحماية نسيجها الاجتماعي ومنع انزلاقها إلى مواجهات واسعة. هذا الخيار، الذي وفر للمحافظة قدرًا من الاستقرار النسبيّ، تحوّل بعد سقوط الأسد إلى عبء سياسيّ، إذ بات مطلوبًا من السويداء تحديد موقعها بوضوح في المعادلة الجديدة: شراكة كاملة مع الدولة، أم تمسّك بصيغة استقلالية موسّعة تحمي خصوصيّتها.
في هذا السياق، تمّ تشكيل "المجلس العسكري" في السويداء (حلّ مكانه لاحقًا "الحرس الوطني")، رافعًا شعار اللامركزية ورافضًا أي عودة إلى نموذج الدولة الأمنية المركزية. هذا الطرح عكس مزاجًا عامًا داخل البيئة الدرزية، يرى أن الضمانات اللفظية لم تعد كافية، وأن أيّ انخراط في الدولة الجديدة يجب أن يكون مشروطًا بصلاحيات محلية واضحة، وبمنظومة أمنيّة لا تعيد إنتاج القمع باسم الوحدة.
غير أن العامل الأكثر حساسية في هذا الملف لم يكن داخليًا فقط بل إسرائيليًا أيضًا. فإسرائيل أدّت دورًا مباشرًا في دعم مجموعات درزية مسلّحة في جنوب سوريا، من خلال تقديم أسلحة ومعدّات عسكرية غير فتاكة، إضافة إلى دعم مالي واستخباراتي، في إطار مسعى إسرائيلي للتأثير في مسار المرحلة الانتقالية السورية، بحسب صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.
هذا الدعم بدأ بعد أيام قليلة من سقوط الأسد، وتوسّع لاحقًا ليشمل شحنات أسلحة خفيفة ودروعًا واقية ومساعدات مالية شهرية لآلاف المقاتلين الدروز. ورغم تقديم هذا الدعم تحت عناوين إنسانية أو أمنية، إلّا أن خلفياته السياسية بدت واضحة: إضعاف سلطة الدولة المركزية، وتعقيد مهمّة القيادة الجديدة في توحيد البلاد، ودفع الجنوب السوري نحو صيغة حكم ذاتي مرنة قابلة للاستثمار سياسيًا وأمنيًا، وذلك بحسب المعنيين.
هذا التدخل وضع دروز السويداء في موقع بالغ الدقة. فمن جهة، ترفض المرجعيات الدينية والاجتماعية بمعظمها أي ارتهان للخارج أو تحويل السويداء إلى أداة في صراع إقليمي، ولا سيّما عندما يكون الطرف الداعم هو إسرائيل. ومن جهة أخرى، يرى بعض الفاعلين المحلّيين في هذا الدعم مظلّة حماية موَقتة، في ظلّ انعدام الثقة الكاملة بالسلطة الجديدة، والخشية من صعود قوى إسلامية مسلّحة متحالفة مع دمشق، علمًا أن هذه الهواجس انفجرت ميدانيًا في الأشهر الماضية، مع اندلاع اشتباكات بين مقاتلين دروز، ومسلّحي العشائر وفصائل إسلامية والقوات الحكومية.
في المحصّلة، لا يمكن فصل مستقبل العلاقة بين دروز السويداء والنظام السوري الجديد عن العامل الإسرائيلي، الذي بات عنصرًا ضاغطًا في المعادلة الجنوبية. فإسرائيل، التي تنظر إلى الجنوب السوري كعمق أمني استراتيجي، تسعى إلى إبقاء هذه المنطقة في حالة سيولة سياسية وأمنية، تسمح لها بالتحكّم بإيقاع التوتر أو التهدئة، وباستخدام الورقة الدرزية عند الحاجة.
لكن هذا الرهان يبقى محفوفًا بالمخاطر. فالتجربة التاريخية تُظهر أن الأقليات التي تتحوّل إلى أوراق في صراعات إقليمية، غالبًا ما تدفع أثمانًا مضاعفة عند تغيّر موازين القوى. من هنا، يدرك كثيرون في السويداء أن الحماية الموَقتة لا يمكن أن تكون بديلًا عن شراكة وطنية ثابتة داخل الدولة.
في المقابل، يواجه النظام السوري الجديد اختبارًا حقيقيًا: إمّا بناء علاقة شراكة مع السويداء قائمة على ضمانات سياسية وإدارية واضحة، وإمّا ترك الباب مفتوحًا أمام مزيد من التدخلات الخارجية، وفي مقدّمها التدخل الإسرائيلي. وبين هذين الخيارين، يتقرّر ليس فقط مستقبل السويداء، بل شكل الدولة السورية نفسها في مرحلة ما بعد الحرب.
أورور كرم -نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|