تحطم طائرة كانت تقل رئيس الأركان التابع للمجلس الرئاسي الليبي في أنقرة
“جود”… أحدث مناورات حزب الله المالية!
تعدّدت التسميات ومنطق الافتراس واحد… “القرض الحسن” أو “جود”: خلف هذا التبديل الشكلي والتمويه القانوني، يواظب حزب الله على تشغيل مضخته النقدية، محتجزًا اقتصادًا لبنانيًا منهكًا أصلًا، وممعنًا في استنزاف ما تبقى منه.
في بلد مزّقته الاقتصادات الموازية، تأتي مناورات الميليشيا الموالية لإيران لتُطيل أمد الاختناق المالي ولتقوّض أي أفق للتعافي. وها هو الوكيل الإيراني في لبنان يدير بواسطة “جود” الدفّة نحو الذهب كحيلةٍ جديدةٍ للالتفاف على القيود المالية، وذلك في توقيتٍ دوليٍ حسّاسٍ تشتدّ فيه المواجهة ضد شبكات التمويل غير الشرعي، وتحديدًا تلك المرتبطة بالمخدرات.
لقد تخلّى حزب الله عمليًا عن نموذج القروض الصغيرة بلا فوائد، وعن الصرّافات الآلية التي شكّلت لسنوات جوهر نشاط “القرض الحسن”. هذا التحوّل ليس بريئًا، بل يعكس إقرارًا ضمنيًّا بتصاعد الضغوط الأميركية الساعية لتفكيك شبكات تمويل الإرهاب وتبييض الأموال العاملة خارج أي رقابة ومن خارج النظام المصرفي الرسمي.
الحزب والسباق مع الزمن
في سباقه المحموم مع الزمن، لا يوفّر حزب الله أي حيل لإعادة التموْضع تحت مظلّة “شرعية” شكلية. الهدف واضح: الإبقاء على سيطرته على “جماعته” (أي قاعدته الشعبية) بالتوازي مع الالتفاف على العقوبات الدولية. وهذا طبيعي حيث إن الولايات المتحدة حدّدت مدعومةً بإجماعٍ دوليٍ، نهاية العام الحالي كمهلةٍ أخيرةٍ لتجفيف مصادر تمويل التنظيم. وأيّ فشل في ذلك لن ينعكس على الحزب وحده، بل قد يكلّف لبنان بأكمله أعباء اقتصادية وأمنية باهظة.
وفي محاولةٍ لطمأنة قاعدتها، أصدرت إدارة “القرض الحسن” بيانًا تؤكد فيه استمرار عمل “الجمعية ذات الطابع الاجتماعي” في فروعها كافة، والمقدّرة بنحو ثلاثين.
“جماعة” الحزب أولًا
وبهدف تبرير الإبقاء على هياكل مالية موازية للدولة، تُشكّل ركائز اقتصاد إجرامي منظم، يلجأ حزب الله إلى خطاب “حماية جماعته” التي جمّدت ودائعها المصرفية… وأي حجّة واهية هي تلك؟ أليسوا هؤلاء جزءًا لا يتجزّأ من الشعب اللبناني؟ بهذا المنطق، يكرّس الحزب رؤيته الميليشيوية القائمة على الانتماء الطائفي لا على المواطنة. ومن خلال الواجهة المالية الجديدة التي تحمل اسم “جود”، يحاول الحزب تضليل اللبنانيين والمجتمع الدولي معًا، بينما يعزز قبضته على الاقتصاد الموازي وعلى السيولة النقدية في البلاد.
المعدن الأصفر… للالتفاف على العقوبات
في حسابات حزب الله، لم يعد الذهب مخزّنًا للقيمة أو ملاذًا آمنًا، بل أداة مالية استراتيجية. وبالنسبة إليه، المعدن الأصفر عملة موازية، قابلة للتسييل الفوري، خارج النّظام المصرفي وبعيدًا عن أي رقابة من مصرف لبنان. هكذا وُلدت فكرة “جود”: شركة واجهة مسجلة كيانًا تجاريًا، خاضعةً شكليًا لقانون التجارة، لكنّ مصممة عمليًا لإعادة تدوير الأصول وتسييلها خارج القنوات المنظمة. متخصّصة في شراء وبيع الذهب بالتقسيط، لتصبح الوريث الفعلي لـ”القرض الحسن”، الذي أُمهل ثلاثة أشهر للامتثال للقانون، مع منعه من أي علاقة بكيانات قانونية.
آلية مزدوجة… والهدف واحد
في الجوهر، لا شيء تغيّر، وحدها الواجهة تبدّلت. انتهى الرهن المباشر مقابل السيولة، ليحلّ مكانه تركيب قانوني من مرحلتَيْن: تشتري منصة “جود” الذهب نقدًا بفاتورة رسمية، ثم تُعيد بيعه بالتقسيط عبر دفعات شهرية ثابتة موثقة بعقود. ولا يحصل المشتري على الذهب إلّا في نهاية العملية، بعد سداد آخر قسط بخمسة عشر يومًا، ما يُحكم السيطرة على الصفقة حتى النهاية.
وتنص الفواتير بوضوح على أنّ البيع لا يصبح نهائيًا إلّا بعد الدفع الكامل. وفي حال التأخر عن قسطَيْن، تستحق جميع الأقساط فورًا، مع تفويضٍ بالتسديد نيابةً عن المشتري. أمّا عدم استلام الذهب خلال المهلة المحددة، فيترتّب عليه رسم تخزين شهري.
شرعية شكلية
الفواتير تحمل أرقام تسجيلٍ تجاريٍ ورقمًا ضريبيًا، في محاولة لإضفاء مظهر قانوني كامل على العمليات. الضرائب، الرسوم، الأوراق … كلّ شيء في مكانه. لكن خلف هذا الغلاف، تبقى الغاية واحدة: إدامة تدفّقات مالية معتّمة، والتحايل على العقوبات، وتغذية اقتصاد موازٍ ينخر الدولة اللبنانية. صحيح أنّ التصاريح المالية في المرحلة الأولى قد تكشف هوية البائع ومصدر الأموال، لكن هوية المشتري تبقى ضبابيةً. قواعد العناية الواجبة، وتحديدًا مبدأ “اعرف عميلك”، غير مطبّقة.
محاولات فاشلة
مصادر متقاطعة كشفت عن طرح ثلاث محاولات سابقة لتسوية وضع “القرض الحسن”، ولكنّها باءت بالفشل. الأولى: تحويله إلى تعاونية. والثانية: تحويله إلى شركة مالية مرخّصة، لكن الاقتراح قوبل برفض مصرف لبنان. والثالثة: إنشاء تعاونية مالية تمنح قروضًا ميسّرةً، خاضعة للقانون اللبناني وتصرّح عن عملائها.
وعلى أي حال، الموقف الأميركي أتى حاسمًا: أي ذراع مالية لحزب الله تعني استمرار وجوده خارج النظام المصرفي، واستمرار الشبهات والمخاطر في ظلّ المناخ السياسي القائم.
والخلاصة واضحة: منصة “جود” ليست بديلًا إصلاحيًا، بل حلقة جديدة في سلسلة التفاف ممنهجة، تُبقي الاقتصاد اللبناني رهينةً، وتؤكّد أن المعركة ليست تقنيةً أو قانونيةً، بل سياسية بامتياز.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|