عربي ودولي

بين الدعم السرّي للدروز والضغط على إدارة الشرع: تفاصيل تحّرك إسرائيل في سوريا

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" اليوم الثلاثاء تحقيقاً يتناول الدعم الإسرائيلي للدروز بعد سقوط نظام الرئيس السابق بشار الأسد وتسلّم الرئيس أحمد الشرع السلطة الجديدة.

وفقاً لمسؤولَين إسرائيليَين سابقَين كانا مشاركَين مباشرة في العملية"، كشفا عن أنه "تحت جنح الظلام، بدأت المروحيات الإسرائيلية بالوصول إلى جنوب سوريا في 17 كانون الأول/ديسمبر 2024، أي بعد 9 أيام من الإطاحة بالأسد. وإلى جانب منصّات من المساعدات الإنسانية، كانت الشحنات تتضمن 500 بندقية، وذخيرة، ودروعاً واقية للجسم، أُسقطت جميعها جوّاً بشكل سرّي من إسرائيل لتسليح ميليشيا درزية تُعرف باسم المجلس العسكري".

ولفت التحقيق إلى أن "شحنات الأسلحة جاءت ردّاً على الصعود المفاجئ للشرع، وقد نظرت إسرائيل إليه بريبة عميقة، إذ كان يقود جماعة مسلّحة مرتبطة رسمياً — حتى قبل عقد من الزمن — بتنظيم القاعدة، الذي يعارض بشدة وجود إسرائيل. ولا يزال الشرع حتى اليوم يضم في صفوف مؤيديه مقاتلين متطرّفين".

و"بصفتها قوّة تتعاظم هيمنتها في الشرق الأوسط، سعت إسرائيل إلى تشكيل مسار التطوّرات في سوريا عبر دعم ميليشيات درزية حليفة، في إطار مسعى لإضعاف التماسك الوطني السوري"، وفق ما قاله مسؤولون إسرائيليون حاليون وسابقون، وبالتالي تعقيد جهود الشرع لتوحيد البلاد بعد حربها الأهلية الطويلة.

وكانت الإمدادات الإسرائيلية السرّية جزءاً من جهد طويل الأمد لدعم الدروز، بحسب مسؤولين إسرائيليين حاليين وسابقين. وقد خلص تحقيق "واشنطن بوست" إلى أن هذا الجهد مستمر حتى اليوم.

اشتباكات...

وفق التحقيق، "بلغ تدفّق الأسلحة ذروته في نيسان/أبريل، بعد اشتباكات بين مقاتلين دروز ومسلّحين إسلاميين موالين للشرع. ثم تراجع في آب/أغسطس بعد أن غيّرت إسرائيل مسارها نحو التفاوض مع الشرع، وظهور شكوك لدى مسؤولين إسرائيليين بشأن موثوقية الانفصاليين الدروز السوريين وجدوى أهدافهم".

لكن إسرائيل تواصل تنفيذ عمليات إسقاط جوي لمعدّات عسكرية غير قاتلة، مثل الدروع الواقية والمستلزمات الطبية، لمقاتلين دروز سوريين، ما يقوّض فعلياً قدرة الشرع على تركيز السلطة، وفقاً لزعماء دروز في سوريا ومسؤول إسرائيلي سابق.

ويقدّم الإسرائيليون مدفوعات شهرية تتراوح بين 100 و200 دولار لنحو 3000 عنصر درزي مسلّح، بحسب مسؤولين درزيين، في دليل إضافي على استمرار إسرائيل في الحفاظ على قوة موازية للحكومة السورية المركزية.

تحدّثت "واشنطن بوست" مع أكثر من عشرين مسؤولاً إسرائيلياً وغربياً حالياً وسابقاً، ومستشارين حكوميين، وقادة ميليشيات درزية وزعماء سياسيين في سوريا وإسرائيل ولبنان. وقد تحدث كثير من هؤلاء شرط عدم الكشف عن هوياتهم، لوصف آليات الدعم الإسرائيلي الداخلي للدروز السوريين، والذي تضمّن عناصر من التعاون السرّي لم يُعترف بها علناً من قبل أو يُكشف عنها سابقاً.

تتمثّل الاستراتيجية الشاملة لإسرائيل منذ سقوط الأسد في ضمان عدم نشوء نظام يمتلك القدرة على تهديد إسرائيل على حدودها الشمالية الشرقية. ويعتقد المسؤولون الإسرائيليون أن واشنطن ساذجة في قبولها تأكيدات الشرع بأنّه تخلى عن أفكاره المتطرّفة، وفق ما جاء في التحقيق.

وتقول إسرائيل إنّها لا تزال ملتزمة بحماية الدروز، المنتشرين في دول عدّة في الشرق الأوسط. وترتبط إسرائيل بعلاقات عميقة مع الدروز وقد لعبوا أدواراً بارزة داخل إسرائيل، بما في ذلك الخدمة في مناصب رفيعة في الجيش والحكومة، ولذلك يُنظر إليهم على نطاق واسع داخل المؤسسة الدفاعية الإسرائيلية كحليف طبيعي في سوريا.

عكَس الدعم الإسرائيلي للدروز السوريين عدم الثقة بالشرع، إلى جانب تاريخ طويل من التدخل الهادئ في بلد مجاور مزّقته الحرب الأهلية. وأدّى رفض إسرائيل السماح للشرع بتوحيد البلاد، بما في ذلك عبر استمرار دعمها للدروز ، إلى توتّرات بين القدس ودمشق، وكذلك بين إسرائيل وإدارة ترامب، التي جعلت دعم الشرع ركيزة أساسية في سياستها الإقليمية، يتابع التحقيق.

ويراهن كثيرون في الإدارة الأميركية وفي الكونغرس على أن يتمكّن الشرع من استعادة الاستقرار في سوريا، ما قد يخفّف التوتّرات الإقليمية الأوسع، ويفتح المجال أمام عودة ملايين اللاجئين، ويساعد على تقليص النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

في مقابلة أُجريت معه في واشنطن مؤخراً، قبيل لقائه الرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض، قال الشرع لصحافيي "واشنطن بوست" إن دعم إسرائيل للحركات الانفصالية نابع من "طموحات توسّعية"، وقد يؤدي إلى إشعال "حروب واسعة في المنطقة، لأن مثل هذا التوسع سيشكّل تهديداً للأردن والعراق وتركيا ودول الخليج".

لكن الشرع أضاف أن إسرائيل وسوريا "قطعتا شوطاً جيّداً نحو التوصّل إلى اتّفاق (لخفض التصعيد)"، معرباً عن أمله في أن تنسحب إسرائيل من الأراضي التي سيطرت عليها في وقت سابق من هذا العام، وألا "تمنح مساحة لأطراف أو جهات لا تريد لسوريا أن تكون مستقرّة".

يقول مسؤولون إسرائيليون إنه رغم عدم ثقتهم بالشرع بسبب تاريخه السابق كقائد لتنظيم مرتبط بالقاعدة، فإن إسرائيل أبدت براغماتية من خلال ضبط دعمها للدروز السوريين، وتخفيف الضغط العسكري على سوريا، وإتاحة الفرصة للمفاوضات خلال الأشهر الأخيرة.

وبعد أن صافح ترامب الشرع للمرّة الأولى في أيار/مايو، أوقفت إسرائيل في آب/أغسطس تدفّق الأسلحة إلى الدروز، بحسب مسؤولين إسرائيليين ودروز. وداخلياً، جُمّدت النقاشات بشأن تحويل الدروز السوريين إلى ميليشيا وكيلة مسلّحة لإسرائيل، وسط مخاوف من الاقتتال الداخلي بين القادة الدروز السوريين، وخطر تورّط إسرائيل عميقاً في الساحة السورية، وفقاً لمسؤولين إسرائيليين ومستشارين حكوميين.

وقال مسؤول إسرائيلي: "كنا نساعد عندما كان ذلك ضرورياً للغاية، ونحن ملتزمون بأمن الأقليات، لكن هذا لا يعني أنّنا سنرسل قوّات كوماندوس لتتمركز إلى جانب الدروز أو ندخل في تنظيم ميليشيات بالوكالة. نحن نراقب تطور الأمور هناك، وليس سرّاً أن الإدارة الأميركية الحالية تدفع بقوّة نحو اتفاق".

وأضاف المسؤول أن "هناك إدراكاً متزايداً داخل إسرائيل بأن ليس جميع الدروز قد التفوا حول الزعيم الروحي للدروز السوريين، الشيخ حكمت الهجري، الذي يقود الدعوات إلى الانفصال عن دمشق بدعم إسرائيلي".

وردّاً على طلب تعليق رسمي، قال مسؤول حكومي إسرائيلي، طلب عدم الكشف عن اسمه: "بعد هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، باتت إسرائيل مصمّمة على الدفاع عن مجتمعاتنا على حدودنا، بما في ذلك الحدود الشمالية، ومنع ترسخ الإرهابيين والأعمال العدائية ضدّنا، وحماية حلفائنا الدروز، وضمان أمن دولة إسرائيل من الهجمات البرية وغيرها من الهجمات القادمة من مناطق الحدود".

ورفض الجيش الإسرائيلي التعليق على هذا التقرير.

الانفصال الدرزي

بحسب ما رود في التحقيق الصحافي، "يرى بعض المحلّلين الإسرائيليين والأميركيين أن الاستخدام المكثّف للقوّة العسكرية الإسرائيلية في سوريا، إلى جانب جهودها السرية لتعزيز الانفصال الدرزي، كانا نتائج عكسية، وأضرّا بالعلاقات في وقت بدا فيه الشرع متحمّساً للتوصل إلى تهدئة دبلوماسية".

وقالت المسؤولة السابقة في وزارة الدفاع الأميركية خلال إدارة جو بايدن دانا سترول: "هناك إحباط متزايد في واشنطن من أن التحرّكات الإسرائيلية كانت تُفشل أمراً يرغب معظم صناع القرار في واشنطن وكل من في الشرق الأوسط في رؤيته ينجح: سوريا مستقرة وموحّدة. الحجة الأساسية لإسرائيل هي: لديكم قادة في دمشق مستعدّون لذكر كلمة إسرائيل والتحدّث عن مستقبل محتمل من العلاقات الطبيعية، ومع ذلك تواصلون القصف أو البحث عن وكلاء للعمل من خلالهم".

قبل أشهر من سقوط الأسد، كانت دوائر الأمن الإسرائيلية تدرك بالفعل أن الشرق الأوسط قد يكون على أعتاب تحولات جذرية.

فقد أضعفت العمليات العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية في عام 2024 حلفاء الأسد الأساسيين، إيران و"حزب الله" اللبناني، ما زاد من عزلته. وسعى قادة دروز في إسرائيل إلى التواصل مع شخصية درزية سورية يمكنها قيادة نحو 700 ألف درزي في سوريا في حال انهيار نظام الأسد، وفق ما قاله مسؤولان إسرائيليان سابقان مشاركان مباشرة في الجهد. ووقع الاختيار على طارق الشوفي، وهو عقيد سابق في جيش الأسد.

يتذكّر أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين أنه جرى "اختيار 20 رجلًا من ذوي الخبرة العسكرية، وتوزيع رتب ومهام عليهم، والبدء بالعمل على ما أُطلق عليه اسم "المجلس العسكري" في معقل الدروز بمحافظة السويداء جنوب سوريا.

وفي ذلك الوقت، كان المجلس العسكري، بقيادة الشوفي، يحظى بدعم الشيخ الهجري، رجل الدين الدرزي البالغ من العمر 60 عاماً والمولود في فنزويلا، والذي دعا إلى إنشاء دولة درزية ذات حكم ذاتي مدعومة من إسرائيل، بحسب عضو مؤسس آخر في المجلس.

ولمساعدة الشوفي على ترميم مبنى قديم ليكون مقراً للقيادة وشراء الزي العسكري والمعدات الأساسية، قام دروز من داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بتحويل مبلغ 24 ألف دولار له عبر "قوات سوريا الديموقراطية" (قسد)، وهي جماعة يقودها الأكراد وتحافظ أيضاً على علاقات مع إسرائيل، بحسب أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين.

وأضاف المسؤول، وفق تحقيق "واشنطن بوست"، أن "الأموال كانت مخصّصة لإبقاء المجلس قائماً إلى حين سقوط نظام الأسد. وفي الوقت نفسه تقريباً، جرى إرسال ما يصل إلى نصف مليون دولار بشكل منفصل من قبل قسد إلى المجلس العسكري"، بحسب المسؤول الإسرائيلي السابق واثنين من القادة الدروز في سوريا.

ولخدمة القضية الدرزية، قامت "قسد" أيضاً بتدريب مقاتلين دروز سوريين، بمن فيهم نساء، في مناطق كردية شمال سوريا — وهي علاقة لا تزال مستمرة حتى اليوم، وفقاً لمسؤول كردي رفيع، وقائد درزي سوري، ومسؤول إسرائيلي سابق. ولم يرد متحدث باسم الجناح السياسي لـ"قسد" على طلبات التعليق.

في هذه الأثناء، أعدّ الهجري خرائط لدولة درزية مستقبلية مقترحة تمتد حتى العراق، وعرضها على حكومة غربية كبرى واحدة على الأقل في أوائل عام 2025، بحسب ما استذكره مسؤول غربي.

فوضى الأباتشي

عندما سقط الأسد في 8 كانون الأول/ديسمبر 2024، بعد هجوم خاطف استمر 11 يوماً قاده الشرع وجماعته المسلّحة (هيئة تحرير الشام)، تحرّكت إسرائيل بسرعة.

فوراً، دخلت القوّات البرّية الإسرائيلية إلى سوريا، وسيطرت على 155 ميلاً مربّعاً من الأراضي، بما في ذلك مواقع إضافية على قمة جبل الشيخ، وهو مرتفع استراتيجي يقع على الحدود السورية–اللبنانية. وأطلق سلاح الجو الإسرائيلي مئات الغارات الجوية على منشآت عسكرية سورية، بهدف حرمان القائد السوري الجديد من الوصول إلى الأسلحة. وخلال عشرة أيام، قام عقيد في قيادة المنطقة الشمالية في الجيش الإسرائيلي بتسيير مروحيات "أباتشي" لنقل بنادق وأموال ومساعدات إنسانية لتعزيز قدرات الدروز، بحسب مسؤول إسرائيلي سابق.

بلغت شحنات الأسلحة ذروتها في أواخر نيسان/أبريل وسط مخاوف إسرائيلية من أن تكون الطائفة الدرزية في خطر. ومع تصاعد التوتّرات الدينية في سوريا، اندلعت اشتباكات بين مسلحين إسلاميين يدعمون حكومة الشرع الجديدة ومقاتلين دروز، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى. وخشيت إسرائيل من أن يتعرّض الدروز للاجتياح أو الحصار أو المجازر، وتعهّد مسؤولون إسرائيليون علناً بحماية هذه الأقلية.

وردّت إسرائيل بإرسال أسلحة معظمها مستعملة، حصلت عليها القوات الإسرائيلية من مقاتلين قُتلوا من "حزب الله" و"حماس"، بحسب مسؤول إسرائيلي سابق، وقائد درزي في سوريا، ووسيط مالي.

وذكر قائد ميليشيا درزية سورية أنّه تلقّى أيضاً بنادق قنص، ومعدّات رؤية ليلية، وذخيرة لمدافع رشاشة ثقيلة من عياري 14 و23 ملم. ومن نظرائهم الأكراد، حصل بعض القادة الدروز كذلك على صواريخ مضادة للدروع وصور ميدانية من أقمار صناعية إسرائيلية، بحسب قائدين درزيين في السويداء.

منطقة عازلة

وتضيف "واشنطن بوست" في تحقيقها: "على الأرض، أنشأت القوّات الإسرائيلية ما أسمته منطقة عازلة، حيث قدّمت لسكّان 20 قرية درزية خشباً، وبنزين، وديزل، وطعاماً، وقليلاً من المياه، إضافة إلى العلاج الطبي في عيادة عسكرية أقيمت خارج قرية خضر الدرزية"، بحسب مسؤول عسكري إسرائيلي.

وفي داخل الحكومة الإسرائيلية، أنشأت وحدة "منسّق أعمال الحكومة في المناطق" (COGAT) التابعة لوزارة الدفاع مكتباً إدارياً جديداً لتنسيق إرسال المساعدات الإنسانية وغيرها، بما في ذلك الأسلحة الخفيفة، إلى الدروز السوريين، بحسب حسون حسون، وهو عميد إسرائيلي سابق وسكرتير عسكري رئاسي شارك في جهود المساعدة.

وقاد حسون، وهو درزي ومقرّب من الهجري، تياراً داخل المؤسسة الأمنية الإسرائيلية كان يرى أن على إسرائيل أن تدعم الدروز السوريين بشكل كامل كقوّة وكيلة مسلّحة داخل سوريا. وقال حسون في مقابلة: "يجب على إسرائيل أن ترفع مستوى تحرّكها وأن تتصرّف كقوّة استراتيجية، تبني تحالفات مع مختلف الأطراف والوكلاء، وتحوّلهم إلى أطراف موالية لها وتكون هي بدورها موالية لهم".

إلى ذلك، ذكر مسؤول إسرائيلي أن دعم تسليح الدروز استند إلى اعتبارين رئيسيين. الأول هو النظرة السائدة داخل إسرائيل إلى الجهود الأميركية والأوروبية للتعامل مع الشرع بوصفها "ساذجة"، معتبرين إيّاه إسلامياً متشدّداً لم يتخلّ عن أفكاره ويشكّل تهديداً لإسرائيل إذا سُمح له بتجميع السلطة. أما الاعتبار الثاني، فهو شعور أخلاقي بالالتزام تجاه حماية أبناء الطائفة الدرزية في سوريا، بالنظر إلى النفوذ الكبير للدروز داخل إسرائيل.

وتصاعد الضغط على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتدخّل في سوريا في تموز/يوليو، بعد أن اشتبك مسلّحون من المسلمين السنة وقوّات حكومية سورية مجدّداً مع الدروز في السويداء. وأسفرت أعمال العنف عن مقتل أكثر من ألف شخص، بحسب منظمات حقوقية، وفرض حصار على قلب المناطق الدرزية. وردّاً على ذلك، قصفت إسرائيل القوات السورية ووزارة الدفاع في دمشق.

تاريخ من الدعم السرّي

تعود مخاوف إسرائيل من استيلاء إسلاميين على السلطة في الجوار — وتدخّلها في سوريا — إلى سنوات طويلة. فبعد انزلاق سوريا إلى الحرب الأهلية عام 2011، دخل ضباط عسكريون إسرائيليون إلى سوريا لتدريب ميليشيات درزية، وقدموا أسلحة وعلاجاً طبياً لفصائل أخرى، بحسب ثلاثة مسؤولين إسرائيليين سابقين، بحسب التحقيق.

ورفض تمير هايمان، اللواء السابق في الجيش الإسرائيلي ورئيس قيادته الشمالية سابقاً، مناقشة الدعم الإسرائيلي الحالي للدروز، لكنّه قال إن إسرائيل والأردن خلال الحرب السورية قدّما الدعم لجماعات كانت تُعتبر معادية للمتشدّدين الإسلاميين السنة.

وقال هايمان: "كان هناك تقاطع مصالح بين إسرائيل وتلك الفصائل المحلية للدفاع عن الحدود الإسرائيلية في مواجهة تنظيم داعش. وفي مقابل ذلك، قدّمنا دعماً لوجستياً تمثّل أساساً في العلاج الطبي في المستشفيات الإسرائيلية، وتزويد المياه والغاز، وأحياناً بعض الأسلحة".

اليوم، يحذّر محلّلون إسرائيليون من أن دعم دولة درزية مستقلة أو ميليشيا وكيلة سيكون تفويضاً مختلفاً تماماً عن التعاون الحدودي.

وأشار أحد مستشاري الحكومة إلى أن إسرائيل لم تكن لها "تجربة جيّدة في جنوب لبنان"، حيث دعمت على مدى عقدين ميليشيا موالية لها تُعرف بـ"جيش لبنان الجنوبي"، قبل أن تنهار أمام تقدّم "حزب الله" عام 2000.

وقال المستشار إن دعم دولة مستقلّة سيخلق وضعاً تصبح فيه "إسرائيل مطالبة بالدفاع عن سكان يبعدون 100 كيلومتر عن الحدود"، مضيفاً: "إذا كان لدينا مصلحة هنا، فهي ليست في إنشاء دروزستان مستقلّة".

وبدأ مسؤولون إسرائيليون يشعرون بالقلق من الصراعات الداخلية التي ظهرت بين الدروز السوريين. ففي آب/أغسطس، سعى الهجري إلى الاعتراف به بوصفه السلطة العسكرية الشرعية الوحيدة بين الدروز السوريين، وحلّت "قوّات الحرس الوطني"، وهي ميليشيا جديدة يقودها الهجري وابنه سليمان، محل المجلس العسكري باعتبارها الجهة التي تتلقّى السلاح من إسرائيل"، بحسب قادة دروز سوريين والمسؤولين الإسرائيليين السابقين المشاركين في الجهد.

وأشعل هذا التحوّل انقسامات عميقة بين القادة الدروز. واتُهم الشوفي، القائد السابق للمجلس العسكري، بالتعاون مع الشرع، ودخل في حالة اختفاء خوفاً من اعتقاله على يد رجال الهجري. في المقابل، وُجهت اتّهامات إلى الهجري بالخطف، وإلى ابنه بالانخراط في شبكات تهريب مخدّرات إقليمية، بما في ذلك مع "حزب الله"، بحسب مسؤول إسرائيلي سابق، وقائد درزي في سوريا، ووسيط مالي، وفق ما جاء في التحقيق.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين المشاركين في الملف: "الإسرائيليون يدركون أنّه لا يوجد طرف يمكن العمل معه على الجانب الآخر — وبالتأكيد ليس على المدى الطويل".

ولم يرد 3 أشخاص مقرّبين من الهجري — أحد أبنائه، ومستشاره، وابن شقيقه — على أسئلة مفصلة وطلبات تعليق من "واشنطن بوست". كما تعذّر الوصول إلى الشوفي للتعليق.

أدوية ودروع واقية وأموال

ويضيف التحقيق الصحافي: "في الأسابيع التي سبقت انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/سبتمبر، حين كان مسؤولون إسرائيليون يناقشون احتمال عقد لقاء بين نتنياهو والشرع في نيويورك، وهو لقاء لم يتحقّق في النهاية، أوضح مسؤولون سوريون أنّهم لا يرغبون بأن تسهّل إسرائيل النزعات الانفصالية الدرزية، بحسب مستشار حكومي إسرائيلي.

وأضاف أن اتفاقاً أمنياً مقترحاً بين إسرائيل وسوريا انهار جزئياً بسبب مطالب إسرائيلية تتعلّق بضمانات للدروز، بما في ذلك ممر إنساني محصّن يمتد من إسرائيل إلى السويداء.

اليوم، يقول مسؤولون إسرائيليون وآخرون مطّلعون على تفكيرهم إن الوضع في سوريا — وسياسة إسرائيل تجاه الدروز — لا يزال متحرّكاً. ففي تشرين الثاني/نوفمبر، زار نتنياهو قوّات إسرائيلية داخل الأراضي السورية المحتلة، وهو ما انتقدته سوريا بشدّة واعتبرته انتهاكاً لسيادتها. وخلال المفاوضات بشأن اتفاق أمني ثنائي، طالبت إسرائيل بجعل جنوب سوريا منطقة منزوعة السلاح، ومنع دخول القوّات السورية إلى السويداء من دون تنسيق مسبق مع إسرائيل، بحسب مسؤول إسرائيلي سابق مشارك في المحادثات. وفي مقابلته مع "واشنطن بوست"، رفض الشرع مطلب إسرائيل بجعل المنطقة الواقعة جنوب دمشق منزوعة السلاح.

وستواصل إسرائيل أيضاً الضغط خلال محادثاتها مع الشرع من أجل "حكم ذاتي مؤسسي" للدروز، بحسب أحد المسؤولين الإسرائيليين، الذي أضاف أن شحنات المساعدات من إسرائيل لا تزال مستمرّة لكنها أصبحت أقل حجماً وتواتراً.

وفي بيان رسمي، قال مسؤولون حكوميون إسرائيليون: "تتوقّع إسرائيل من سوريا إقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح تمتد من دمشق إلى منطقة الفصل، بما في ذلك المداخل المؤدية إلى جبل الشيخ وقمته… من الممكن التوصّل إلى اتّفاق مع السوريين، لكنّنا سنتمسك بمبادئنا، بما في ذلك الحماية الدائمة لإخوتنا وأخواتنا الدروز، الذين تعرّضوا هذا الصيف لمجازر تشبه في فظاعتها أحداث السابع من تشرين الأول/أكتوبر".

وحتى أواخر أيلول/سبتمبر، كانت المروحيات الإسرائيلية تنقل أدوية ومعدّات عسكرية دفاعية، بما في ذلك دروع واقية للجسم، إلى السويداء، بحسب قادة دروز في سوريا ومسؤول إسرائيلي سابق. واستمرّت المدفوعات الشهرية لنحو 3000 عنصر من "الحرس الوطني"، بحسب مسؤولين درزيين.

وقالت كارميت فالينسي، الخبيرة في الشأن السوري في معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب، إن الحماسة الإسرائيلية الأولية لبعض القادة الدروز الانفصاليين، مثل الهجري، تراجعت، وهناك شكوك بشأن واقعية تقديم دعم واسع، كالكهرباء والمياه، لدولة درزية منفصلة.

وأضافت: "يجب على إسرائيل أن تعترف بوجود حدود للتدخّل في الشؤون الداخلية، خصوصاً في وقت نجري فيه حواراً مع نظام يسعى إلى التوصل لاتّفاق أمني. وطالما هناك حالة جمود وعدم التوصل إلى اتفاق أمني، أعتقد أن إسرائيل ستواصل دعم الدروز".

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا