الصحافة

قانون الانتخاب "ورقة" تعطيل متبادل... من "يدير" مجلس النواب؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

مع كلّ جلسة تشريعية يدعو إليها رئيس مجلس النواب ​نبيه بري​، يتجدّد السجال نفسه حول البنود المدرجة على ​جدول الأعمال​، خصوصًا في ظلّ "الإشكالية" حول ​قانون الانتخاب​، الذي يصرّ بري على أنّ الوقت الفاصل عن الانتخابات لا يسمح بإعادة طرحه، فيما تصرّ قوى معارضة على ضرورة إدراج مشاريع تعديله، خصوصًا ما يتعلق منها باقتراع ​المغتربين​، على المجلس اليوم قبل الغد، باعتبار أنّ المهل أصبحت ضاغطة.

لكن على المستوى العملي، يمكن القول إنّ هذا الجدل حول قانون الانتخاب لم يعد يُقرأ بوصفه نقاشًا إصلاحيًا أو محاولة لتطوير آليات التمثيل، وهو ما كان يُفترض أن يُبحث منذ وقت طويل، وليس قبل أشهر معدودة من ​الاستحقاق النيابي​، بقدر ما صار يُستخدم كورقة ضغط متبادلة بين القوى السياسية، تتقدّم حينًا إلى الواجهة تحت عنوان اقتراع المغتربين، ثم تتراجع حينًا آخر لصالح اشتباكٍ أعمق يتصل بإدارة ​المجلس النيابي​ نفسه.

خير دليلٍ على ذلك أنّه في كل مرة يعود فيها القانون إلى التداول، لا يعود وحده، بل يعود معه سؤال "من يمسك بالمؤسسة التشريعية؟"، ويعود النقاش حول من يحدّد جدول أعمال الجلسات البرلمانية وإيقاعها، ومن يملك حق التعطيل أو فرض النقاش في لحظة تضيق فيها المهل وتتداخل فيها الحسابات. ويجد ذلك صداه في الحديث عن آلية اقتراع المغتربين، التي لا تبدو واضحة ولا محسومة قبل أشهر فقط من موعد الاستحقاق الانتخابي.

فبين من يطالب بإعادة النقاش إلى خيار اقتراع المغتربين للـ128 نائبًا، ومن يرفض إدراج ذلك على جدول الأعمال، يتحوّل بند واحد إلى عنوان أكبر من حجمه التشريعي. لكن خلف هذه الواجهة، تتقدّم أزمة سياسية من نوع آخر تعود إلى الواجهة بين الفينة والأخرى، عنوانها ​إدارة البرلمان​ كسلطة، لا كمنصة تصويت فحسب، بحيث يصبح إدراج بند أو استبعاده فعلًا سياسيًا، وتتحول الجلسة من مساحة تشريع إلى اختبار للنفوذ والقدرة على ضبط الإيقاع.

في مقاربة رئيس مجلس النواب نبيه بري، تختصر الرواية الرسمية الموقف بقاعدة أساسية تستند إلى أنّ القانون النافذ هو المرجعية، وأي تعديل يحتاج إلى مسار واضح وتوافق سياسي، لا إلى فرض بند محدّد بالقوة داخل الهيئة العامة أو عبر مقاطعة الجلسات. من هذا المنطلق، يرفض بري بحسب المحسوبين عليه، إدراج اقتراح تعديل اقتراع المغتربين للـ128 نائبًا على جدول الأعمال، معتبرًا أن المجلس لا يُدار تحت ضغط الشارع أو ​النصاب​، وأن تحويل بند واحد إلى “شرط حضور” ينسف فكرة التشريع ويجعل المجلس رهينة لفيتوهات متنقلة.

لكن هذه المقاربة لا تُقنع خصومه. فبالنسبة إلى "​القوات اللبنانية​" ومعها عدد من النواب المعارضين والمستقلين، فإن قضية اقتراع المغتربين ليست تفصيلًا تقنيًا يمكن تأجيله، بل مسألة تمثيلية وديمقراطية تمس شريحة واسعة من اللبنانيين. وترى هذه القوى أن تجاهل إدراج البند على جدول الأعمال لا يعكس حرصًا على انتظام العمل التشريعي، بقدر ما يوحي بمحاولة لإسقاط التعديل بالوقت لا بالتصويت، في ظلّ ضغط المهل الذي يدرك بري جيّدًا.

يرفض المحسوبون على "القوات" اعتبار التهديد بالمقاطعة وتطيير النصاب "محاولة لفرض أمر واقع"، لأنّه كما يقولون على النقيض، مسعى لمواجهة "محاولة الفرض" التي يقوم بها الطرف الآخر، خصوصًا أن الوقت أمام التعديل المطروح ليس مفتوحًا. أما المحسوبون على بري، فيقرأون الأمر من زاوية مختلفة، إذ إنّ ربط حضور الجلسة ببند واحد، مهما بلغت أهميته، يحوّل النصاب إلى سلاح سياسي يُستخدم لفرض "أجندة" على المجلس.

عند هذا الحد، تتضح وظيفة قانون الانتخاب في الاشتباك القائم: إنه "ورقة" قابلة للاستخدام على جانبي الصراع، بحيث يفصّلها "كلّ منهما" على مقاسه. فمن يرفض إدراجه على جدول الأعمال يراهن على استنزاف الوقت أو على تفادي اشتباك تشريعي واسع قد يخلط الأوراق؛ ومن يصرّ على إدراجه يراهن على جعل النصاب أداة لفرض النقاش. وفي الحالتين، لا يعود الخلاف محصورًا في مضمون القانون، بل ينتقل إلى السؤال الأوسع: من يدير المجلس النيابي؟.

في التجربة اللبنانية، ثمّة عنصران حاسمان أولهما جدول أعمال الهيئة العامة، وقد بات في كثير من الأحيان عنوانًا للصراع على السلطة داخل البرلمان، بمعنى أنّ إدراج بند يعني فتح معركة سياسية، واستبعاده يعني التحكم بسقف النقاش وبحدوده. أما العنصر الثاني، فهو النصاب الذي شُرّع في الأصل لضمان الشراكة وعدم الاستفراد، لكنه في الممارسة اللبنانية تحوّل تدريجيًا إلى فيتو عملي: من لا يملك أكثرية حاسمة في التصويت، يلجأ إليه بكل بساطة.

هكذا، نصبح أمام معادلة "خطيرة"، قوامها جدول أعمال يُستخدَم كأداة ضبط سياسي، ونصاب يُستخدَم كأداة ردّ سياسي، فتدخل المؤسسة التشريعية في حلقة مفرغة. يسري ذلك على الإشكالية القائمة حاليًا، فالمعارضة تقول إنها تستخدم الضغط لفتح نقاش مغلق بشكل منهجي، لكنها تعرّض نفسها لتهمة التعطيل طالما أنّها تتعامل مع إسقاط النصاب بوصفه "سلاحًا". وفي المقابل، تضع رئاسة المجلس نفسها في مواجهة سؤال لا يقل حرجًا: إلى أي حد يمكن أن تُمارس صلاحيات إدارة الجلسات والجدول من دون أن تتحول، في نظر الخصوم، إلى احتكار لمسار التشريع؟.

باختصار، بين ضغط المعارضة وحسابات الرئاسة، يتكشف أن المشكلة ليست في بند المغتربين وحده، بل في آليات إدارة الخلاف داخل المجلس. ولعلّ الأخطر في كل ذلك، أن الوقت لا يعمل لمصلحة أحد. فاستنزاف المهل يحوّل كل طرف إلى لاعب على حافة الهاوية: من يراهن على الوقت قد يربح إسقاط التعديل، لكنه يخسر الثقة بصدقية العملية التشريعية؛ ومن يراهن على النصاب قد يربح إحراج خصمه، لكنه يخاطر بتكريس صورة المجلس كمساحة تعطيل لا كمساحة قرار.

في الحالتين، يصبح المواطن، مقيمًا كان أم مغتربًا، الخاسر الأول، وسط تشريع معلّق، ونقاش مؤجّل، ومعه تبدو مؤسسة مجلس النواب خاسرة أيضًا، وهي التي باتت تشبه ساحة صراع على الأدوات أكثر مما تشبه سلطة تمثيل، وهو ما تثبته التجربة أيضًا، التي أضحى معها كل استحقاق رهينة لعبة مفاتيح تُفتح عند الحاجة وتُقفل عند أول اختبار. وفي النتيجة، فإنّه بمعزل عن قانون الانتخاب، وبغضّ النظر عن آلية الاقتراع، سيبقى السؤال مشروعًا: هل مجلس النواب مؤسسة تشريع، أم حلبة "إدارة اشتباك"؟.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا