من لقاء دمشق إلى "تقرير المصير": لماذا رفع الشيخ غزال السقف؟
لم يأتِ بيان الشيخ غزال غزال، الذي صدر غداة لقاء الرئيس أحمد الشرع بوفد من الساحل، بوصفه موقفاً منفصلاً عن الحدث، بل كقراءة سياسية غير مباشرة لحدوده ونتائجه. فمسار البيان، الذي رفع سقف الخطاب وصولاً إلى الإشارة الصريحة لحق تقرير المصير، يوحي بعدم رضا المجلس الإسلامي العلوي الأعلى عمّا أتاحه اللقاء من حيث التمثيل والمضمون، من دون الدخول في سجال مباشر مع السلطة أو التشكيك باللقاء ذاته.
في بيانه المصوَّر الأحد، لم يتعامل الشيخ غزال مع تقرير المصير كشعار تعبوي أو تهديد سياسي، بل كحق قانوني يُستدعى حين تفشل السلطة في أداء وظائفها الأساسية، وحين تُدار الجماعات بالقهر لا بالقانون. وتحت هذا السقف الأعلى، قدّم الفيدرالية واللامركزية السياسية بوصفهما نتيجة لفشل النموذج المركزي القسري، لا خياراً تفاوضياً قابلاً للأخذ والرد. وعلى مستوى التمثيل، شدّد البيان على أن العلويين "لا يمثلهم شخص واحد"، واضعاً بذلك خطاً فاصلاً ضد اختزال الجماعة أو مصادرتها، ومؤسساً لفكرة أن التمثيل فعل جماعي مفتوح، لا وكالة دائمة ولا تفويضاً مطلقاً.
صدور هذا البيان بعد اللقاء أعاد طرح السؤال بشأن طبيعة الاجتماع نفسه، الذي سبقته أيام من تداول إعلامي عن لقاء مرتقب في اللاذقية مع "وفد علوي". غير أن ما جرى فعلياً كان اجتماعاً في دمشق، حضره ممثلون عن محافظتي اللاذقية وطرطوس، وتكوّن من شخصيات محلية متعددة الطوائف، لا وفداً علوياً موحّداً. وتشير معطيات متقاطعة إلى أن الاجتماع استغرق قرابة ساعتين، تخللته مداخلات لعدد محدود من المسؤولين، ولم يُتح المجال لجميع الحاضرين للحديث، ما يجعل اللقاء أقرب إلى جلسة استماع منظَّمة ذات طابع تمثيلي مناطقي، لا إلى تفاوض سياسي أو حوار مفتوح.
وبعد اللقاء، صدر قرار بتعيين نائبين لوزير الدفاع، أحدهما للمنطقة الغربية، محمد ضياء صالح الطحان، القائد السابق لفصيل "جيش الأحرار". وقد يُضاف هذا التعيين إلى قرائن أخرى توحي بأن مقاربة الساحل تُدار، جزئياً، بأدوات أمنية–عسكرية، لا عبر مسار تفاوضي سياسي واضح.
ويعزّز هذا الانطباع ما طُرح خلال اللقاء من أوراق مكتوبة تمثّل مطالب مناطق محددة. فقد جرى تداول ورقة تقدّمت بها مجموعة السلم الأهلي، وهي مجموعة علوية تعمل ضمن الإطار الذي رسمته السلطة عبر لجنة السلم الأهلي العليا، وتركّزت مطالبها على ملفات أمنية ومعيشية وإدارية، من ضبط السلاح وإعادة تفعيل دور وزارة الداخلية عبر أبناء المنطقة، إلى معالجة أوضاع المسرّحين والموقوفين والرواتب والقروض والتعليم والمتضررين من الزلزال. وهي مطالب مشروعة في مضمونها الاجتماعي، لكنها تعمل بالكامل داخل سقف السلطة، وتفترض شرعيتها، ولا تفتح نقاشاً حيال شكل الحكم أو العقد السياسي. إلى جانب ذلك، نُشرت ورقة أخرى تمثّل مطالب سنّة جبلة، ما يعزّز الطابع المناطقي للقاء، وينفي عنه صفة الاجتماع مع "وفد علوي" بالمعنى السياسي.
هذا الإطار الإجرائي يفسّر جزئياً الفجوة بين ما عُرض في اللقاء وما عبّر عنه بيان الشيخ غزال لاحقاً. فبينما دار الاجتماع حيال إدارة ملفات ملحّة أمنياً ومعيشياً، جاء البيان ليعيد طرح الأسئلة الكبرى المتعلقة بالشرعية والتمثيل وشكل الدولة، ويؤكد رفض "الطاعة العمياء" وتحويل الحقوق إلى منح موقتة، مع التشديد على أن المسار سياسي وسلمي، وأن الضغط يُمارَس بالشرعية لا بالقوة.
في موازاة ذلك، لم يُحسم اللغط الذي سبق اللقاء بشأن علاقة محمد جابر به. فقد ظهر جابر قبل الاجتماع بيوم واحد في تسجيل مصوّر تحدث فيه عن تنسيق مع الشيخ غزال للتفاوض مع السلطة، قبل أن يتراجع لاحقاً وينفي وجود أي تنسيق، ويطرح في تصريحات أخرى حديثاً عن "اتفاق وبنود" وترتيبات أمنية، بل وعن تولّيه دوراً عسكرياً وأمنياً في الساحل وتشكيل قوة تتولى تنظيم الأمن. غير أن طبيعة اللقاء، كما جرت فعلياً من حيث الزمن المحدود وعدد المتحدثين وغياب أي إعلان عن بنود أو اتفاقات، تتناقض مع هذه الروايات، ولا تُظهر حتى الآن مؤشرات عملية تسند ما قيل عن ترتيبات أمنية من هذا النوع.
هذا التناقض يفتح تساؤلات حيال وظيفة هذا الظهور وتوقيته، ولا سيما أنه جاء قبيل اللقاء مباشرة وأحدث إرباكاً في المشهد، وخصوصاً حين أُقحم اسم الشيخ غزال في حديث عن تنسيق سرعان ما نُفي. كما أن التحوّل بين ما كان يُتداول إعلامياً عن لقاء مرتقب في اللاذقية وما انتهى إليه الحدث فعلياً في دمشق، بصيغة مختلفة وأقل تحديداً من حيث التمثيل والسقف، يضيف طبقة أخرى من الأسئلة عما إذا كانت صيغة أولى قد تعثّرت ليُستعاض عنها بلقاء أوسع وأقل التزاماً.
في المحصّلة، يضع هذا المسار المتقاطع من لقاء محدود السقف، وبيان يرفعه، وضجيج يسبقه، العلاقة بين السلطة والعلويين أمام اختبار جديد. فالبيان، بمساره التصاعدي، يبدو بمثابة رد غير مباشر على وقائع اللقاء وحدوده، وإشارة إلى أن إدارة الملف بمنطق جلسات الاستماع والأوراق الخدمية لا تكفي لمعالجة سؤال الشرعية والتمثيل. وبينما يؤكد اللقاء طابعاً مناطقياً وإدارياً، يعيد البيان طرح السياسة في مركز النقاش، بما يجعل المرحلة المقبلة محكومة ليس بسؤال من حضر الاجتماع، بل بمعنى هذا الحضور، وبما إذا كانت السلطة مستعدة لفتح مسار سياسي فعلي، أم الاكتفاء بإدارة الملفات الأكثر إلحاحاً وتأجيل الإجابات عن الأسئلة الكبرى.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|