الصحافة

عودة الخلافة إلى دمشق

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

علينا كلبنانيين، ندرك جدلية العلاقة بين لبنان وسوريا، أن نبحث عن الخلفية التي كانت وراء خطبة الفجر، التي ألقاها الرئيس السوري أحمد الشرع من محراب الجامع الأموي، كنقطة انطلاق للاحتفال بسقوط النظام السابق. أهي خلفية تاريخية أم خلفية ايديولوجية ؟ اذا كانت تاريخية، فان التاريخ في سوريا لم يبدأ عام 705 م، أي عندما أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بتشييد الجامع، وانما من القرن الحادي عشر قبل الميلاد وربما قبله بكثير. واذا كانت ايديولوجية فهل أن سوريا، كدولة مركبة طائفياً واثنياً، مؤهلة لتكون دولة البعد الواحد، خصوصاً اذا أخذنا بالاعتبار عمق البعد القومي والعلماني هناك ...

لعله اعلان بعودة الخلافة الى دمشق، بعدما كان المرشد السابق للشرع، أي أبو بكر البغدادي، قد اختار بغداد لذلك. وكما بات معلوماً فان الاسلام السياسي الذي أخذ ذلك المنحى الظلامي، احترف صناعة الأنظمة التوتاليتارية، حيث لا مكان للآخر الا في الزنزانة أو في المقبرة. وكثيراً ما كان هذا الوضع لمصلحة الولايات المتحدة، المعنية بوقف الزمن داخل مجتمعات المنطقة، أن لاستنزاف ثرواتها، أو لتكريس الأمن الأبدي للدولة العبرية، بدخولها أكثر فأكثر في الزمن التكنولوجي.

وهذا ما بدا واضحاً في احتفاء الرئيس دونالد ترامب بنظيره السوري، الذي بدا في الصورة مبتهجاً، كما لو أنه بين يدي الله في هذا العالم، لا في العالم الآخر. من لا يلاحظ أن الرئيس الأميركي يتصرف كما لو أنه حل محل الله في ادارة الكرة الأرضية، مع أن "استراتيجية الأمن القومي" التي أطلقها في 4 كانون الأول الجاري، أكدت على شعار "أميركا أولاً"، بعدما كاد الفرنسي الكسي دو توكفيل الذي وضع كتاب "الديقراطية في أميركا" عام 1835، يصف الولايات المتحدة بـ "أمبراطورية الله" !

لكن رجب طيب اردوغان، وهو عراب السلطة الجديدة في سوريا، كان قد أعد العدة لعودة الخلافة الى اسطنبول، بعدما كانت مسيرته الى السلطة بتلك القصيدة التي تضيئ الجانب العقائدي في شخصيته، واعتزامه ازالة النظام الأتاتوركي من بلاده، والعودة بها الى السلطنة العثمانية، التي اتخذت من الاسلام وسيلة للتوسع عبر القارات الثلاث (آسيا، أوروبا، إفريقيا). جاء في القصيدة التي أطلقها عام 1997، وكانت سبباً في اعتقاله، قبل أن يعيد تلاوتها في حشد انتخابي عام 2019، "مساجدنا ثكناتنا ... قبابنا خوذاتنا ... مآذننا حرابنا ... المؤمنون جنودنا ... هذا هو الجيش المقدس ... الذي يحمي ديننا".

هذا زعيم دولة هي وحدها الدولة الاسلامية في حلف شمال الأطلسي، والتي تستضيف قاعدة انجرليك الأميركية، وحيث توجد 50 قنبلة نووية. هل هذا ما تقضي به الثقافة القرآنية، بأن تكون الدولة الاسلامية في قبضة دولة يحكمها "الكفار"؟ لكنها جاذبية السلطة، بعدما كان الصحافي التركي قدري غورسيل قد تحدث عن "المراوغة الايديولوجية"، حيث "المكيافيلية قد تقتضي أن يمتطي رجل السلطة حتى ظهر الشيطان، مدعياً أنه ينتقل الى القمة بأجنحة الملائكة"!..

لن نتوقف عند المشهد الذي نقلته "الاخبارية السورية" حول احتفال المناطق السورية بـ" يوم النصر والتحرير"، وبين هذه المناطق مدينة طرابلس اللبنانية، ربما باعتبارها "طرابلس الشام" داخل ذلك الطوفان من اللحى، ما يكشف جانباً من تداعيات التغيير الذي حصل في سوريا على لبنان بالولاءات الطائفية المتعددة، وهي الولاءات المدمرة لمفهوم الدولة ولروح الدولة ..

ولكن يفترض التوقف ـ والتأمل ـ عند المعنى الذي تركته هتافات الآلاف، وبينهم من كانوا بالبزة العسكرية، ضد "اسرائيل" وتأييداً لحركة حماس، بالرغم من أن أحمد زيدان، المستشار الاعلامي للرئيس الشرع، قد نشر مقالة في موقع قناة "الجزيرة" دعا فيها الى حل جماعة "الاخوان المسلمين" الذي تنتمي اليه الحركة.

في كل الأحوال لا بد من الرؤية الواقعية للواقع، حيث يبدو جلياً مدى انتشار "الحالة الاسلامية" داخل المجتمع السوري، ما يثير مخاوف التيار العلماني المؤثر أيضاً داخل النخب المثقفة، من أن تتحول دمشق الى "قندهار الشرق الأوسط"، وان كانت السلطة تحاول البقاء قدر المستطاع داخل الضوابط الأميركية، بالحد من فرض "الأحكام الشرعية" على الحياة اليومية للرعايا ...

اذاً ... هتافات ضد الدولة العبرية، التي تلقفتها بقلق المحافل الغربية السياسية والاعلامية، مع ما لذلك من تأثير على المسار الاستراتيجي لبلدان المحيط، ان في العراق الذي ما زال يقيم على الصفيح الساخن، أو في لبنان حيث التركيبة الفسيفسائية في ذروة هشاشتها، وقابليتها للانفجار، بعدما شاهدنا "حرب الموتوسيكلات" ليلة الاحتفال بالحدث السوري، كما لو أن البلاد بحاجة الى نيران اضافية تقضي على ما تبقى فيها، وحيث "الجنون الاسرائيلي" لم يتوقف يوماً عن التهديد بتحويل لبنان الى جحيم، ما عشناه نقطة دم وراء نقطة دم في حرب الـ 66 يوما ..

بالتأكيد، هذا ما يزيد في خطورة الوضع اللبناني في هذه في الظروف العاصفة، لنسأل أي انتخابات في الربيع المقبل، حين تكون البلاد بين الكماشة السورية والكماشة الاسرائيلية، وبوجود تلك اللعنة الطائفية القاتلة، ان كانت الانتخابات بالقانون الحالي، الذي طالما قلنا انه لا يليق بالقردة أو باي قانون آخر ...

نقطة الضوء الوحيدة في هذا الظلام الدامس، هي في هتافات آلاف السوريين ضد "اسرائيل"، ما قد يعيد الأمور الى مسارها الطبيعي. لبنان وسوريا في خندق واحد لا في مقبرة واحدة ...

نبيه البرجي -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا