مخزومي في ذكرى تويني: أطلق قسمًا صار جزءًا من وجدان اللبنانيين
إسرائيل لا تشتري تنازلات الشرع...سوريا غنيمة استراتيجية
شكّل سقوط نظام الرئيس السوري السابق، بشار الأسد، قبل عام من الآن، ووصول زعيم «هيئة تحرير الشام» آنذاك، «أبو محمد الجولاني»، إلى السلطة في دمشق، فرصةً لا تتكرّر أمام إسرائيل لبسط هيمنتها على سوريا، والحصول على تنازلات لطالما طمحت إلى انتزاعها من السوريين. وبمعزلٍ عن دور تل أبيب السياسي والعسكري في تهيئة الأرضية لسقوط النظام السابق على مدى سنوات، وصولاً إلى الرسالة العلنية التي وجّهها رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، إلى الأسد بقوله: «أنت تلعب بالنار»، وذلك قبل يوم من بدء عملية «ردع العدوان»، فإنّ إسرائيل الآن تستفيد إلى أقصى حدّ من الأوضاع في سوريا، وبأقلّ تكلفة ممكنة.
سبقت إسرائيلُ تحوّلَ الجولاني إلى رئيس للسلطة الانتقالية الحالية باسم أحمد الشرع، باحتلال أعلى قمّة في جبل الشيخ، وبتدمير كامل قدرات الجيش السوري وأسلحته البرّية والبحرية والجوّية في حملة جوّية هائلة، وبعملية قضم ممنهجة (ومستمرّة) للمرتفعات المحيطة بجبل الشيخ شمالاً وشرقاً، ولمساحات من محافظات القنيطرة ودرعا وريف دمشق. في المقابل، ومنذ اليوم الأول، ينتهج الشرع سياسة إرضاء الإسرائيليين (وصل به الأمر إلى الحديث عن التطبيع بين الشعوب، وليس فقط بين الأنظمة، وذلك في معرض انتقاده لمحدودية اتفاقيّتَي «كامب ديفيد» و«وادي عربة»)، في سبيل الحفاظ على السلطة، متّخذاً خطوات عملية عديدة لطمأنة جميع المعنيين إلى أنّ سوريا الجديدة لن تكون خطراً على إسرائيل بأيّ شكلٍ من الأشكال، وساعياً للحصول على رضا القوى الغربية والعربية التي تأخذ مصلحة تل أبيب وموقفها ورضاها كمعيار لـ«الصوابية السياسية». وقد اختصر ما تقدّم، السفيرُ الأميركي في أنقرة، توم برّاك، بالقول إنّ «السلطات السورية تنفّذ كل ما نطلبه منها في ما يخصّ إسرائيل».
نتج من هذه السياسة، تقديمُ السلطة الحالية جملةً من التنازلات القومية والوطنية المجانية لصالح الأطماع الإسرائيلية، وصولاً إلى نسف الثوابت السورية الرسمية والشعبية التي حدّدت موقع سوريا في الصراع العربي - الإسرائيلي، بعدما صاغته دولةُ ما بعد الاستقلال بالتراكم، وبلوره ورسّخه حكم الرئيس الراحل حافظ الأسد، وورثه من بَعده الابن.
ومن جملة التنازلات التي يقدّمها نظام الشرع، اختراع وزير الخارجية، أسعد الشيباني، مصطلح «خط 7 ديسمبر» للتعبير عن المناطق التي احتلّتها إسرائيل بعد سقوط النظام السابق. وفي أكثر من مقابلة، ولا سيّما مقابلته «الدعائية» مع موقع «المجلّة» السعودي، طرح الشيباني مصطلحه الجديد، مطالباً إسرائيل بالانسحاب من هذه الأراضي المحتلّة حديثاً كثمن لاتفاق أمني، من غير أن يوضّح ما هو الهدف والمصلحة السوريان من الاتفاق الأمني المقصود، غير «إعادة التفاوض» على اتفاقية «فضّ الاشتباك» الموقّعة عام 1974.
على أنّ العودة إلى اتفاقية 1974، أو التفاوض حولها حتى، مسألة غير واردة الحصول في ظلّ مقاربة السلطة الانتقالية للعلاقة مع إسرائيل والنظرة الإسرائيلية إلى هذه السلطة، خصوصاً أنّ الاتفاقية وُقّعت بعد أشهر من حرب الاستنزاف التي شنّتها القوات السورية ضدّ قوات الاحتلال في القنيطرة - وهو ما لا ينوي الحكم الحالي فعله -، وهي تحدّد بوضوح شروط انتشار قوات الاحتلال وعمقه ونوعيّته جنوب خط الجبهة والمنطقة منزوعة السلاح، مقابل انتشار القوات السورية شمال الخط والمنطقة منزوعة السلاح.
والأهمّ من ذلك، أنّ الاتفاقية ثبّتت القرارات الدولية ذات الصلة بأحقّية سوريا الكاملة في هضبة الجولان المحتل، وضرورة انسحاب إسرائيل منها إلى ما يُسمّى «حدود 1967» وعودة أهلها إليها.
وبينما كانت سوريا تحافظ على اتفاقية 1974، ظلّت ترفع شعاراً واضحاً هو «الأرض مقابل السلام» كسقف لأيّ تفاوض مع إسرائيل، وهو ما حاولت أن تُلزم لبنان الرسمي به أيضاً، عبر «وحدة المسار والمصير» طوال مدّة وجود قواتها في لبنان. لا بل إنّ تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، على ضرورة انسحاب إسرائيل من الجولان السوري المحتلّ، حمل سقفاً أعلى بكثير من سقف سلطة الشرع، الذي قدّم للرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ورقة المشاركة في «التحالف الدولي ضد داعش»، ولم يربط توقيع اتفاق أمني مع إسرائيل بأيّ شروط حقيقية، علماً أنّ ترامب، كان سبق له أن اعترف بـ«سيادة» إسرائيل على الجولان في ولايته السابقة، مقابل دعم مالي من اللوبي اليهودي.
وجاءت توجّهات الشرع والشيباني الحالية، بتحويل الأراضي المحتلّة بعد 7 ديسمبر إلى «حدود جديدة»، كمحفّز لإسرائيل لرفع سقف مطالبها وتوسيع اعتداءاتها، ليس بتأكيد احتفاظها بالجولان المحتل، والبدء بعملية تعبئة للمستوطنين للسكن في المستوطنات المبنية الفارغة على الهضبة، فحسب، إنما أيضاً بإعلان نيّة البقاء في مرتفعات جبل الشيخ، والمطالبة بفتح طريق برّي مع محافظة السويداء في أقصى الجنوب الشرقي السوري، وبنزع السلاح من كامل الجنوب. كما أنّ الإسرائيليين بدأوا بالتمهيد لسقف أعلى حتى من نزع السلاح، وذلك عبر الحديث عن خطّ جديد للمنطقة العازلة المبتغاة، بما يتجاوز العاصمة دمشق إلى وسط سوريا، وهو ما وصفته بعض مراكز الدراسات الإسرائيلية بـ«خط جنوب تدمر»، لتمتدّ بهذا، المنطقة العازلة من الحدود مع فلسطين المحتلة إلى عمق العمق السوري، أي مدينة تدمر وسط البادية.
غير أنّ ما حدث في بلدة بيت جنّ على السفح الغربي لجبل الشيخ الأسبوع الماضي، والرسائل التي تمّ تمريرها في أثناء العروض العسكرية التي نظّمتها قوات الحكومة الانتقالية احتفالاً بسقوط النظام السابق - عبر الهتاف لغزّة وترديد شعارات معادية لليهود -، عزّزا من الرواية الإسرائيلية حول النشاط الأمني والعسكري التركي في الجنوب، علماً أنّ إسرائيل كانت ربطت تلك التحرّكات بمجموعات محسوبة على تنظيم «الإخوان المسلمين». وتنقل مصادر أمنية غربية عن الإسرائيليين تركيزهم في التواصل الأمني مع حلفائهم الغربيين على تقديم معطيات عن ذلك النشاط التركي، وربط أيّ مقاومة للاحتلال الإسرائيلي للأراضي السورية إمّا بإيران أو بتركيا، كجزء من الأجندة الإقليمية للدولتين، مع تأكيدهم أنّ تركيا توجّه الشرع نحو الاصطدام بها وتطوير علاقته بإيران وحلفائها. ويترافق هذا مع معلومات غربية عن أنّ الشرع خفّف من الحصار الأمني على حركة «حماس» في الداخل السوري، بعد ضغوط قطرية وتركية.
غير أنّ اعتبار تركيا المحرّك وراء جنوح الشرع نحو منحىً «عدائي» مستجدّ تجاه إسرائيل، لا يغيّر من نظرة الأخيرة إليه. فتل أبيب، التي لم تدغدغها كلّ تنازلات السلطة الانتقالية لتوقيع اتفاق أمني، انتظرته وروّجت له دمشق الجديدة، صعّدت من لهجتها تجاه الشرع وحكمه بتصريحات عدائية، وتسريبات من مركز «ألما» حول احتمال اغتيال الشرع من قبل متطرّفين آخرين، بالإضافة إلى إعداد مواد أمنيّة دعائية حول طبيعة النظام الجديد، والترويج لمحاولات الأخير خداع إسرائيل بالسلم والإعداد لقتالها في المستقبل، على طريقة مبدأ «التمكين» لدى «الجماعات الجهادية».
يبقى أنّ ما تقوم به قوات الاحتلال على أرض الواقع هو الفيصل في فهم موقف إسرائيل تجاه سوريا الجديدة، حيث يستثمر الاحتلال تردّد السلطة وضعف أدائها الدبلوماسي تجاه المسائل السيادية، فضلاً عن الانقسام الطائفي والإثني الخطير داخل المجتمع السوري، والذي عزّزته «غزوات» الساحل والسويداء والتهديدات العنصرية للأكراد السوريين على لسان كبار المسؤولين العسكريين لدى الشرع. وهذا الانقسام بات يسمح لإسرائيل بتوسيع دائرة حلفائها المحلّيين من درعا والسويداء إلى الشرق، ومؤخّراً إلى الساحل، وفي الوقت ذاته الاستمرار في قضم الأرض والخداع السياسي، للشرع وللدول الداعمة له في آن.
فراس الشوفي -الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|