عمل الأطفال في لبنان... أرقام غير مطمئنة
"عندما أكبر أريد أن أصبح طبيب أسنان"... كلمات نابعة من قلب طفل لا يتجاوز 9 سنوات يعمل في مجال توصيل الطلبيات إلى المنازل.
"ليث" إسم مستعار، يساعد والده في ميني ماركت في بيروت، وجهه جميل وبريء وعيناه تلمعان ولا يلعب مع أولاد عمره لأنه بكل بساطة "ليس لديه وقت" حسبما روى لـ"النهار" قصته.
"أنا أعمل من 11 صباحاً حتى الثامنة والنصف مساءً، وأساعد في ترتيب المنتجات في الميني ماركت وأكيّس الأغراض، وأعمل في توصيل الطلبيات إلى الزبائن من الظهر إلى مساء"... قال "ليث"، ثم سكت قليلاً وتابع: "أنا أذهب إلى المدرسة في الصباح، وأحب مادة الرياضيات".
والد "ليث" سمح بإجراء محادثة قصيرة معه وأصر أن إبنه ذكي جداً وقال إنه يذهب إلى المدرسة، أضاف: "إبني يساعدنا في المحل (الميني ماركت)، ولديه طموح كبير مثل أخيه الذي يبلغ من العمر 15 عاماً ويساعدنا أيضاً في المحل العائلي".
"ليث" كغيره من الأطفال الذين يعملون، فالأوضاع الاقتصادية المتدهورة والحروب المتلاحقة دفعت بالكثير من الأسر إلى خيارات موجعة، أبرزها إرسال أبنائها إلى سوق العمل بدل مقاعد الدراسة. هذا الواقع الموجع يعيد إلى الواجهة قضية عمل الأطفال في لبنان، التي لم تعد مجرّد ظاهرة اجتماعية بل جرس إنذار إنساني يستدعي تحرّكاً عاجلاً من الجميع.
ويُحظر القانون اللبناني تشغيل الأطفال تحت سن الـ 13، وتشمل القيود الأعمال الخطرة لمن هم أقل من 16 أو 18 حسب نوع العمل، ويُلزم أن لا يعمل الطفل أكثر من 6 أو 7 ساعات يومياً، ولا يعمل بين الساعة 7 مساءً و7 صباحاً في بعض الحالات.
وحدة مكافحة عمل الأطفال
وأكدت رئيسة وحدة مكافحة عمل الأطفال في لبنان، نزهة شليطا، لـ"النهار" أن وزارة العمل تعمل على تحديث الخطة الوطنية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال لتتلاءم مع الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة التي يمر بها لبنان، مشددة على أن حماية الأطفال "تتطلب خطة شاملة ومتكاملة تتعاون فيها كل الجهات الرسمية والأهلية".
"القضاء على عمل الأطفال لا يتحقق فقط من خلال تطبيق القوانين، بل يحتاج إلى خطط متعددة المستويات تشمل كل القطاعات التي يعمل فيها الأطفال، كقطاع الزراعة أو الشوارع أو غيرها، حيث تتوزع المسؤوليات بين وزارات العمل والداخلية والشؤون الاجتماعية والزراعة وسواها"، بحسب شليطاً التي أوضحت أن وحدة مكافحة عمل الأطفال التابعة لوزارة العمل معنية بمكافحة الظاهرة تدريجياً وصولاً إلى القضاء عليها نهائياً.
غياب أي إحصاء رسمي
وفيما يغيب أي إحصاء رسمي حديث عن عدد عمل الأطفال في لبنان، كشفت نسرين طويلة، مسؤولة في برنامج حماية الطفل في اليونيسف" لـ"النهار" أن في مسح اليونيسف السريع لأوضاع شريحة من الأطفال والأسر الذي قامت به في تشرين الأول 2023، إرتفع عدد الأسر التي ترسل أطفالھا (تحت سن الثامنة عشر) الى العمل للتمكن من الصمود الى نسبة صادمة بلغت 16%، مقارنة بنسبة 11% في شھر نیسان/إبریل من العام نفسه. وأفاد الأھالي خلال المسح أن الأزمة الإقتصادیة دفعت كل أفراد الأسرة للعمل بشكل مستمرّ في سبیل البقاء.
وإذ ردت طويلة ارتفاع نسبة عمل الأطفال في لبنان إلى الوضع الاقتصادي الحالي المستمر منذ 2019، وما نتج عنه من فقدان الوظائف وارتفاع معدلات الفقر وانعدام الأمن الغذائي، لا تخفي اسباباً ثقافية واجتماعية في بعض المناطق تدفع الطفل إلى العمل، وهنا دور المجتمعات المحلية للعمل على تغيير الذهنية، قائلةً: "الأرقام غير مطمئنة".
وذكّرت بأن النظام الحالي للحماية الاجتماعية يحتاج إلى المزيد من العمل لتعزيز شبكات الحماية الاجتماعية وضمان حقوق الطفل، وبخاصة حماية الأسر الأكثر هشاشة/فقراً، ملاحظة "أن هناك أطفالاً لا تتجاوز أعمارهم ست سنوات يعملون في الشوارع، وفي الحقول الزراعية، وورش البناء".
ولكن هل الثغرات تكمن في القانون أو في تطبيقه، أوضحت طويلة أن القانون اللبناني جيّد، لكن المشكلة تكمن في ضعف التطبيق وغياب نظام حماية اجتماعية شاملة لكل فئات المجتمع، داعية مثلاً إلى تعزيز التعليم الإلزامي في المرحلة الأساسية باعتباره وسيلة فعّالة للحد من عمل الأطفال.
وتتفق شليطا و"اليونيسف" على أن الأزمة الاقتصادية والانهيار المالي فاقمت معاناة الأطفال، مضيفة شليطا: "بدل أن نعمل على مكافحة عمل الأطفال، أصبحنا نحاول حمايتهم من القصف والعنف والنزوح".
العمل المخفي
عمل الأطفال لا يقتصر فقط على العمل بطريقة مباشرة، بل هناك عمل غير مباشر أو ما يعرف بالعمل المخفي، وهذه الظاهرة منتشرة لدى البنات، فبعض العائلات لا ترسل إحدى بناتها إلى المدرسة للاهتمام بالعمل المنزلي أو للمشاركة بالمسؤولية المنزلية وذلك نتيجة الازمات الاقتصادية.
أما الأخطر فهو حين تكون مسؤولية البنت الاهتمام بالعمل المنزلي لساعات طويلة، وليس في منزل والديها انما في منزل آخر لقاء بدل، وهنا يعرضها لمشاكل أكبر .
خطة وطنية
ومع أن المبادرات الدولية والمجتمعات المحلية تبعث شيئاً من الأمل، إلا أن الحل الحقيقي يبدأ من المجتمع ومسؤولية الدولة وإصرار العائلات على حماية طفولة أبنائها مهما كانت الصعوبات.
وأشارت شليطا إلى أن من أبرز إنجازات الوحدة خلال السنوات الماضية كان إعداد الخطة الوطنية للقضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال في العام 2016 والتي أُطلقت رسمياً من القصر الجمهوري لتصبح وثيقة رسمية مرجعية للمنظمات الدولية والجمعيات الأهلية.
وذكرت أنه تمّ إنشاء مراكز متخصصة لحماية الأطفال العاملين في مختلف المناطق اللبنانية، أبرزها في طرابلس وبيروت وجبل لبنان والبقاع والنبطية، موضحة أن هذه المراكز تؤمّن للأطفال وأسرهم برامج دعم وحماية اجتماعية متكاملة.
وكشفت شليطا أن وزير العمل محمد حيدر أعاد تفعيل اللجنة الوطنية لمكافحة عمل الأطفال بعد توقف اجتماعاتها منذ عام 2018، مؤكدة أن الهدف الأساسي من تفعيل اللجنة هو "إعادة الأطفال إلى المدارس وتطبيق قانون إلزامية التعليم بالتعاون مع وزارة التربية والتعليم العالي".
رغم الواقع المرير لعمل الأطفال، يبقى الأمل أن يعودوا إلى المدارس لا إلى المعامل أو المحلات أو الشوارع. فحين تستعاد الطفولة، يولد الوطن من جديد.
عامر شيباني - النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|