الصحافة

أولى المحاكمات العلنية في سوريا: تعثر المسار برغم طابعه التاريخي... ولربما بسببه

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

عقدت محكمة «الجنايات» بحلب، صباح الثلاثاء الفائت، أولى جلسات محاكمة عدد من المتهمين بممارسة جرائم ضد قوات «الأمن العام»، جنبا إلى جنب عدد من المتهمين بالتورط في انتهاكات أحداث الساحل شهر آذار المنصرم، وقد بينت مصادر من داخل القصر العدلي لـ «الديار» أن «عدد من جرى استجوابهم بلغ 14 موقوفا، خمسة منهم من المنتمين إلى وزارتي الدفاع والداخلية. فيما الباقون هم من (فلول النظام) الذين أطلقوا شرارة تلك الأحداث»، وقد عقدت المحكمة جلستها تلك في حضور «150 وسيلة إعلامية محلية ودولية»، وفقا لما أضافته تلك المصادر، وقد كتب مظهر الويس، وزير العدل السوري، في تغريدة له على منصة «X»، عشية الجلسة، «اليوم نخط سطرا جديدا في سفر العدالة لسوريا المستقبل، نرسخ فيه استقلالية القضاء وسيادة القانون، وندشن مرحلة تقوم على الشفافية والإنصاف، لا مكان فيها للانتقام أو التجاوزات، بل للحقوق، للمحاسبة، ولرفض الإفلات من العقاب»، وإذا ما كانت الصورة التي هدفت تلك «التغريدة» إلى تصديرها «وردية»، بدرجة لا تتيحها المناخات السائدة في البلاد، إلا ان كثيرا من الوقائع كانت قد أظهرت الفجوة الكبرى الحاصلة ما بينها، وبين «الصورة» التي راكمتها عشرات المقاطع والفيديوهات التي عرضت لها قناة «الإخبارية السورية» الرسمية، ولعله كان متاحا أن تكون تلك الفجوة بدرجة أقل مما جاءت عليه.

والجدير ذكره هنا أن منظمة «هيومن رايتس ووتش» كانت قد استبقت انعقاد تلك الجلسة بنشر تقرير «تنبأت» فيه بما ستراكمة هذه الأخيرة، وقد أعربت المنظمة في تقريرها، الصادر قبل يوم واحد، عن شكوكها «بشأن فعالية الملاحقات القضائية المحلية للفظائع، والتي قد يعوقها الافتقار إلى القدرة، أو الإرادة السياسية، أو كليهما»، كما أكدت على إن «إجراءات الحكومة كانت رمزية، من حيث انها ركزت فقط على الانتهاكات التي ارتكبها النظام السابق، في حين أن المطلوب هو توسيع نطاق المساءلة لتشمل الجرائم التي ارتكبتها جميع الأطراف ما بين عامي 2011 - 2024، بما يتمشى مع مبادئ المساواة أمام القانون، وحقوق جميع الضحايا».

في الوقائع، بثت «الإخبارية» السورية، عدة مقاطع تعرض فيها لاستجواب بعض المتهمين، وما يؤخذ على طريقة نقلها للحدث، هو أنها ذهبت إلى تمويه وجوه المتهمين من عناصر «الأمن العام»، في حين لم تفعل في الحالة التي كان المتهمون فيها من «فلول النظام»، وهذا يتنافى تماما مع إعلان وزارة العدل نفسها التي ذكرت أن «المحاكمات ستكون شفافة وعلنية»، ولعل النقل الإعلامي الذي رافق الحدث كانت كفيلا برسم ملامح «صورتين» لما يجري، ففي الوقت الذي ركز فيه الإعلام «المحسوب» على السلطة على إفادات «الفلول» الذين جاءت اعترافاتهم لتظهر أن «تلك العناصر على صلة بجهات خارجية»، وأنهم «تلقوا تمويلا من مصادر متعددة من خارج البلاد»، وفقا لما ورد في تقرير لمراسل «سوريا بلس» من داخل القصر العدلي، كانت هناك العديد من المنصات والصفحات، ممن لم يكن الحضور متاحا أمامها، تعمل على «تشريح» أدق التفاصيل المنشورة، وتحليلها في محاولة لتصدير صورة مغايرة، ولعل جهد هؤلاء لم يكن صعبا، فالكثير من المجريات كانت سانحة، بل داعمة، لذلك الجهد.

وفي أحد المقاطع ظهر القاضي «متفهما» لمسألة «الذكاء الاصطناعي»، حين أنكر أحد عناصر «الأمن العام» صحة الفيديو، الذي ظهر فيه وهو يطلق النار على شخص أعزل، عازيا الأمر إلى «فبركة» أتاحتها تلك الوسيلة، وكأن من الصعب التحقق من أمر كهذا، وعندما واجه القاضي المتهم باعترافاته أمام قاضي التحقيق، أجاب الأخير إنه يعاني من «آثار ضربة في الرأس»، والغريب أن القاضي أشار إلى «كاتبه» بتسجيل عبارة «إنه يعاني من آلام في الرأس، وهو لا يحسن التصرف أحيانا»، في حين يظهر مقطع محاكمة هادي عدنان قبلان، وشقيقه شادي، المتهمين بارتكاب انتهاكات ضد «الأمن العام»، صورة أشد من سابقتها، فالمتهمان يملكان محلا تجاريا عند مفرق «عين البيضا»، 17 كم إلى الشمال من مدينة اللاذقية، وقد تم إلقاء القبض عليهما في أعقاب حادث أمني جرى بالقرب من محلهما، حيث تعرض رتل من قوات الأمن لحادثة إطلاق نار، وقد جرى اعتقالهما بتهمة تخريب جهاز التسجيل الخاص بالكاميرات المركبة في المحل، وقد أكد اثنان من ذوي المتهمين، وثلاثة من الجوار، في اتصال مع «الديار» أن «جهاز التسجيل كان معطلا منذ نحو شهر»، فيما ذكر (س. ق.)، أحد أقارب المتهمين، أن «أخبار هادي وشادي قد انقطعت منذ اعتقالهما، إلى أن ظهرا أمس في المحكمة التي اعترفا أمامها بحملهما السلاح»، وأضاف هذا الأخير أن «الاثنين كانا خارج القرية يوم الحادث»، وهو ما أكده أيضا الجوار الثلاثة في اتصالهم مع «الديار».

أتاح الأداء الذي قدمته المحكمة في أولى جلساتها فرصة كبرى لمن يريد التصويب عليه، والأمر لم يكن كذلك، فحسب، بالنسبة للـ«الخصوم» الداخليين، الذين بادروا إلى الطعن في «شرعية» المحكمة، على نحو ما فعل «المجلس الإسلامي العلوي الأعلى»، و «المجلس السياسي لوسط وغرب سوريا»، و «المرصد السوري لحقوق الإنسان»، وعشرات الناشطين، فقد ذكرت «الإذاعة الفرنسية»، في تقرير لها أعقب انتهاء جلسة المحاكمات، إن «هذا الحدث، رغم طابعه التاريخي، لا يعد تجسيدا حقيقيا للعدالة الانتقالية، التي ما تزال عاجزة عن الترسخ في سوريا المجزأة، وهو يسهم في زيادة العنف بين المكونات».

عبد المنعم علي عيسى -الديار

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا