الانتحار في السجون: أربع حالات خلال فترة قصيرة والسلطات تغضّ الطرف!
مجلس الوزراء يبجث "تشريع" تجاوزات عطية: رئيس التفتيش أقوى رجل في الجمهورية!
فضيحة جديدة على جدول أعمال مجلس الوزراء اليوم، «بطلها» رئيس التفتيش المركزي جورج عطية، الذي لم يعد، على ما يبدو، مجرّد موظف في الدولة اللبنانية يلتزم بصلاحيات منصبه، بل أصبح من أبرز رجال الجمهورية الذين يصعب المسّ بهم، وممّن يطوّع القانون لخدمتهم. القاضي الذي يفترض به السهر على تطبيق القانون ومحاسبة الفاسدين في الإدارات اللبنانية والبلديات، يقف في طليعة المخالفين من دون أن يتجرأ أي طرف في الدولة على وضع حدّ له، يفاجئ الجميع بطلب لتسوية تجاوزاته، بحجة أن ذلك سيصبّ في مصلحة «العمل الرقابي والإداري وخدمة الوطن والمواطن»!
تعود تجاوزات عطية إلى توقيعه - شخصياً - مذكرة تفاهم بينه وبين وزارة الخارجية والتنمية البريطانية، ممثلة بالسفارة البريطانية في بيروت، لمدة ثلاث سنوات (من تشرين الأول 2019 إلى آذار 2022)، على أن تُنفّذ المشروع مؤسسة «سايرن أسوشيتس» البريطانية غير الحكومية، بهدف «دعم إدارة التفتيش ومساعدتها في بناء قدراتها وتطويرها وتعزيز رقابتها وتفعيل تعاونها مع الإدارات والمؤسسات العامة، وتحسين استجابتها مع المواطنين».
المفارقة أن عطية وقّع على المذكرة مع السفير البريطاني إيان كولار في أيلول 2021، أي بعد نحو عام ونصف عام على بدء تنفيذ المشروع، ولم تُعرض على أي جهة رسمية، رغم أنها اتفاق بين مؤسسة لبنانية وسفارة أجنبية، ما يوجب مرورها بوزارتي الخارجية والعدل أو الأمانة العامة لمجلس الوزراء للموافقة عليه.
وتنص المذكرة على تخصيص السفارة البريطانية مبلغ 2.5 مليون جنيه إسترليني (نحو 3 ملايين دولار) لمصلحة التفتيش، مقابل التزامه بالعمل مع السفارة والشركة المكلّفة («سايرن») بشفافية و«الاستجابة لطلباتهما بمرونة وفعالية وضمن مهل زمنية محددة».
وقد أنفق عطية هذه الأموال من دون الإفصاح عن آلية صرفها أو المشاريع التي صرفت عليها، وهو ما يفرضه الدستور في حالات تلقّي «الهبات».
والأخطر أن عطية شرّع أبواب منصة Impact الإلكترونية أمام الشركة البريطانية للتحكّم بشكل كامل بالمنصة التي تضمّ معلومات دقيقة عن الأسر اللبنانية، تشمل أرقام الحسابات المصرفية والرواتب ومساحات المنازل وأرقام السيارات وعدد السفرات السنوية لكل فرد ووجهتها، وصولاً إلى تفاصيل دقيقة أخرى.
واستمر هذا الوضع على مدى ثلاث سنوات، وسط صمت الحكومة ومجلس النواب، رغم تقارير أجهزة أمنية حذّرت من تسليم بيانات اللبنانيين لجهات خارجية ونشرها على خوادم خارجية. لا بل توسّع عطية في عمل المنصة لتشمل المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي، والصليب الأحمر، ووزارات الشؤون والصحة، والمتضررين من انفجار مرفأ بيروت، والمصابين بفيروس كورونا، ومختلف البلديات والمخاتير، إضافة إلى قطاعات حكومية ورسمية أخرى.
واستمر الوضع على هذا النحو حتى قرر عطية، بعد انتهاء مدة مذكرة التفاهم في نيسان 2022، تسوية وضعه بنفسه، فأرسل إلى مجلس الوزراء برئاسة الرئيس نجيب ميقاتي الطلب نفسه الذي يرسله اليوم إلى حكومة نواف سلام.
ورغم أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء في عهد ميقاتي أحالت طلبه إلى وزير المال يوسف خليل، نظراً إلى تضمنه هبة مالية غير مصرح بها، ولخلو الملف من أي كشوفات أو مستندات توضح وجهة الاتفاق، وأرسلت نسخاً إلى ديوان المحاسبة والمديرية العامة لقوى الأمن الداخلي والمديرية العامة للأمن العام، لم يمنع ذلك رئيس التفتيش المركزي من توقيع ملحق الرقم 1 لمذكرة التفاهم بينه وبين السفارة البريطانية (1/7/2022)، من تلقاء نفسه ومن دون أي تسوية لوضعه القانوني، وأرسل كتاباً جديداً إلى رئيس مجلس الوزراء في 19/7/2022 لإطلاعه على الملحق، في تحدٍّ صريح لقرارات الحكومة والدستور والقانون.
ودفع ذلك ميقاتي إلى إحالة ملف عطية مجدداً إلى ديوان المحاسبة تحت عنوان «تجاوز الصلاحيات»، لأن تنفيذ مهمات غير رقابية يتناقض جوهرياً مع دوره، ولأنه يفترض أن يراقب عمل المنصة لا أن يديرها، ما يجعل محاسبته لنفسه أمراً مستحيلاً.
ولفت ميقاتي في كتابه إلى «تقاعس رئيس التفتيش عن تزويد رئاسة مجلس الوزراء بالبيانات لتمكينها من التدقيق في عمل المنصة، في ظل المراجعات المتكررة حول التلاعب والمحاباة في اختيار المستفيدين من برنامج المساعدات المالية، وتسريب المعلومات إلى جهات غير رسمية، وعدم تجاوبه مع فريق الأجهزة الأمنية المكلف دراسة الجانب الأمني والتقني للمنصة، بينما يُسمح فقط لموظفي شركة «سايرن» بالوصول إلى قاعدة البيانات».
وبعدما رفض عطية استدعاء رئيس ديوان المحاسبة القاضي محمد بدران للاستفسار، مبرراً ذلك بأنه يدير هيئة رقابية ويعتبر نفسه «فوق المساءلة»، أصدر الديوان تقريراً مفصّلاً حول تجاوزات عطية، شمل «مخالفة أصول عقد مذكرات التفاهم الدولية، وقبول هبة مالية من السفارة البريطانية من دون التصريح عنها أو عن آلية صرفها، وخلط المهمات الرقابية بالتنفيذية عبر إدارة منصة Impact، وكشف بيانات اللبنانيين أمام مؤسسات دولية حكومية وغير حكومية».
وسرعان ما لجأ عطية إلى «جيش» من الديبلوماسيين، على رأسهم السفير البريطاني وسفراء الولايات المتحدة وكندا وهولندا وألمانيا واليابان، الذين التقوا ميقاتي، وأصدروا بياناً وقحاً دعموا فيه رئيس التفتيش بالاسم، وأثنوا على عمل المنصة، لينام ملف محاسبة رئيس التفتيش.
كل ما سبق لا ينفيه عطية، لا بل أدرج في الملف المقدم إلى حكومة سلام كل مراحل عمله غير القانوني، بما في ذلك تقرير ديوان المحاسبة، متعهداً بالتقيد بتوصيات التقرير وتجنب ارتكاب أي تجاوزات مستقبلاً! واستند إلى رأي «مشبوه» صادر عن هيئة التشريع والاستشارات في 25 تموز 2023، يرى فيه أن مذكرة التفاهم بين رئيس التفتيش والسلطات البريطانية لا تُعد من المخالفات الصريحة المنصوص عليها في المادة 46 من اتفاقية فيينا، وأن الهيئة ترى وجوب المبادرة إلى قبول الهبة بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء.
انطلاقاً من هذا الرأي، رفع عطية الموضوع إلى رئيس الحكومة، مقترحاً الموافقة على قبول «الدعم التقني والفني المقدم لرفع قدرات التفتيش»، بطريقة «عفا الله عما مضى»، ومن دون التصريح عن طريقة إنفاق 3 ملايين دولار. وأشار في طلبه إلى رغبة نائب رئيس مجلس الوزراء طارق متري في نقل منصة Impact من التفتيش إلى مكتب وزير الدولة لشؤون التنمية الإدارية، عبر محضر تسلّم وتسليم حسب الأصول، على أن يستعيد التفتيش دور المراقبة فقط.
بهذا الشكل، يُراد لصفقة فساد مالية وإدارية واجتماعية وأمنية، بطلها رئيس جهاز رقابي يفترض أن يحمي الدولة وليس أن «يعرّيها» أمام السفارات، أن تُقفل وتسوّى وكأن شيئاً لم يكن، ولأن مهمة عطية البريطانية أُنجزت بنجاح، وبات يمكن نقل المنصة من مؤسسته إلى مؤسسة أخرى، وهو ما كان يفترض أن يحصل منذ سنوات. غير أن ربط هذا النقل بتسوية وضع عطية يشير إلى مسعى لطمس كل تجاوزاته وتجنيبه المحاسبة.
ويتم ذلك مرة أخرى على مرأى من مجلس الوزراء برئاسة القاضي سلام، وبوجود أحزاب القوات اللبنانية والاشتراكي والتيار التغييري حركة أمل وحزب الله. إذ إن الموافقة على طلب عطية من دون محاسبته، رغم الوثائق التي أعدها ديوان المحاسبة، بمنزلة دعوة لكل الموظفين إلى «التفنن» في ارتكاب المخالفات والاستقواء بسفارات وقوى خارجية، وتحجيم لعمل الأجهزة الرقابية لمصلحة تسويات سياسية مفروضة من الخارج. فهل يكون جورج عطية أقوى من الدولة وقوانينها ويُخضع مجلس الوزراء لإرادته؟
رلى ابراهيم-الاخبار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|