الصحافة

واشنطن والرياض تعيدان رسم خريطة النفوذ في المنطقة

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

وضع "لقاء كوينسي" التاريخي الشهير بين الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك السعودي عبد العزيز بن عبد الرحمن على متن البارجة "يو أس أس كوينسي" التي كانت راسية في البحيرات المرّة بقناة السويس بتاريخ 14 شباط 1945، "حجر الزاوية" للعلاقات الأميركية - السعودية. اختُبرت تلك العلاقات بمحطّات صعبة وباستحقاقات مفصلية، ما تسبّب بتوترها أحيانًا، لكن المصالح المشتركة أدّت دورًا في صمود روابطهما وتعمّقها، وصولًا أخيرًا إلى تصنيف أميركا للمملكة رسميًا، حليفًا رئيسيًا من خارج "الناتو"، مع ارتقاء الشراكة بينهما إلى مستويات أعلى من أي وقت مضى، لتحاكي تطلّعات وأهداف الرئيس الأميركي دونالد ترامب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.

من "لقاء كوينسي" التأسيسي إلى "لقاء ترامب - بن سلمان" التحديثي، تعبّد واشنطن والرياض الطريق لعقود أخرى من التحالف الاستراتيجي المتين، الذي يعود بالنفع عليهما ويعيد رسم خريطة النفوذ في المنطقة وضبط بوصلتها وهندسة توازناتها، وسط حالة من الاضطرابات وانعدام اليقين على المسرح الدولي. وقّع الطرفان اتفاق دفاع استراتيجي، فيما وافق ترامب على تسليم مقاتلات "أف 35" مستقبلًا للمملكة، كما ستشتري الرياض 300 دبابة أميركية. ووقّع البلدان كذلك إعلانًا مشتركًا في شأن استكمال مفاوضات التعاون في مجال الطاقة النووية المدنية، ووثيقة الشراكة الاستراتيجية للذكاء الاصطناعي وإطارًا للتعاون في مجال المعادن الحرجة، فضلًا عن شراكة مالية واقتصادية.

تُبرز الاتفاقات والوثائق والشراكات الموقعة بين مختلف المسؤولين الأميركيين والسعوديين، المكانة المرموقة التي باتت تحتلّها المملكة على الساحة الدولية، في ظلّ المنافسة المحتدمة على أكثر من صعيد، خصوصًا بين أميركا والصين. استطاع ولي العهد السعودي قطف ثمار التحوّلات الجذرية التي عصفت ولا تزال تعصف في الشرق الأوسط، لحجز موقع متقدّم للمملكة وجعلها شريكًا محوريًا لا غنى عنه في النظام السياسي - الأمني الإقليمي قيد التشكيل. ظن من شن اعتداء غادرًا على منشآت لشركة "أرامكو" في السعودية عام 2019، أنه ربح رهان الهيمنة الأمنية على المنطقة باعتماد نهج الإرهاب والتخريب، بيد أن رياح التغيير بعد هجوم 7 أكتوبر 2023، هبّت بما لا تشتهي "سفن الممانعة"، فتحطّم بعضها وتصدّع بعضها الآخر على صخور "الحقائق الصارخة".

يجهد "محور الممانعة" لدفع "عجلات الترميم" قدمًا بكلّ ما أوتي من قوّة عسكرية وقدرات مالية، من دون القدرة على النجاح حتى الآن في استعادة عافية الأذرع المعطوبة كما يبغي "رأس الأخطبوط". استحالت إيران مأزومة داخليًا وخارجيًا، وتبحث عن مخرج دبلوماسي يحفظ الحد الأدنى من ماء وجه نظام الملالي، بينما تشارك الرياض في صياغة سياسات المنطقة بالتعاون مع اللاعبين الكبار، وتعمل في الوقت عينه على المساعدة في حلحلة التعقيدات بين أميركا وإيران في سبيل الوصول إلى اتفاق نووي جديد يصبّ في مصلحة أمن المنطقة واستقرارها.

تقاطع مصالح "أميركا أوّلًا" مع "رؤية 2030" السعودية، يشرّع الباب لدول المنطقة أمام فرص سياسية واستثمارية استثنائية بالغة الأهمية لنموّها وازدهارها وتحسين ظروف شعوبها، خصوصًا إذا ما أرادت الخروج من "أنفاق" السرديات الأيديولوجية البالية لمواكبة تحديات زمن الذكاء الاصطناعي. لا شك في أن استمرار الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني يبقى عائقًا أمام سلام عادل وشامل في المنطقة، إلّا أن هناك فرصة، ولو ضئيلة، لوضع هذا الصراع على سكّة الحلّ الطويلة. وقد يساهم تصميم ترامب على انضمام السعودية إلى "اتفاقات أبراهام"، في تحفيزه لتكثيف ضغوطه بهدف تهيئة الظروف اللازمة لشق مسار جاد نحو إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، ما سيرضي الرياض لدخول نادي دول "اتفاقات أبراهام"، إذ تكون قد ثبّتت حق الفلسطينيين بتقرير مصيرهم بكيان يعيش بسلام إلى جانب إسرائيل. لكن هذه الغاية تبقى صعبة المنال، أقلّه في المدى المنظور.

حقق بن سلمان خلال زيارته إلى واشنطن "قفزة استراتيجية" في علاقات السعودية مع الولايات المتحدة. سيعود ولي العهد إلى وطنه حاملًا معه إنجازات وازنة، ستنعكس ايجابًا على اقتصاد المملكة وتهيئتها لـ "عصر ما بعد النفط"، في حين تترقب الدول الشرق أوسطية مدى تأثير نتائج زيارته على ديناميكيات المنطقة التي لا تزال في مرحلة حساسة للغاية، حيث تستمرّ إسرائيل بضرب "حزب الله" في لبنان يوميًا وسط مؤشرات إلى احتمال توسّع دائرة الاستهدافات واشتداد حدّتها، فضلًا عن ترنح وقف النار الهش في غزة، وتمسّك تل أبيب بسيطرتها على مناطق في الجنوب السوري مع تعثر المفاوضات الإسرائيلية - السورية. ولا يمكن إغفال إمكان تجدّد الحرب بين الدولة اليهودية والجمهورية الإسلامية في إيران. المنطقة تتغيّر بسرعة فائقة، بيد أن المخاض لا يزال عسيرًا.

جوزيف حبيب - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا