عربي ودولي

"موسم الهجرة إلى الجنوب".. انقسام ألماني بشأن مصير السوريين

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تتفاعل قضية اللاجئين السوريين في ألمانيا بشكل لافت وسط انقسامات حادة بين من يطالب بترحيلهم الفوري، ومن يطالب ببقائهم، مع وجود صوت ثالث يرى ضرورة ترحيل المتورطين في جرائم جنائية، والإبقاء على من حققوا اندماجًا في المجتمع، وأتقنوا لغة البلاد، وانخرطوا في سوق العمل.

ورغم أن الائتلاف الحاكم في ألمانيا، المكوَّن من الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي-البافاري (وهو ما يُعرف بالتحالف المسيحي)، والحزب الاشتراكي الديمقراطي، قد صاغ تفاهمات حول تشديد قواعد الهجرة وتوسيع قائمة "الدول الآمنة"، فإن ملف السوريين وترحليهم محاط بالكثير من التعقيدات.

ظهرت هذه التعقيدات في المقاربات الحكومية المتباينة، ففي حين دعا المستشار الألماني فريدريش ميرتس إلى إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، على اعتبار أنّ "الحرب الأهلية في سوريا انتهت"، ولم يعد هناك أي سبب لطلب اللجوء في ألمانيا، كان لوزير خارجيته يوهان فاديفول رأي آخر، إذ أشار إلى أنّ عودة السوريين إلى بلادهم ليست "ممكنة إلا على نطاق محدود للغاية، لأن جزءًا كبيرًا من البنى التحتية في البلاد مدمّر"، بعد زيارة له إلى سوريا.

وقوبلت تصريحات الوزير الألماني بانتقادات عدد كبير من أعضاء حزبه المسيحي الديمقراطي، الذي ينتمي إليه المستشار، والذين رفضوا اعتبار حجم الدمار "حجة" تحول دون العودة الطوعية أو الإلزامية للسوريين.

واتخذ الحزب الاشتراكي الديمقراطي نهجًا أكثر تحفظًا فيما يتعلق بعودة السوريين، إذ قال المستشار السابق أولاف شولتز، الذي ينتمي للحزب المذكور، إن من حقّق الاندماج في ألمانيا، كالعمل أو إتقان اللغة أو متابعة دراسته، أن يبقى حتى إذا تغيرت الأوضاع في بلده.

الرئيس الألماني فالتر شتاينماير، المنتمي للحزب الاشتراكي الديمقراطي، دخل بدوره على الخط معارضًا فكرة إعادة السوريين لعدم توفر البنية التحتية لاستقبالهم.

وعلى مستوى السياسات الانتخابية، لا يركز الحزب الاشتراكي الديمقراطي على العودة القسرية للسوريين، فيما يبدي حزب الخضر الألماني نهجًا متسامحًا ومتساهلًا، بل مشجعًا للهجرة، إذ تقول أدبياته إن الهجرة ليست مجرد "أزمة"، بل فرصة للتقدم، ويؤكد أن ألمانيا دولة مهاجرة ويجب أن تكون السياسات مصممة لذلك، معتبرًا أن حق اللجوء حق أساسي لا يمكن التنازل عنه.

وعلى النقيض من موقف حزب الخضر، يجهر "حزب البديل" بمناهضته للهجرة، ويرى أن ألمانيا تتحمّل عبئًا كبيرًا من الهجرة يُهدّد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي، ويطالب بوقف قبول لجوء السوريين وضرورة ترحيل "غير المحميين" منهم أو الذين لا يحق لهم البقاء.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين في ألمانيا نحو مليون شخص، غالبيتهم وصلوا في عام 2015 عندما طبقت المستشارة السابقة أنجيلا ميركل سياسة الباب المفتوح، قبل أن تُغلق ألمانيا لاحقًا الباب في وجه المهاجرين، لا سيما بعد صعود حزب البديل اليميني المتطرف الذي بنى برنامجه على مناهضة الهجرة، وهو ما دفع الأحزاب التقليدية إلى طرح برامج مماثلة، وإن كانت أقل تشددًا، كي لا تفقد قاعدتها الانتخابية.

وإلى جانب التباين في الموقف الحكومي، ثمة اختلافات كذلك بين الولايات الألمانية بخصوص هذه المسألة، فبعض الولايات مثل برلين، وهامبورغ، وبريمن ترفض تنفيذ الترحيلات إلى سوريا لأسباب إنسانية، بينما تتخذ ولايات أخرى مثل بافاريا وساكسونيا مواقف أكثر تشددًا.

ووفقًا للبيانات المتداولة في الإعلام الألماني، فقد عاد نحو ألف سوري فقط إلى بلادهم خلال النصف الأول من العام الجاري، وهو ما يبرهن على حجم التحديات التي تواجه مسألة العودة، فرغم التصريحات "الحازمة" التي تطالب بعودة السوريين، فإن النتائج على أرض الواقع تبدو محدودة، فثمة انقسام حكومي بشأن مدى "أمان" أو "استعداد" سوريا لاستقبال العائدين، ما يضعف التنفيذ.

وسط هذه التعقيدات، تبذل الحكومة الألمانية جهودًا لإبرام اتفاقيات رسمية مع السلطات السورية تتيح إجراء ترحيلات منظمة إلى سوريا، لكن لم يظهر شيء رسمي حتى اللحظة.

تحديات وسيناريوهات

في دولة مثل ألمانيا تعتمد على البيروقراطية والقوانين والاتفاقيات الرسمية، فإن غياب اتفاق رسمي مع الجانب السوري يقوض قانونيًا أي إمكانية لترحيلات جماعية أو حتى فردية.

وفي الإطار القانوني ذاته، فإن ألمانيا ملزمة باتفاقية جنيف للاجئين (1951) وميثاق الاتحاد الأوروبي لحقوق الإنسان، ما يعني أن أي ترحيل إلى بلد لا يزال غير آمن يُعدّ انتهاكًا لمبدأ "عدم الإعادة القسرية".

أما فيما يتعلق بالمستوى الحكومي الرسمي، فثمة تباين في المواقف، وهو ما يمثل أيضًا تحديًا، إذ يجعل السياسات التنفيذية بطيئة وقليلة الجدوى، فضلًا عن وجود منظمات مجتمعية وحقوقية تعارض الترحيل وتعتبره غير آمن حاليًا، ولا يمكن لحكومة منتخبة ديمقراطيًا أن تتغاضى عن مثل هذه الأصوات، بحسب خبراء.

علاوة على ذلك، لا يمكن للحكومة الألمانية تجاهل تقارير الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، التي توضح أن "الظروف غير مناسبة لعودة آمنة وكريمة" للسوريين، وبالتالي فإن أي خطوة متسرعة قد تجلب نقدًا واسعًا من منظمات حقوقية ودولية.

ولا يمكن إغفال الجانب اللوجستي، فكل عملية ترحيل تتطلب تنسيقًا قانونيًا، وحجز رحلات جوية، ومرافقة أمنية، وغيرها من الإجراءات المكلفة، ما يدفع الحكومة إلى التركيز على "العودة الطوعية" بدلًا من "الترحيل القسري".

وفي خضم هذه التعقيدات، يرى خبراء أن السيناريو الأرجح لوضع السوريين في ألمانيا هو أن معظمهم سيبقون في البلاد على المدى المنظور، مع استمرار عمليات عودة طوعية محدودة وترحيل انتقائي للحالات المرفوضة أو المجرِمة.

ويتعزز هذا السيناريو باتجاه حكومي منظم وسلس نحو منح التجنيس أو الإقامات الدائمة للمندمجين والمنخرطين في سوق العمل، خصوصًا أن ألمانيا، عملاق الاقتصاد الأوروبي، تشكو قلة اليد العاملة في قطاعات مختلفة.

يشار إلى أن العديد من السوريين حصلوا على الجنسية الألمانية، وهؤلاء ليسوا عرضة للترحيل بأي حال، ووفقًا للإحصاءات الرسمية، حصل أكثر من 83 ألف سوري على الجنسية خلال عام 2024.

أما السيناريو المرجح الآخر، فيتمثل في زيادة أعداد العائدين الطوعيين بتشجيع من تصريحات المسؤولين السوريين الذين يرحبون بعودة مواطنيهم، وهذا يتطلب من دمشق، بحسب خبراء، إطلاق برامج حوافز للعودة الطوعية، مثل الدعم المادي أو مساعدات لإعادة التوطين، أو بعض التسهيلات الإدارية وغيرها من الإجراءات التي تشكّل حافزًا للعودة.

وفي ضوء النشاط الدبلوماسي السوري على الساحة الدولية، يرى خبراء أن هناك احتمالًا لتوصل برلين ودمشق إلى صيغ واتفاقيات تسمح بإعادة منظمة لأعداد من السوريين، وقد ترتفع أو تنخفض هذه الأعداد وفق تجارب العائدين.
 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا