الجنوب بلا دولة: مقاطعة حكوميّة تكشف تحويل الإعمار إلى ورقة ابتزاز سياسي
تغيّبت الحكومة، ما عدا بعض الوزراء الشيعة، وعدد من القوى السياسية والطائفية عن اللقاء التنسيقي الأول المخصّص لإعادة الإعمار في الجنوب والذي عمل عليه رئيس المجلس النيابي نبيه بري عبر مستشاره الإعلامي علي حمدان، في مشهد لا يمكن قراءته على أنه مجرّد تباين إداري أو تنظيمي، بل كمؤشّر واضح على عمق الانقسام الداخلي حيال هذا الملف. فإعادة الإعمار، التي يُفترض أن تكون عنواناً وطنياً جامعاً بعد العدوان، تحوّلت إلى ساحة تجاذب سياسي وحسابات متبادلة تتجاوز الجنوب إلى مجمل المشهد اللبناني.
بحسب مصادر سياسية متابعة فإن أول ما يكشفه هذا الغياب المقصود هو أن ملف الإعمار لم يعد تقنياً ولا متعلقاً بتوافر أموال او عدم توافرها، بل أصبح ورقة ضغط داخلية تُدار وفق منطق الربح والخسارة السياسيين. فكل طرف ينظر إلى الملف من زاويته الخاصة، بين من يراه فرصة لتعزيز موقعه لدى المشروع الخارجي والقيمين عليه، ومن يخشى أن يُستثمر لصالح خصومه، وبهذا، دخل الإعمار في دائرة الصراع على القرار والتمويل والرمزية السياسية، بدل أن يكون استكمالاً لمعركة الصمود التي خاضها الجنوب بوجه آلة القتل الاسرائيلية التي تمارس حرب إبادة للحجر والبشر في كل المنطقة.
في العمق، ترى المصادران الحكومة ترفض مقاربة ملف إعادة الإعمار من زاوية وطنية شاملة، لأنها محكومة بتوازنات دقيقة لا تسمح لها بخطوات مستقلة، سواء في اتخاذ القرار بالبدء ببعض الخطوات التنفيذية ولو كانت شكلية، أو التمويل، فكل تفصيل في هذا الملف يثير حساسية سياسية، مشيرة إلى أن مقاطعة اللقاء التنسيقي جاءت بقرار مسبق شارك فيه رئيس الحكومة، وهذا ما قدم رسالة واضحة لبري بأن الملف بات جزءا لا يتجزأ من الصراع السياسي من جهة ومن الحرب الاسرائيلية من جهة اخرى.
بالنسبة للحكومة والقيمين عليها، فإن ما هو واضح على المستوى الإقليمي والدولي، هو أن الملف بات مشروطاً بمسار سياسي أوسع، يتعلّق بالعلاقة مع إسرائيل، وبالموقف من حزب الله، وبهوية المرحلة المقبلة في الجنوب، وبذلك، لم يعد القرار بيد المؤسسات اللبنانية وحدها، بل أصبح جزءاً من معادلة الضغط على الدولة برمّتها، لإدخالها في مسار تفاوضي أوسع تحت عنوان "الاستقرار".
هذا التعطيل الذي مورس على اللقاء التنسيقي، والذي عُقد لمحاولة تحريك المياه الراكدة، ولم يكن الحضور فيه جامعاً، لا يعني فقط تأجيل الإعمار المادي، بل يحمل دلالات سياسية أعمق، ومن النتائج التي أفضى إليها هو التيقن من ان الدولة تتجنّب تحمّل مسؤولية مباشرة في منطقة تُعدّ امتداداً لخط الصراع مع إسرائيل، خشية أن تُتَّهم بالانحياز، علماً ان المدمرة منازلهم هم من اللبنانيين، والدمار لم يَطَلْ القرى الحدودية فقط بل على كامل المساحة اللبنانية.
في المحصّلة، فإن المقاطعة ليست صدفة، بل تعبير عن مرحلة لبنانية تتعامل فيها الدولة مع الجنوب كملف أمني وسياسي، لا كأرض لبنانية تحتاج إلى إعادة بناء. والنتيجة أن الإعمار، الذي كان يُفترض أن يكون عنواناً جامعاً بعد العدوان، تحوّل إلى ساحة للانقسام، وإلى أداة جديدة في الصراع الإسرائيلي، حيث المطلوب أن يكون لهذا الملف ثمناً سياسياً باهظاً.
محمد علوش -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|