تحقيقات فرنسية تهزّ المشهد اللبناني ــ السوري... ودمشق الجديدة تراقب !
وجد لبنان نفسه يوم 8 كانون أول 2024 أمام أزمة جديدة، وهي تختلف جذريا عن تلك التي خلفتها الأحداث السورية على امتداد أربعة عشر عاما، والتي كان من نتيجتها لجوء نحو 1.5 مليون سوري، وفقا لتقديرات حكومية لبنانية، إلى أراضيه، ولمعرفة الحمولات الناجمة عن هذا الرقم الأخير يكفي القول أنه يمثل نحو 25% من تعداد السكان الكلي للبنان، أما الجديدة فقد تمثلت بلجوء آلاف الضباط والعناصر من الجيش السوري السابق إلى الأراضي اللبنانية بعيد هذا التاريخ المشار إليه أعلاه، وقد ذكر مصدر أمني سوري في اتصال سابق مع «الديار» أن تقديرات الحكومة السورية تقول بأن هناك نحو 6 آلاف عنصر من الجيش السوري السابق كانوا قد لجأوا إلى لبنان عبر معابر غير شرعية في الأيام القليلة التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد، وأضاف المصدر أن بعض هؤلاء غادر الأراضي اللبنانية، لكن المعلومات تشير إلى إن الغالبية لا يزالون فيها، ومن المؤكد أن فعلا من هذا النوع كانت له الكثير من التداعيات على العلاقة المستجدة ما بين الحكومة اللبنانية وبين السلطات السورية الجديدة، التي ترى أن معالجة هذا الملف، جنبا إلى جنب ملفات أخرى، يمثل ضرورة لتصويب تلك العلاقة، وقد سبق للسلطات السورية أن طلبت من الجانب اللبناني التعاون في ملف تسليم عدد من عناصر وضباط الجيش السوري، من المتهمين بجرائم حرب زمن النظام السابق، والذين فروا إلى لبنان بعد سقوطه (تقرير «الديار»: اتفاق أمني لبناني سوري.. ودمشق تصفه بـ«أقل من المأمول» عدد 4 تشرين ثاني الجاري).
وقد بدأت الآثار الأمنية لهذا الوجود بالظهور منذ عدة أشهر، فقد ألقت الأجهزة الأمنية، شهر تشرين أول المنصرم، القبض على 21 ضابطا وعنصرا تابعين للـ«الفرقة الرابعة»، التي كان يقودها ماهر الأسد، ولدى استجواب النائب العام التمييزي، القاضي جمال الحجار، لهم أقروا بأن دخولهم كان «عبر معابر غير شرعية في البقاع وجبل الشيخ»، وكان الجيش اللبناني قد أعلن في بيان له يوم 2 تشرين ثاني الجاري عن «تنفيذ عمليتي مداهمة في منطقتي البقاع الغربي وزحلة، أسفرتا عن توقيف سوريين، وضبط كميات كبيرة من الأسلحة والذخائر والمخدرات كانت بحوزتهم»، وقبلها بأيام، ذكر بيان للجيش اللبناني أيضا أن «إحدى الدوريات داهمت في منطقة المرج بالبقاع الغربي مخيما للاجئين السوريين، وألقت القبض على ( أ. ش )، وعثرت بحوزته على سلاح حربي وكمية من الذخائر»، وأضاف البيان «في عملية منفصلة ثانية نفذها الجيش بمنطقة بر الياس في زحلة، داهم منزل السوري ( ج.ق)، الذي تم توقيفه لتورطه في الإعتداء على إحدى دوريات المديرية في 10 حزيران الماضي بمنطقة طبرجا كسروان»، ومن المؤكد أن هذا الوجود سيصبح ضاغطا بدرجة أكبر على الوضع الأمني اللبناني بمرور الوقت، كانعكاس لأي تطورات يمكن للساحة السورية، غير المستقرة، يمكن أن تشهدها، ناهيك عن إنه يشكل حجر عثرة أمام عودة العلاقات اللبنانية السورية إلى طبيعتها، دون أن يعني ذلك أن فعلا من هذا النوع هو الوحيد الكفيل بتحقيق ذلك، وجدير بالذكر هنا أن السلطات السورية تنظر إلى «تواجد أتباع النظام السابق على الأراضي اللبنانية على أنه منظم»، وهو «يدار من قبل أشخاص معروفين داخل وخارج لبنان».
قال مصدر لبناني لصحيفة «الشرق الأوسط» أن «النائب العام التمييزي بلبنان، القاضي جمال حجار، تلقى برقية رسمية من القضاء الفرنسي، تتضمن طلبا بتعقب كل من اللواء جميل الحسن، رئيس شعبة المخابرات الجوية السورية السابق، واللواء علي مملوك، مدير مكتب الأمن القومي، واللواء عبد السلام محمود، المكلف بفرع التحقيق في المخابرات الجوية السورية في سجن المزة العسكري»، وقد دعت البرقية السلطات اللبنانية، وفقا لمصدر قضائي لبناني، إلى «إجراء التحريات والإستقصاءات، وتوقيف المطلوبين في حال وجودهم على الأراضي اللبنانية»، و«تسليمهم إلى السلطات الفرنسية»، وكان القضاء الفرنسي قد أصدر، يوم 3 تشرين أول المنصرم، مذكرة توقيف بحق كل من الحسن ومملوك ومحمود، بتهم متعددة شملت: التواطؤ في أعمال تعذيب، والتواطؤ في حالات الإختفاء القسري، وكذلك التواطؤ في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وقد صدرت تلك المذكرة بقضية اختفاء باتريك دباغ وابنه مازن، اللذين اختطفتهما المخابرات الجوية السورية شهر تشرين ثاني من العام 2013، وأودعا سجن المزة منذ ذلك التاريخ، وقد قال محامي العائلة أنه «حصل على وثائق من داخل سوريا، في شهر تموز من العام 2018، تؤكد على موت باتريك دباغ في كانون الثاني 2014، بينما توفي الإبن، مازن الدباغ، شهر تشرين ثاني 2017»، كما استند الإدعاء الفرنسي إبان توجيه التهم إلى هؤلاء إلى «أرشيف قيصر»، وهو الإسم الرمزي لـ«فريد المذهان»، وهو ضابط صف بالشرطة العسكرية كان قد فر من سوريا عام 2013، وبحوزته نحو 55 ألف صورة توثق لحالات القتل والتعذيب التي كانت تمارسها أجهزة الإستخبارات السورية، والتي استند إليها أيضا «الكونغرس الأميركي» في إقرار قانون العقوبات الشهير على نظام الأسد عام 2019.
اللافت في الأمر أن «الإستنابة» الفرنسية تضمنت أرقام هواتف لبنانية تتواصل بشكل دوري مع الأشخاص المذكورين، وهذا ثابت من «خلال مراقبة حركة الإتصالات التي تجريها السلطات الفرنسية في سياق تعقب قادة كبار في نظام الأسد»، وفقا لما نقله مصدر قضائي لبناني، وقد أشار القاضي جمال حجار إلى أنه «كلف شعبة المعلومات، في قوى الأمن الداخلي، بإجراء التحقيقات اللازمة، والتحري، عن الضباط الثلاثة، تمهيدا لتوقيفهم، وفقا للمصدر السابق عينه.
هذا الدخول الفرنسي على ملف يبدو بالغ الأهمية لكل من بيروت ودمشق، يشير إلى أن باريس تجهد في محاولة «نزع الألغام» المتراكمة على الطريق الموصلة بين الإثنين، ويشير في الآن ذاته إلى وجود قرار فرنسي بدعم السلطات السورية التي تحيط بها العديد من المخاطر، التي من بينها «بقايا» النظام السابق، الذين ما انفكوا يراهنون على الوقت اللازم لحصول تغيير في المزاج الشعبي السوري أولا، ولحصول متغيرات قد تدفع بالكثير من الدول الفاعلة إلى تغيير مواقفها من السلطات السورية الجديدة.
عبد المنعم علي عيسى- الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|