الصحافة

فضيحة جعيتا تهزّ الرأي العام... السياحة تتنصّل والبلدية تتجاوز القانون!

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في بلدٍ تتشابك فيه الصلاحيات كما تتشابك المصالح، انفجرت فضيحة «زفاف جعيتا» لتفتح الباب على ملفّ إدارة «الكنوز» الطبيعية اللبنانية، وتسلّط الضوء على تضاربٍ خطير بين وزارة السياحة وبلدية جعيتا حول من منح الإذن بإقامة حفل زفافٍ داخل المغارة المصنّفة من عجائب الطبيعة حول العالم.

قبل الدخول في من يتحمّل مسؤولية ما جرى داخل مغارة جعيتا، تفاجأ اللبنانيون ليلة الجمعة الماضية حين تحوّل أحد أقدس المعالم الطبيعية في لبنان إلى مسرحٍ للأنوار والموسيقى والاحتفالات الخاصة.

عشرات المدعوّين دخلوا إلى مغارة جعيتا المزدانة بالألوان، في مشهدٍ أشبه بعرضٍ سياحيّ خاصّ، لا بكنزٍ جيولوجيّ يفترض أن تحرسه القوانين.

لم تمضِ ساعات على انتشار الفيديو حتى اشتعلت مواقع التواصل، وبدأت تتكشّف خلفيات صادمة: من سمح؟ ومن يعلم؟ ومن استفاد؟

بهذه الأسئلة انطلقت العاصفة، لتكشف في ما بعد صراعًا بين وزارة السياحة وبلدية جعيتا حول من يتحمّل المسؤولية، ومن حوّل رمز لبنان الطبيعي إلى قاعة زفافٍ فاخرة.

وزارة السياحة لم تتأخر في الردّ، فأصدرت بيانًا وصفت فيه ما جرى بـ»المخالفة الفادحة»، معلنةً أنها ستوجّه كتاب إنذار رسمي إلى بلدية جعيتا يحدّد نوعية المخالفات المرتكبة. وأكّدت أن الوزيرة لم تمنح أي موافقة رسمية، بل أُبلغت «شفهيًا» فقط بفكرة الاحتفال، وأنها طلبت تقديم التفاصيل خطيًا لدراستها وعرضها على النادي اللبناني للتنقيب عن المغاور، كما ينصّ العقد الموقع بين الطرفين.

في المقابل، شدّد البيان على أنّ المغارة خاضعة لأنظمة صارمة تمنع إقامة أي نشاط خاص أو تجاري في أروقتها الداخلية، حفاظًا على استقرارها الجيولوجي وعلى رمزيتها الوطنية.

البلدية تردّ: الوزارة كانت على علم
غير أنّ بلدية جعيتا ردّت سريعًا، مؤكدة أن الوزارة كانت على علم مسبق بالاحتفال، وأن لا خرق في ما جرى.

هذا التناقض العلني بين الجهتين حوّل قضية الزفاف إلى مواجهة سياسية وإدارية مكشوفة، وسط تساؤلات عن مدى الشفافية في إدارة المرافق السياحية المشتركة.

وفاة المشغّل القديم و»الاتفاق المؤقت»
تعود جذور الأزمة إلى تشرين الثاني الماضي، حين توقّف تشغيل المغارة بعد وفاة نبيل حداد، صاحب شركة ماباس التي تولّت إدارتها لعقود. ومع تعثّر المناقصة الجديدة بسبب الإجراءات البيروقراطية، عقدت الوزارة اتفاقًا مؤقتًا مع بلدية جعيتا لتولّي إدارة وصيانة وتشغيل الموقع حتى نهاية السنة.

لكن هذا الاتفاق، الذي وُصف حينها بـ»الإجراء المرحلي»، فتح الباب أمام تضاربٍ في الصلاحيات والعائدات. ففي حادثة الزفاف، تؤكد وزارة السياحة أنها لم تتسلّم أي عقود أو بيانات مالية، فيما رفض رئيس البلدية الكشف عن قيمة المبلغ المدفوع مقابل استخدام المغارة، مكتفيًا بالقول إن «الحدث تمّ وفق الأصول».

لكنّ ناشطين بيئيين يعتبرون أن تحويل موقع طبيعي كهذا إلى قاعة زفاف تجارية هو خرقٌ أخلاقي قبل أن يكون قانونيًا، ويطرح تساؤلاتٍ عن ثقافة إدارة الإرث الوطني في لبنان، حيث تُستباح المواقع العامة في غياب المحاسبة.

التحقيق الجدي مطلوب
بين بيان الوزارة وإنكار البلدية، يبقى المطلوب فتح تحقيق رسمي شفاف يحدّد المسؤوليات بدقّة، خصوصًا أن ما جرى ليس حادثًا معزولًا بل نتيجة محتمة لسوء الإدارة والخلل في الرقابة على المرافق العامة.

فوفقًا لقانون حماية البيئة رقم 444/2002، يُعدّ أي نشاط يُعرّض نظامًا بيئيًا طبيعيًا للخطر أو يغيّر معالمه مخالفةً صريحة تستوجب الملاحقة الجزائية، خصوصًا في المواقع المصنّفة كمواقع تراث طبيعي، ما يحتم على القضاء اللبناني التحرك سريعاً لمحاسبة المرتكبين في هذا الملف الخطير.

كما تنص المادة 14 من المرسوم 219/2001 (قانون تنظيم وزارة السياحة) على أن كل موقع أثري أو طبيعي يخضع مباشرة لإشراف الوزارة، ولا يجوز إجراء أي نشاط داخله دون ترخيصٍ مسبقٍ خطّي وموقّع من الوزير نفسه، ما يضع وزيرة السياحة لورا لحود أمام مسؤوليتها المباشرة عمّا حصل، ويفرض على الوزارة التحرك السريع لاتخاذ كل التدابير اللازمة ضد من سمح باستباحة هذا المعلم السياحي.

أما اتفاقية التنقيب عن المغاور الموقّعة بين الوزارة والنادي اللبناني للتنقيب، فتمنح النادي حقّ الإشراف الفني والبيئي على كل نشاطٍ داخل المغارات المصنّفة، وهو ما يجعل إقامة الزفاف تجاوزًا صريحًا لهذا الإطار التعاقدي.

في النهاية، لا تختصر القضية بعرسٍ أو احتفالٍ عابر، بل بكيفية تعامل الدولة مع رموزها ومقدّراتها. فجعيتا، التي كان يُفترض أن تكون معلماً للسياحة المسؤولة، تحوّلت اليوم إلى رمزٍ للخلل الإداري والفساد.

وبين أروقة المغارة التي شهدت زفافًا فاخرًا، يتردّد صدى سؤالٍ واحد: من يجرؤ على تحويل الذاكرة الطبيعية للبنان إلى صفقةٍ موسمية؟

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا