الصحافة

سوريا ولبنان ومسار العودة إلى العالم العربي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

بعد أقل من شهر على قرار الحكومة السورية تعليق عمل «المجلس الأعلى اللبناني – السوري»، وحصر كل أنواع المراسلات بين البلدين بالطرق الرسميّة الدبلوماسيّة، حضر رئيس الحكومة نواف سلام إلى القاهرة للمشاركة مع رئيس الحكومة المصرية الدكتور مصطفى مدبولي في «الدورة العاشرة للجنة العليا المشتركة بين لبنان ومصر» بعد انقطاع دام ست سنوات على إنعقادها في بيروت عام 2016. وليس من قبيل المصادفة بل من قبيل الحيوية التي تفرض نفسها على المنطقة، أن تسبق زيارة سلام للقاهرة بأيام قليلة حلول الرئيس السوري أحمد الشرع ضيفاً على مؤتمر «مبادرة مستقبل الإستثمار» المنعقد في الرياض الذي استضافه في جلسة خاصة. 

من الناحية العملية أسقط تعليق العمل بالمجلس الأعلى ـــ المشكّل من رئيسي الجمهورية ورئيسي الحكومة ونائبيهما ورئيسي السلطة التشريعية ــــ كل مفاعيل اتفاقيّة الأخوّة والتعاون والتنسيق بين البلدين التي  وقّعها الرئيسان اللبناني إلياس الهراوي والسوري حافظ الأسد في أيار 1991. والجدير بالذكر أن الإتفاقية التي أناطت بالمجلس الأعلى وضع السياسة العامة للتنسيق والتعاون بين لبنان وسوريا في المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية والعسكرية وغيرها والإشراف على تنفيذها واعتبرت قراراته إلزامية ونافذة المفعول، أقصت المؤسسات الدستورية في البلدين ووضعت اللجان المشتركة المشكلّة من وزراء لبنانيين وسوريين تحت وصايته. 

أين يقف البلدان بعد سقوط اتّفاقية الأخوّة والتعاون والتنسيق؟  لا شك أن هناك مخاضاً  لبنانياً لا يزال متعثراً للإنعتاق من وصاية ثقيلة ومرجعية قهرية قوامها الاسترضاء والتبعية وتوقاً للإنطلاق إلى فضاء جديد من الحرية، يقابله نجاح سوري في الإنتصار على موروث سحيق من القمع والإنغلاق والدمار والتراجع الإقتصادي وتجارة الممنوعات. لقد حاكى الرئيسان الشرع وسلام ،كلٍّ على طريقته من الرياض والقاهرة، ما يرومه لمستقبل وطنه. 

لقد أظهر الرئيس أحمد الشرع  قدراً  كبيراً من المرونة في التعامل مع المتغيرات وتجنب المواجهات الخاسرة  منذ وصوله إلى السلطة، فسوريا التي علّقت عمل المجلس الأعلى اتّخذت قرارها بمغادرة أدوارها السابقة والبحث عن أدوار جديدة.  يُظهر ما أدلى به الشرع في الرياض وضوحاً في وضع الأولويات وفي رؤيته لمستقبل سوريا الجديدة المستند إلى ركيزتين: الأولى تعريف دور سوريا في محيطها  كــ»منطقة لوجيستية إقتصادية متوازنة، بخطط ستمكّنها من الوقوف في مصاف الإقتصادات الكبرى خلال السنوات القليلة المقبلة، في ظلّ توافر الموانئ والسواحل البحرية والموقع الاستراتيجي، ومواردها الزراعية والطبيعية والبشرية». والثانية التأكيد على العودة إلى العمق العربي من خلال الإقرار للدبلوماسية السعودية بجهودها التي أدت إلى  إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا، ودور المملكة كبوصلة لإقتصادات المنطقة من خلال الرؤية السعودية 2030، التي يعتبرها الشرع «ركيزة رئيسة لبناء سوريا»، والتأكيد على «تمكين سوريا سريعاً من الإندماج في العالم». 

من جهته، الرئيس سلام وفي محاكاة لتجربة عاش حلمها وإخفاقاتها وإنقلاب على موروث لا زال يتحكم بمفاصل الإدارة اللبنانية، اعتبر لقاء القاهرة محطة جديدة في مسيرة طويلة من التعاون والتكامل، وأن ما يجمع لبنان ومصر أعمق من أي تبدّل سياسي أو ظرف إقتصادي. لقد جعل سلام من مناسبة انعقاد  اللجنة العليا المشتركة بين لبنان ومصر منصة لمحاكاة الدور الذي طالما اضطلعت به مصر في دعم الإستقرار الإقليمي، وفي الدفاع عن القضايا العربية، وفي مقدّمتها قضية فلسطين، وفي السعي إلى ترسيخ الحلول السلمية للنزاعات وتعزيز منظومة العمل العربي المشترك. وفي محاكاة للعمق العربي الماثل دائماً في وجدانه أسهب سلام أمام  المندوبين الدائمين للدول الأعضاء في الجامعة العربية في التأكيد على دور الجامعة في دعم مسار الإعتراف بدولة فلسطين وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية التي تبنّتها قمّة بيروت عام 2002، و»إعلان نيويورك» لحلّ الدولتين واعتماد المصلحة المشتركة كخيار سياسي. 

وإذ تكلم سلام بإسهاب عن «التزام لبنان الحقيقي باتّفاق الطائف الذي يشكّل أساس دستورنا، وتنفيذ قرار مجلس الأمن 1701 تنفيذًا كاملًا، إنطلاقًا من ايمانه بالشرعية الدولية وتمسّكه باستعادة سيادته وبسط سلطة الدولة على كامل أراضيها»، فإنما حاول إسقاط الصورة القاتمة التي التصقت بلبنان خلال العقود المنصرمة والتي أساءت الى علاقاته بالعالم العربي والتأكيد أن «لبنان بالرغم من حجم التحديات الداخلية، يبقى ، كما كان دوماً، منفتحاً على محيطه، ثابتاً في عروبته»، وهو «يسعى إلى بناء شراكاتٍ استراتيجيةٍ متينة مع أشقائه العرب، إيمانًا بأنّ أمنهم واستقرارهم من أمنه واستقراره».

إزاء كل ذلك كيف يمكن قراءة دعوة سلام «أشقائنا العرب إلى الضغط على المجتمع الدولي لإلزام إسرائيل بالإنسحاب الكامل من أراضينا ووقف إعتداءاتها المتكررة وإطلاق سراح أسرانا»؟

يبدو الرئيس سلام وكأنه يدعو الدول العربية إلى شراكة عربية حقيقية تؤدي إلى تنفيذ مندرجات قرار وقف إطلاق النار بعد أن إتّضحت كافة المؤشرات المحيطة بالوضعين الميداني والسياسي اللذين يحولان دون تنفيذ القرار لبنانياً.  ربما يرى سلام أن تعنت حزب االله بعدم تسليم سلاحه يعني أنه لم يبق أمام طهران من أوراق سوى جعل الحرب أكثر كلفة على إسرائيل.  وما يرفع درجة المخاطرة إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها هو اعتبار الولايات المتحدة أنّ المسار الذي انتهت إليه الحرب في غزة هو النموذج القابل للإستنساخ في لبنان، وهو ما يمكن اختصاره باعتماد إسرائيل مناورة مزدوجة تقوم على التدمير والحصار كوسيلة للتوصل إلى اتّفاق برعاية إقليمية هذه المرة، وبشروط تتجاوز ما هو مدرج في اتّفاق وقف إطلاق النار.  

ماذا يعني ذلك؟ ليس له سوى معنى واحد هو إسقاط لبنان الدولة كطرف مقبول للتفاوض والذهاب الى ما يشبه جولات التفاوض في الدوحة والقاهرة وربما في دمشق؟

العميد الركن خالد حماده - اللواء

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا