ذهب لبنان الأعلى تاريخيًّا…لا بيع ولا تسييل هل يُرهن لردّ الودائع؟
عاد احتياطي الذهب لدى مصرف لبنان إلى واجهة النقاش الاقتصادي، على وقع الارتفاع التاريخي لأسعار الذهب، لجهة كيفية الإفادة منه وتوظيفه في دعم النهوض بالاقتصاد، أو ردّ جزء من الودائع.
ارتفاع قياسي في احتياطي الذهب
بلغت قيمة احتياطي الذهب في لبنان، وفق ميزانية مصرف لبنان، نحو 35 مليارًا و200 مليون دولار في نهاية أيلول 2025، مقارنة بـ 13 مليارًا و900 مليون دولار في نهاية عام 2019، أي بزيادة 21 مليارًا و300 مليون دولار خلال نحو ست سنوات، ما يعادل ارتفاعًا بنسبة 153%، وفق ما أوضح الخبير الاقتصادي والمصرفي الدكتور نسيب غبريل في حديث لـ "لبنان 24" لافتًا إلى أنّ هذا الارتفاع الكبير لا يعود إلى شراء كميات جديدة من الذهب، بل إلى الارتفاع الحاد في الأسعار العالمية، إذ لم يقم مصرف لبنان بشراء أيّ أونصات إضافية خلال تلك الفترة. وبذلك يحتلّ لبنان المرتبة الأولى في معدل احتياطي الذهب في العالم، نسبةً إلى حجم الناتج المحلي الإجمالي، بنسبة تصل إلى 100%، وهي الأعلى عالميًّا.
الرؤى المتعارضة بين استثماره ومنع المساس به
ومع ارتفاع قيمة مخزون الذهب في المصرف المركزي، تُطرح مسألة الافادة من الاتجاه التصاعدي للذهب، وتوظيف مخزون لبنان في المساهمة بحلّ الأزمّة الماليّة في عامها السادس. أبرز المقترحات المتداولة، أن يُصار إلى تأجيره في أسواق التداول العالميّة، أو رهنه لصندوق استثماري أو لشركة أجنبيّة، أو استخدامه كضمان لاقتراض دولي أو للحصول على تسهيلات قصيرة الأمد من بنوك ومؤسسات دوليّة، ما يوفر سيولة دولارية. وهناك رأي يذهب أبعد من ذلك مطالبًا بتسييل وبيع جزء محدود منه، واستخدامه في إعادة أموال صغار المودعين، كحلّ مرحلي لاستعادة الثقة.
بالمقابل تبرز اعتراضات واسعة بشأن المسّ بالذهب بوصفه الملاذ الأخير، وثروة الأجيال المقبلة.أصحاب هذه المقاربة ينطلقون من تجربة الإنفاق من الاحتياطي في مصرف لبنان على سياسة الدعم في السنوات الأولى للأزمة، والتي انتهت إلى تبديد مليارات الدولارت من دون جدوى.
آليات الاستفادة من الذهب دون تسييله
يلفت غبريل إلى أن احتياط لبنان من الذهب في الوضع الحالي يُعد أصولًا غير منتِجة، بل مكلفة، خصوصًا أنّ جزءًا منه محفوظ في الولايات المتحدة، ويكبّد المركزي رسومًا لقاء ذلك. ويؤيد غبريل الاستفادة من فرق القيمة بين عامي 2019 و2025 عبر أدوات ماليّة مبتكرة، من دون تسييل أي جزء من الذهب قائلًا "لا يمكننا الاستمرار في تكرار مقولة إنّ الذهب هو للأجيال المقبلة، فالأجيال السابقة قالت ذلك، ونحن نقوله اليوم، وربما سيقوله الجيل المقبل أيضًا. استمرار هذا المنطق يعني أنّنا نتعامل مع الذهب وكأنّه لوحة جميلة وقيّمة معروضة في متحف، نكتفي بالتفرّج عليها من دون أيّ استفادة منها، في وقت ترتفع قيمتها في الأسواق". ويشرح غبريل عن كيفية الاستفادة من قيمة الذهب من دون تسييله "هناك آليات معروفة في المؤسسات المالية العالمية، تتيح الاستفادة من هذه الزيادة، عبر أدوات ماليّة أو ضمانات من دول أخرى، ومن خلال مصارف استثماريّة عالميّة. شخصيًّا، أؤيد هذا الخيار، على أن تُوجّه الإيرادات الناتجة عنه تدريجيًا نحو تسديد الودائع".
يعتبر مؤيدو عدم استخدام الذهب أنّ السيولة المطلوبة يمكن تحقيقها من خلال خيارات أخرى أكثر نجاعة، أبرزها معالجة الفساد المستشري على المستويات كافة، وتحصيل الضرائب والرسوم من قطاعات متعددة، في مقدّمها الأملاك البحرية والنهرية. حيال ذلك، يوضح غبريل أنّ "الاستفادة من ارتفاع قيمة الذهب تشكّل جزءًا من الحل، لكنها ليست الوحيدة" مشيرًا إلى أنّ "تأمين السيولة يتطلب أيضًا مكافحة التهرّب الضريبي والجمركي، ومحاربة التهريب عبر الحدود، وتنظيم الاقتصاد غير الرسمي، وتحسين الجباية، وإعادة هيكلة القطاع العام" مشددًا على وجوب رفع احتكار الدولة عن القطاعات الحيويّة، مثل الكهرباء والاتصالات والمياه والنقل والمطارات، واستقطاب شركات دوليّة لإدارتها واستثمارها، وإنشاء هيئات ناظمة لها، ما يحوّلها من مؤسسات خاسرة إلى منتجة". ويختم بالقول "هذه الإجراءات، إلى جانب الاستفادة الذكية من ارتفاع احتياطي الذهب، قادرة على إعادة التوازن المالي تدريجيًّا من دون المساس بالذهب نفسه".
الموانع القانونيّة
تقيّد القوانين المحليّة بيع احتياطي الذهب، وأيّ اتجاه لبيع الذهب أو التصرّف به يحتاج إلى إجراءات تشريعية. إذ ينصّ القانون رقم ٨٦/٤٢ تاريخ ١٩٨٦/٩/٢٤ في المادة الأولى منه "بصورة استثنائية وخلافًا لأيّ نصّ، يُمنع منعًا مطلقًا التصرّف بالموجودات الذهبية لدى مصرف لبنان أو لحسابه مهما كانت طبيعة هذا التصرف وماهيته، سواء أكان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة ألّا بنصّ تشريعي، يصدر عن مجلس النواب. بالتوزاي، يخضع احتياطي ذهب لبنان إلى قانون النقد والتسليف الذي يمنع المسّ به من دون قرار صادر عن مجلس النواب.
يبقى احتياطي الذهب محور تجاذب اقتصادي وسياسي بين من يراه فرصة لإنعاش الاقتصاد، ومن يعتبره خطّ الدفاع الأخير عن الاستقرار النقدي وثروة الأجيال المقبلة. وبين هذين الاتجاهين، تغيب الرؤية الحكومية الموحدة، ويستمر الجدل في بلد تتآكل فيه الودائع وتتعثر الإصلاحات، فيما الحلول ممكنة.. لكنّها معلّقة.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|