احتمال حضور قوة عسكرية أوروبية بديلاً لـ «اليونيفيل» في الجنوب
الفساد ينهش الاقتصاد: 3 مليارات دولار سنويًا
تتكثف جهود السلطات اللبنانية لهدم جدار الفساد والجرائم المالية التي شكّلت نواة أزمة 2019 المالية. هذا الجدار متجذر في النظام اللبناني منذ عشرات السنين، وازداد صلابةً لدرجة أن لبنان حصل على علامة 22/100 في مؤشر مدركات الفساد للعام 2024. أما كلفة الفساد فتخطّت الـ 3 مليارات دولار ووضعت لبنان في مصاف الدول الأكثر كلفة في الفساد للفرد الواحد. ما هي الحلول المطروحة لهدم ولو جزء من هذا الحائط من خلال تعميم ثقافة الشفافية وتطبيق القوانين؟
يعتبر جريمةً مالية كلّ فعل يرتكب ينتج عنه تحقيق مكسب ماليّ غير قانوني أو مال غير مشروع كالفساد والرشوة وتبييض الأموال وتمويل الإرهاب. في لبنان، إذا سجّلت للفرد الواحد كلفة فساد بقيمة 1000 دولار تكون الكلفة لـ 5 ملايين نسمة نحو 5 مليارات دولار بين دوائر الدولة مثل النافعة والعقارية... وإذا تمّ شطب الأولاد تنحدر فاتورة الفساد إلى نحو 3 مليارات دولار بشكل غير مباشر من دون طبعًا احتساب القطاع الخاص.
حصّة لبنان تلك كما أوضح نائب رئيس هيئة الأسواق المالية السابق وعضو مجلس الإدارة سامي صليبا لـ «نداء الوطن» تأتي من حجم فساد عالميّ يتراوح استنادًا إلى التقرير الأخير للأمم المتحدة في الشكل بين 3 و 5 تريليونات دولار سنويًا من دون لحظ أعمال الفساد التي تحصل تحت الطاولة التي قد تشكّل أضعاف هذا الرقم.
أعداد الجرائم
في مؤشر مدركات الفساد للعام 2024، احتلّ لبنان المرتبة 154 من أصل 180 دولة، أمّا العلامة التي حصل عليها فهي 22/100 كما أوضح الخبير الاقتصادي فؤاد خليفة لـ «نداء الوطن»، موضحًا أن علامة صفر تعني الدول الأكثر فسادًا و 100 تعني الأكثر نزاهة وبذلك يعتبر أداء لبنان في الفساد من الدول الأكثر سوءًا في العالم، التصنيف الذي أدرجنا على اللائحة الرمادية. كلّ ذلك يأتي كما أوضح خليفة من جرّاء حجم الجرائم المالية التي ترتكب وخصوصًا الفساد الذي يشكّل نسبة 8 % من إجمالي الناتج المحلي، وهي نسبة تمثل حجم الاستثمارات التي يفوّتها الاقتصاد اللبناني سنويًا».
مدى جهوزية التطبيق؟
في هذا السياق، يتبادر إلى أذهاننا السؤال التالي: هل القوانين اللبنانية الموجودة لا سيّما قانون تبييض الأموال والعقوبات... تحتاج إلى تعديل أم جاهزة للتطبيق؟
يجمع الخبراء الاقتصاديون والمتخصّصون بالمحاسبة والجرائم المالية على أن ما ينقصنا ليس القوانين الموجودة بل قرار تطبيق تلك القوانين.
فالقوانين الموجودة في لبنان جيّدة يقول صليبا، إذ تمّ تعديل قانون السرّية المصرفية. كما أن هناك بعض القوانين القديمة التي لا تدخل حيّز التنفيذ، ويعطي صليبا مثالًا على ذلك، هيئة الأسواق المالية على سبيل المثال لديها مجموعة من الأنظمة تدخل ضمنها، مثل معالجة الجرائم المالية وتبييض الأموال والمخالفات اليومية التي تحصل وسبل حماية المستثمر وهي على أعلى مستوى. وهذا ما يجعل الهيئة متقدّمة على سائر الدول العربية بأشواط لكن تنقصها الآلية التطبيقية. لم تشكّل لجنة العقوبات خارج الهيئة ولم تتأسّس المحكمة الخاصة للأسواق المالية منذ بدء الهيئة عملها في العام 2012 بعد أن تمّ إقرار قانون هيئة الأسواق المالية في العام 2011.
لجهة المصارف ومصرف لبنان، يضيف صليبا «لم يكن تطبيق القواعد وهي على مستوى عالمي، فعّالًا كفاية لضبط الأمور من قبل مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف.
إلى ذلك، لم يأت قانون إعادة هيكلة المصارف على ذكر هيئة الأسواق المالية وهذا أكبر خطأ. باعتبار أن الودائع التي تتخطّى المليون دولار والتي ستعاد على شكل سندات من مصرف لبنان لفترة 10 و 15 و 20 سنة، لا يمكن التداول بها من دون بورصة وهيئة الأسواق المالية. كما أن المودع الذي ستكون له حرّية الحصول على أسهم في المصارف من أمواله، ماذا سيفعل بها إذا لم يتمّ التداول بها في البورصة ولم تطرح نسبة 40 أو 50 % من أسهم المصارف التي ستتمّ هيكلتها في البورصة».
كل ذلك، يضاف إليه عدم تطبيق العقوبات على الجرائم المالية التي ترتكب.
المعضلة في التطبيق
من جهته، أكّد الخبير خليفة أن «القوانين في لبنان جاهزة والمعضلة في التطبيق في مسألة مكافحة الجرائم المالية. من هنا، يجب العمل على بناء النزاهة والمصداقية وتطبيق القوانين، وهي دومًا الأساس، كيف لا والفساد وسرقة الأموال شكّلا السّببين الأساسيّين اللذين أثمرا أزمة العام 2019».
ورأى أن «الحدّ من الجرائم المالية لا يمكن أن يتمّ إلّا من خلال الشروع في الإصلاحات وتطبيق القوانين لا سيّما تعديل قانون السريّة المصرفية والتعميم الصادر عن وزارة العدل الذي يلزمهم التحقق من مصدر الأموال التي تردهم وما إذا كان طالب إجراء المعاملة أو المعنيّ بالموضوع على لائحة العقوبات الأميركية...».
أعداد وأنواع الجرائم المالية
استنادًا إلى قانون مكافحة تبييض الأموال رقم 44 /2015 هناك 21 جرمًا ماليًا وهي الإتجار بالمخدّرات، تمويل الإرهاب، الإتجار بالأسلحة والبشر، استغلال الأطفال في الإباحية والفساد والرشوة، الاختلاس واستثمار الوظيفة، الاحتيال، إساءة الأمانة، التهرّب الضريبي، تزوير المستندات الرسمية أو العملة، الجرائم الإلكترونية، الجرائم المالية والمصرفية، التهريب الجمركي، تبييض الأموال، استعمال معلومات داخلية في الأسواق المالية، الجرائم البيئية والجرائم ضد الملكية الفكرية والمتعلّقة بالإتجار بالأعضاء البشرية.
السعي اليوم في التدابير التي تتخذ من الحكومة ومصرف لبنان، إلى معالجة الجرائم الإلكترونية digital finance وتقوم على فتح حساب من خلال تطبيق معيّن إلكترونيًا، هنا قد يتمّ استخدام بطاقة هوية مزوّرة، كما تحصل عمليات سرقة للرقم السري password لحسابات من خلال تحويل أموال إلى حسابات أخرى.
وعلى صعيد العمل الذي تقوم به قوى الأمن الداخلي، تتخذ المديرية العامة إجراءات تصحيحيّة منذ إدراج لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل المالي، تنفيذًا لتوصيات مجموعة «فاتف» وتعزيزًا لثقة الشركاء الدوليين بالمنظومة الأمنية والمالية اللبنانية.
وفي هذا السياق، وخلال مؤتمر خليفة للاستشارات لمكافحة الجرائم المالية للعام 2025، قال قائد الشرطة القضائية في المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي العميد زياد قائد بَي ممثلًا وزير الداخلية أحمد الحجّار، إن المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي استحدثت إجراءات تصحيحيّة مثل قطاعات متخصّصة في مكتب مكافحة الجرائم المالية وتبييض الأموال في وحدة الشرطة القضائية. وقد أحرزت تقدّمًا ملحوظًا في تنفيذ الإجراءات المُوصى بها في مكافحة الجرائم المصنفة أكثر خطورة وفق التقييم الوطني للمخاطر الذي اعتُمد من قبل الدولة اللبنانية خلال العام 2016 والتحديثات التي طرأت عليه».
يبقى السؤال هل من الممكن الخروج من اللائحة الرماديّة من خلال الإصلاحات التي تحصل خطوة خطوة؟.
الأجواء إيجابية للخروج من اللائحة الرمادية في المرحلة المقبلة، إذ هناك نفس جديد، وجهود تبذل لشطب لبنان عن اللائحة الرمادية. فالطريق الوحيد للمضيّ قدمًا بحسب خليفة هو جعل الفساد غير مربح، غير قانوني وغير مقبول اجتماعيًا.
باتريسيا جلاد - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|