نديم الجميّل في ذكرى بيار الجميّل: يبقى رمزاً للسيادة وللبنان الحر
أحمد الشرع… بين الواقع والتشبيه بـ"كوهين": قراءة في التاريخ والمخطط
في خضم التحوّلات السورية الأخيرة، ومع بروز اسم أحمد الشرع على الساحة السياسية والعسكرية كوجهٍ يقود مرحلة ما بعد سقوط النظام، عادت إلى الأذهان مقارنات مثيرة للتساؤل بينه وبين شخصية تاريخية غامضة هي إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي تسلل إلى دمشق في ستينيات القرن الماضي، ونجح في التغلغل داخل طبقة الحكم قبل أن يُعدم في عام 1965.
لكن ما أوجه الشبه، وأين تكمن الحقيقة، وهل نحن أمام تكرارٍ لتجربة مخابراتية بثوبٍ سياسي جديد، أم أمام مشروعٍ سوري مختلف الملامح؟
▪️ كوهين: رجل المخابرات الذي اخترق دمشق
إيلي كوهين، الجاسوس الإسرائيلي الذي دخل سوريا متخفيًا باسم "كامل أمين ثابت"، استطاع عبر ذكائه وقدرته على بناء العلاقات أن يقترب من دوائر القرار، حتى أنه كان يحضر بعض الاجتماعات الحساسة في وزارة الدفاع السورية.
كانت مهمته، وفق الوثائق التي كُشفت لاحقًا، تتركز على نقل المعلومات العسكرية إلى تل أبيب، والمساعدة في إعداد خرائط لمواقع القوات السورية في الجولان قبل حرب 1967.
لم يكن كوهين قائد ثورة ولا زعيم تغيير، بل رجل ظلالٍ وأسرار، وظيفته اختراق المجتمع السوري من الداخل لخدمة أهداف استخباراتية خارجية.
وحين كُشف أمره، أُعدم شنقًا في ساحة المرجة، ليبقى اسمه رمزًا للتسلل الماكر الذي يسبق العاصفة.
▪️ أحمد الشرع: من "الجولاني" إلى رأس السلطة
أما أحمد الشرع، الذي كان يُعرف سابقًا باسم أبو محمد الجولاني، فقد شق طريقه من ساحات الحرب إلى قصر الحكم.
قاد فصائل المعارضة المسلحة ضد نظام الأسد لسنوات، ثم غيّر استراتيجيته تدريجيًا، فانتقل من المظهر الجهادي إلى الشكل السياسي، ومن الخطاب الديني المتشدد إلى الحديث عن الدولة المدنية والإصلاح.
وبعد إعلان سقوط دمشق، ظهر الشرع بهيئة جديدة: بدلة رسمية، لغة معتدلة، اسم مدني، مؤكّدًا أنه يريد "سوريا جديدة لا تشبه الماضي ولا تعيش في الظلّ".
هذا التحول المفاجئ أثار الريبة في أوساط سورية وعربية ودولية على حدّ سواء.
فمن كان حتى الأمس القريب رمزًا لمعارك دامية، أصبح اليوم يرفع راية الحوار والتعددية، ويخاطب المجتمع الدولي بلغة “التسامح والانفتاح”.
▪️ أوجه التشابه في نظر المنتقدين
الذين يقارنون بين كوهين والشرع لا يقصدون التشابه في الهوية أو الانتماء، بل في المنهج والأسلوب.
يرون أن ما فعله كوهين بالتسلل إلى طبقة القرار السورية عبر الثقة والعلاقات، يفعله الشرع اليوم بالتسلل إلى طبقة المجتمع والسياسة عبر الخطاب المعتدل والتغيير المفاجئ في المظهر والسلوك.
فكوهين استغل ضعف الوعي الأمني والسياسي في سوريا الستينيات، أما الشرع – بحسب المنتقدين – فيستغل الانقسام الاجتماعي والاقتصادي في سوريا ما بعد الحرب، لينسف الطبقات من الداخل ويعيد إنتاج حكم جديد، قد لا يختلف في جوهره عن النظام الذي أسقطه.
النتيجة في الحالتين واحدة: تحكم النخبة في مصير الشعب، بينما يبقى المواطن السوري خارج دائرة القرار، ضحية لعبة أكبر منه.
▪️ ما وراء المقارنة: خوف من إعادة إنتاج الاستبداد
الخشية الحقيقية ليست من أحمد الشرع كشخص، بل من المنظومة التي قد تتشكل حوله.
فالتاريخ السوري أثبت أن كل من وعد بالتحرير والعدالة انتهى إلى سلطة مركزية مغلقة، وأن كل ثورة بلا وعي شعبي تحولت إلى نظام جديد يرتدي قناعًا مختلفًا.
من هنا، فإن السؤال المطروح ليس “من هو الشرع؟” بل “إلى أين يأخذ سوريا؟”
هل هو مشروع وطني فعلاً، أم واجهة لمخططٍ جديد يعيد البلاد إلى قبضةٍ أشدّ من ذي قبل؟
هل يريد بناء دولة مدنية حقيقية، أم إعادة ترتيب القوى لمصلحة أطرافٍ خارجية تبحث عن نفوذها عبر وجوهٍ محلية؟
▪️ الخلاصة: التاريخ لا يكرر نفسه... لكنه يُعيد الأدوار بأقنعة جديدة
إيلي كوهين جاء متخفيًا باسم عربي ليتجسس على دمشق، وأحمد الشرع جاء باسمه الحقيقي بعد سنوات من القتال ليحكمها.
بين الجاسوس والسياسي قاسم مشترك واحد: اللعب على أوتار المجتمع السوري المنهك، الذي بات ميدان اختبار دائم لكل تجربة تُرفع تحت عنوان “التحرير”.
لكن التاريخ، وإن تشابهت مشاهده، لا يُعاد بنفس السيناريو.
فسوريا اليوم ليست سوريا الستينيات، والمجتمع العربي صار أكثر وعيًا، والإعلام أكثر حضورًا، والرقابة الشعبية – رغم ضعفها – لم تعد غائبة كما في الماضي.
ومع ذلك، تبقى الحذر والوعي واجبين، لأن أخطر ما يمكن أن تواجهه الشعوب ليس العدوّ الذي يأتي من الخارج، بل البديل الذي يُشبهه من الداخل كما حصل في السويداء والساحل السوري وان التاريخ كفيل بأن يبرهن للعالم هذاه الحقيقة .
بقلم الصحافي : سماح مطر
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآن| شاركنا رأيك في التعليقات | |||
| تابعونا على وسائل التواصل | |||
| Youtube | Google News | ||
|---|---|---|---|