الصحافة

ابني "الأول" وابنتي "الأولى" في "صفّ الأوائل" فلمن تبقى المرتبة الثانية وما بعدها؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

يتوغّل طلاب لبنان في عامهم الدراسي 2025 - 2026. وكما هي العادة في كل عام، تتصاعد الضغوط من جراء الفروض والواجبات، ومن باب الاعتناء الضروري بشروط الاستيعاب، والتحضير للامتحانات المدرسية والرسمية على حدّ سواء.

 التمييز بين الطلاب...

وكما في كل عام أيضاً، يتكرر الخطأ التقليدي نفسه، وهو ذاك المُرتَكَب منذ أيام مدرسة "تحت السنديانة". وهذا الخطأ هو حلم الأهل الدائم بأن يكون إبنهم "الأول" وابنتهم "الأولى" في الصفّ، وهو (خطأ) ما تنغمس فيه إدارات المدارس بمعظمها أيضاً، وحتى في (المدارس) الدينية المسيحية منها، أي تلك التي من المُفتَرَض أن تكون أكثر وعياً على وجوب عدم الحكم على أي إنسان واختزاله بمرتبة، حتى ولو كانت "الأولى".

فمن المؤسف جداً أن معظم تلك المدارس تميّز بين الطلاب ليس على أساس عادل. فمن العدالة أن يشعر التلميذ الهادىء والجدّي والمواظِب على دروسه بأن المدرسة تقدّر ذلك، ليس لـ "تدمير" غير الجديين نفسياً، بل لحثّهم على تحسين فاعلية سلوكياتهم المدرسية والدراسية حبّاً بهم وبمصلحتهم. ولكن هذا ما لا يحصل تماماً في المدارس منذ زمن بعيد، وحتى اليوم، إذ قد يشكل القسط المدفوع بسهولة "باسبوراً" سهلاً لبعض الطلاب مهما فعلوا، فيما لا تزال المرتبة التي يحظى بها التلاميذ عند توزيع دفتر العلامات مقياساً أساسياً لتقييمهم كبشر، وليس كطلاب في مرحلة التحصيل العلمي، مع الأسف.

المرتبة المدرسية

من يصدّق أنه خلال جلسة اجتماعية معينة في عام 2025، قد نسمع أمهات وآباء يتحدثون عن أبنائهم أو بناتهم بالقول "يقبرني الأول بالمدرسة" أو "تقبرني الأوّلي بالصفّ"، وذلك رغم أننا بلغنا عصر العلوم المفتوحة للجميع من خارج أبواب ونوافذ المدارس والجامعات. وهو ما يدلّ على أن جوهر الإنسان يبقى هو هو، أمس واليوم وغداً.

ومن يصدّق أنه خلال جلسة اجتماعية معينة في عام 2025، قد نجد من لا يزالون يقيّمون الولد بحسب المرتبة المدرسية التي ينالها، بين أول وثانٍ وثالث ورابع؟...

ومن يصدّق أنه خلال جلسة اجتماعية معينة في عام 2025، قد نجد نسبة ليست قليلة من الأمهات والآباء الذين يتحدثون عن أولادهم "الأوائل" في الصف نفسه، وهو ما يطرح السؤال حول من تبقّى للمراتب الثانية، والثالثة، والرابعة... بما أن الجميع ينالون المراتب الأولى، وجوائز التقدير؟

"استخراج الإنسان"

هل يُعقَل أن طلابنا وأجيالنا الصاعِدَة (في لبنان والعالم، لأن ما سبق ذكره هو أسلوب تفكير عالمي إجمالاً) باتت "عبقرية" الى هذه الدرجة؟ وإذا كانت هذه هي الحال، فلماذا ينزلق بلدنا (لبنان) وغيره من البلدان حول العالم، يومياً، الى أوضاع أشدّ سوءاً في المجالات والقطاعات كافة؟ ولماذا تزداد العلوم والجامعات والشروط القاسية للتخرّج ونَيْل العلامات، فيما ينزلق عالمنا وكوكبنا الى الهاوية الكبرى رويداً رويداً، وفي كل يوم أكثر من الذي يسبقه؟

في الواقع، قد نجد من يعلّم أولادنا الرياضيات والفيزياء والكيمياء وعلوم الحياة واللغات والتاريخ والجغرافيا والتربية المدنية والرياضة والفلسفة والاقتصاد والإعلام وعلم الاجتماع والطب والهندسة والحقوق وعلم النفس والصيدلة وتركيب الأدوية والعلاجات الفيزيائية وأصول العمل في المختبرات وكل أنواع العلوم والمعارف الموجودة على الأرض... وقد نجد من يقيّمهم بحسب المرتبة الأولى أو الثانية أو الثالثة... و(قد نجد) من يشترط معدّلاً عاماً بنسبة 12 أو 13 أو 14 لترفيعهم الى صفوف واختصاصات معيّنة، نعم قد نجد كل ذلك، ولكننا ما عدنا نجد من "يستخرج الإنسان" الموجود فيهم.

المرتبة الأولى

فماذا ينفعني إذا كان إبني أو ابنتي "الأوائل" في صفّهما المدرسي أو الجامعي، أو على دورة تخرّجهما الجامعية من كلية الطب مثلاً، إذا كانا سيتعاملان مع مرضاهم مستقبلاً كأرقام، أو كزبائن؟ فهل هذا علم؟ وهل هذه معرفة؟

وماذا ينفعني إذا احتلّا المرتبة الأولى بالمحاماة مثلاً، إذا كانا فاقدَين للضمير، ويعملان لإصدار أحكام يدركان تماماً أنها ظالِمَة بحق أي إنسان أو جهة؟ فهل هذا علم يستحق الافتخار؟ وهل هذه حالة تستدعي "رفع الرؤوس" بهما؟

وماذا ينفعني إذا حصدا المرتبة الأولى مع تميّز مثلاً، في أي نوع من الاختصاصات، إذا لم يتحرّرا من التعامل مع المرتبة الأولى كهدف، وإذا لم يتقبّلا حقيقة أن الأخطاء دائمة لدى كل إنسان في حياته، حتى ولو كان الأول في صفّه المدرسي والجامعي دائماً؟

الحقيقة

فكم من "أول" أو أولى" في صفَّيْهما، شخّصا حالة مريض في عيادتهما بغير ما هي عليه، وتسبّبا بوفاته (ولو عن غير قصد)؟ وكم من "أول" أو "أولى" في صفَّيْهما "هندسا" مبانٍ سقطت أو تآكلت ليس بمرور الزمن فقط، بل من جراء أخطاء هندسية معينة ارتُكِبَت من جانبهما؟ وكم من إدارة مدرسة حكمت على طالب بأنه ليس "نافعاً"، فيما أظهرت الحياة لاحقاً أن هذا الحكم لم يَكُن صائباً أبداً؟

فكما تعلّمون الأولاد كل علوم الأرض وأصولها، علّموهم الحقيقة، وهي أن الحياة ليست مرتبة، وأن الإنسان مسألة أعمق بكثير من أن يكون "أولاً" أو "أولى".

أنطون الفتى - وكالة "أخبار اليوم"

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا