أشجار لبنان في مزادات الحطب: مجزرة الغابات حرقاً وتقطيعاً
على أبواب تشرين، بعد صيف فتكت حرائقه بالعديد من الغابات والأحراج، جاء موسم التحطيب الذي يهدّد ما تبقّى من غطاء أخضر لا يكاد يصمد. من جبال عكار إلى سفوح البقاع، ومن غابات الشوف إلى أعالي الضنية، تئنّ الطبيعة تحت وطأة مناشير لا ترحم، وعجز دولةٍ عن ردع المخالفين، وسكوت مجتمعٍ غايته تبرّر الوسيلة، يهمّه دفء الشتاء ولو على حساب الطبيعة والبيئة.
قطع أشجار معمّرة
لا يكاد يمرّ يوم من دون تسطير محاضر ضبط بمخالفين يقطعون أشجاراً معمرة في الغابات والأملاك الخاصة، من دون الحصول على تراخيص مسبقة. وبحسب أرقام وزارة الزراعة جرى تسطير حوالى 600 محضر ضبط حتى منتصف أيلول، والأرقام مرشّحة للارتفاع.
وهي موزعة على جبل لبنان 184 محضراً، وعكار 96 محضراً والشمال 108 محاضر، والجنوب نحو خمسين محضراً، ونحو 200 محضر في محافظتي البقاع وبعلبك-الهرمل. علماً أن العام 2024 كله شهد تسطير نحو 700 مخالفة.
قبل أيام، أقدم العنصر في قوى الأمن الداخلي د.ش. على قطع أشجار معمرة في الوادي بين سرعل ومزرعة النهر في قضاء زغرتا.
وللمصادفة أنه يعمل مرافقاً لأحد القضاة الذين يحققون في ملفات فساد. وجرى تسطير محضر ضبط بحقه بعدما تبين أنه قطع ما يقارب 30 طناً من أشجار الصنوبر، و13 طناً من السنديان المعمّر.
وأفاد مصدر أمني لـ"المدن" أنّ العنصر الأمني أوقف وأحيل ملّفه إلى مديريته وفقاً للتسلسل الإداري، لا سيما أن ما أقدم عليه جنحة يعاقب عليها القانون. وبعد توقيفه، سيمثل أمام القاضي الذي سيقرّر قيمة الغرامة ومدة السجن التي يفترض أن تراوح بين ستة شهور وسنة.
الغابات وقود للتدفئة
شهد لبنان في السنوات الأخيرة ازدياداً كبيراً في ظاهرة قطع الأشجار، لا سيما في المناطق الجبلية والغابات، ما أثار جدلاً واسعًا بين الناشطين البيئيين والجهات الرسمية.
وبينما يبرر البعض هذا القطع بغلاء المازوت والحاجة إلى التدفئة، يرى آخرون أن ما يحدث يعد اعتداءً ممنهجاً على البيئة اللبنانية ويمثل تهديداً حقيقياً للتنوّع البيولوجي والتوازن الطبيعي.
إشكالية حرّاس الأحراج
وزير الزراعة نزار هاني يقول إنّ الوزارة تتحرّك للحدّ من المخالفات من خلال "ضبطها عبر حراس الأحراج والصيد وصيد الأسماك البالغ عددهم حالياً حوالى 130 حارساً. وسيتمّ في القريب العاجل توظيف نحو مئة حارس جديد لدعم الفرقة الفنية لمراقبة الأحراج.
وسيبدأ هؤلاء عملهم في تشرين الأول، ويخضعون لدورة تدريبية كاملة في تشرين الثاني، قبل أن يتسلموا مراكزهم".
ويضيف لـ"المدن" أن الوزارة تتابع ملف التعديات، وهي في صدد تقديم قانون غابات جديد لتثبيت الأسس والأنظمة والمعايير الأخلاقية، ومهام الجوال بحسب ما وضعته المنظمة العالمية للجوّالين. وأوضح أن "موازنة العام 2025 تضمنت مضاعفة الغرامات 50 مرّة.
وقد بدأ عدد من القضاة تشديد الأحكام المتعلق بمخالفات الاعتداء على الأحراج. وهذا ما أعاد إلى محاضر الضبط قوّتها الرادعة."
ويأمل وزير الزراعة "النجاح في حماية غابات لبنان كلّها، تماماً مثل النجاح في حماية المحميات الطبيعية، حيث خفّت التعديات كثيراً بفضل وجود الحراس والجوالين والمحاضر وتطبيق القانون وبرامج التوعية".
الحفاظ عليها مسؤولية مشتركة
ولكن، في بلد تتضاءل مساحته الحرجية كلّ عام، على أي أساس يمنح ترخيص لقطع الأشجار؟ تسأل "المدن".
يجيب هاني: "قطع الأشجار الصمغية ممنوع الّا في حالات البناء المرخّص، والأشغال العامة مثل الطرق والسدود، أو إذا كانت الشجرة تهدد السلامة العامة، بمعني أنها تكون مقتلعة أو آيلة إلى السقوط أو متداخلة مع كابلات الكهرباء أو قد تسبّب ضرراً في الأبنية. أما الأشجار الورقية فيمكن تشحيلها أو تفريدها بداعي الاستثمار، ولإزالة الضرر عن الأشجار المثمرة ".
ويشير هاني إلى أن إدارة الغابات والطبيعة، والحفاظ عليها، مسؤولية مشتركة بين الدولة المركزية، الممثلة بوزارة الزراعة خارج المحميات وبالبيئة داخل المحميات من جهة، والبلديات ومنظمات المجتمع المدني والناشطين وأصحاب الأراضي. وعلى جميع الأطراف التّعاون للمحافظة عليها على المدى البعيد.
عدم التستر على الجرائم بحق البيئة
بين نار الشتاء وجشع تجار الحطب، تدفع الغابات والأحراج الثمن. ويُعدّ التحطيب، وما ينتج عنه من تبعات بيئية، واحداً من عدة عوامل تسبّبت في تراجع المساحات الخضراء في لبنان على مدار السنوات الماضية. إضافة إلى التوسّع العمراني وشقّ الطرقات والمرامل والكسارات. فترتكب مجازر قطع الأشجار سواء بدافع الجشع أو بسبب انعدام الوعي والثقافة البيئية، يقول الناشط البيئي المهندس شليطا طانيوس، داعياً المجتمع المدني إلى عدم التستّر على هذه الجرائم تحت مبرّر "تْرِكوا العالم تْعيش" وإبلاغ الجهات المختصة عنها.
ويشير طانيوس إلى أن تشحيل الأشجار يحدّ من الحرائق ويجدّد الغابات، لكن القطع العشوائي من دون تراخيص يؤدي إلى إبادتها. لذا "لابدّ من المراقبة الفعالة حتى على الأشخاص الذين يحصلون على تراخيص من وزارة الزراعة. فكثر يستغلّون الترخيص لارتكاب المجازر البيئية على نطاق أوسع، مستبيحين الأشجار الممنوع قطعها، ويتخطّون العدد المسموح به".
و"هناك مناطق مستباحة يتمّ التحطيب فيها من دون أن يعلم بها أحد لا سيما في عكار والهرمل" يقول طانيوس، مطالباً بتغيير قانون الغابات وعدم السماح بتشحيل الأشجار إلا تحت إشراف الاختصاصيين ومراقبي الأحراج.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|