غارة تستهدف صهريجًا في حي هونين بانصار... وسقوط شهيد (فيديو وصور)
أزمة السكن بالأرقام: لماذا يعجز 80% من اللبنانيين عن شراء منزل؟
يعتبر الحصول على منزل خاص حلما مشروعا للكثير من اللبنانيين، خصوصا الشباب الذين يسعون إلى الاستقرار وتأسيس عائلاتهم، لكن في ظل الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، أصبح هذا الحلم بعيد المنال وتحول إلى كابوس يطارد معظم اللبنانيين، فأسعار الشقق في بيروت والمدن الكبرى بلغت مستويات خيالية تجاوزت قدرة الغالبية الساحقة، فيما الرواتب المتدنية بالكاد تكفي لتأمين الحاجات اليومية، أما القروض المصرفية وأقساطها، فقد خرجت تماما عن متناول اليد، لتفرض على المواطن معادلة شبه مستحيلة بين دخل محدود مقابل أقساط شهرية تفوق بأضعاف القدرة المعيشية للعائلات.
هذا التناقض جعل تملك منزل في لبنان حلماً بعيد المنال يبتعد أكثر فأكثر، ويدفع بالشباب إلى خيارات بديلة لا تقل صعوبة، كالهجرة بحثا عن أفق جديد، أو الاستئجار بأسعار بدورها مرتفعة تثقل كاهل المستأجرين.
فمنذ عام 2019، شهد السوق العقاري اللبناني تحولات كبيرة، في ظل أزمة مالية عرفت بالأسوأ عبر تاريخه، وصنفها البنك الدولي من بين الازمات الثلاث الأسوأ في العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر، نتيجة ارتفاع التضخم، وانهيار الليرة، وتراجع القدرة الشرائية، فقد كانت القروض الإسكانية تقدم من خلال المؤسسة العامة للإسكان والبنوك التجارية، لكن مع تفاقم الأزمة الاقتصادية، توقفت هذه القروض بشكل شبه كامل، بما في ذلك مصرف الاسكان الذي أوقف تقديمها بعد فشل الاتفاق مع الصندوق العربي، وفي العام 2023، أعيد فتح الملف، وبدأ الصندوق بتقديم مبالغ يحولها مصرف الإسكان للمقترضين ذوي الدخل المحدود والمتوسط.
القروض السكنية تعد من أبرز ركائز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي ومع تعثر إعادة هيكلة المصارف وتأخر إطلاق أي برامج تمويلية من القطاع المصرفي التقليدي، تصدر مصرف الإسكان المشهد بوصفه الجهة الوحيدة التي ما زالت تسعى إلى منح قروض سكنية رغم التحديات، ففي خطوة تهدف إلى التخفيف من أزمة السكن ومكافحة هجرة الشباب اللبناني، أعلن مصرف الإسكان، عن رفع سقف القروض السكنية لتصبح، 100,000 دولار لشراء شقة سكنية (مساحتها تحت 150م²)، و100,000 دولار لبناء منزل، و50,000 دولار لترميم منزل قائم، على فترة سداد تصل إلى 20 سنة، وبفائدة 6% بشرط دخل شهري (مقبول) بين 2,500 و5,000 دولار.
لا شك في أن مسألة الإقراض السكني اليوم تشكل حاجة ماسة للبنانيين، لكن الواقع يعكس فجوة هائلة بين هذه القروض والدخل الفعلي للمواطنين المتعطشين للإقراض السكني الذي يوفره "مصرف الإسكان"، باعتباره المسار الوحيد لتملك مسكن في الوقت الحالي، فوفقا لبيانات عام 2024، يقدر متوسط الراتب الشهري في لبنان بحوالى 600 دولار أميركي، وهو رقم لا يعكس الواقع بالكامل، إذ يحصل العديد من المواطنين على رواتب أقل، خصوصا في القطاع الخاص، وهنا يبرز السؤال: لمن ستكون هذه القروض متاحة فعليا؟
ويؤكد الواقع اليوم أن القدرة على تغطية أقساط القروض السكنية شبه مستحيلة بالنسبة لغالبية المواطنين، وهو ما تعكسه شهادات الناس، فخالد وهو مهندس أشار أن "القرض السكني يبدو جيدا على الورق، لكن عند الحساب بالدخل الفعلي، يصبح مجرد رقم غير قابل للتحقيق، كل خططنا تتوقف عند القدرة على دفع الإيجار فقط." أما حسام وهو موظف في إحدى الشركات المحلية يختصر معاناة الشباب اللبناني يؤكد أنه "حتى لو وجدت وظيفة براتب أفضل مما اتقاضاه اليوم، فإن الأقساط الشهرية لقرض السكن تفوق كل ما يمكنني دفعه، أفكر جدياً في الهجرة إلى الخارج، لأن هنا لا أرى أي أفق".
بدورها منى وهي ربة منزل تقول "نحن مستأجرون منذ عشر سنوات، والأسعار ترتفع كل سنة، كل ما نحلم به هو غرفة صغيرة لنا ولأطفالنا، لكن حتى ذلك أصبح بعيد المنال"، بينما ترى سارة وهي موظفة في القطاع الخاص "أصبح الاستئجار وحده يستهلك نصف راتبي، وحلم شراء منزل صار كابوسا يلاحقني".
يشار إلى أن مصرف الإسكان هو مؤسسة مالية مختلطة تأسست عام 1977، يجمع بين الحكومة اللبنانية والقطاع الخاص، حيث تملك الحكومة اللبنانية 20% من أسهم المصرف، بينما يمتلك القطاع الخاص (المصارف وشركات التأمين والمستثمرون الأفراد) 80% من أسهمه، ويختص بمنح قروض إسكانية طويلة الأجل لمساعدة المواطنين على تملك أو بناء وتجديد مساكنهم، ويستهدف بشكل خاص الأفراد ذوي الدخل المحدود والمتوسط.
خبير اقتصادي فضل عدم الكشف عن اسمه أشار إلى أنه " في حال توافر قرض إسكان، فإن القسط الشهري يحسب بناء على قيمة القرض، مدة السداد، والفائدة" مضيفاً على سبيل المثال، إذا كان القرض بقيمة 100,000 دولار أميركي لمدة 20 سنة بفائدة 6%، فإن القسط الشهري عند فائدة 6% سيكون حوالى 717 دولارا أميركيا، لكن مع متوسط راتب شهري قدره 600 دولار، يصبح من الصعب على المواطن اللبناني تحمل هذا القسط، فمعظم الأسر في لبنان تعاني من تآكل الأجور نتيجة التضخم، ما يجعل تسديد قرض بهذا الحجم عبئا كبيرا"، مشدداً على ضرورة إصلاح القطاع المصرفي وإطلاق خطة سكنية شاملة على مستوى الدولة دعم الفئات الاكثر حاجة.
ويأتي ذلك متوافقا مع ما يشير إليه الباحث محمد شمس الدين من "الدولية للمعلومات"، إذ أن الفئة القادرة على تحمل هذه الأقساط (1200–1500 دولار شهريا كدخل عائلي) تمثل أقل من 20% من العاملين في لبنان، ما يحد من استفادة شرائح واسعة من المجتمع، ويجعل حلم السكن بعيد المنال لمعظم المواطنين.
رئيس مجلس الإدارة المدير العام لمصرف الإسكان أنطوان حبيب رد عبر وسائل الإعلام على الانتقادات الموجهة إلى مصرف الإسكان بالقول "إن الحملة المستمرة قد تخيف الجهات المانحة وتؤدي إلى وقف الدعم، مضيفاً: "هل المطلوب حرمان اللبنانيين من هذه القروض في ظل غياب البدائل؟"
وبحسب التمويل المتوافر تؤمن قروض مصرف الإسكان حوالى 1300 إلى 1500 قرض سنوياً، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى أكثر من 20 ألف قرض سنوياً لإعادة تحريك القطاع العقاري والإسكاني.
وفي مقارنة بين لبنان والدول المجاورة والعالم تظهر فجوة هائلة في القدرة على تملك السكن، ففي حين تتراوح أسعار الشقق في بيروت والمدن الكبرى بين 200,000 و300,000 دولار، يصل متوسط الراتب الشهري إلى نحو 600 دولار فقط، ما يجعل سعر الشقة يفوق 30 ضعف الدخل الشهري، مقارنة بالدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا، حيث تتراوح نسبة سعر الشقة إلى الدخل بين 5 و12 ضعفا، أو الولايات المتحدة بين 5 و8 أضعاف، مع توافر قروض إسكانية بفوائد منخفضة ومدة سداد طويلة، الأمر الذي يجعل التملك ممكنا نسبيا.
أما في الدول العربية المجاورة مثل الأردن ومصر وتركيا، فتظل الأسعار أقل، لكن ضعف الرواتب يجعل التملك صعبا نسبيا، ما يفرض على الشباب اللبناني خيارات بديلة، بين الاستئجار بأسعار مرتفعة أو الهجرة بحثا عن أفق جديد، في حين يبقى حلم المنزل الخاص في لبنان بعيد المنال أكثر من أي وقت مضى.
قرض الإسكان في لبنان تحول من وسيلة لتمكين الشباب إلى حلم بعيد المنال، جعلت حق السكن – وهو حق أساسي وفق الإعلان العالمي لحقوق الإنسان – رفاهية لا يملكها سوى القلة، والمطلوب سياسة إسكانية وطنية شاملة، تبدأ بإصلاح القطاع المصرفي وتنتهي بدعم فعلي للفئات الأكثر حاجة، كي يبقى حق السكن متاحاً في وطن مازال أبناؤه يحلمون ببيت صغير يلم شملهم.
يشار إلى أن "مصرف لبنان وافق بتاريخ 20 آب 2025 على الإفراج عن مبلغ 300 مليار ليرة لبنانية من حساب المصرف لديه، مخصص حصراً لتمويل قروض ترميم المساكن، تخصص لذوي الدخل المحدود والمتوسط بالإضافة إلى الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، حيث يمكن للمستفيدين الحصول على قرض يصل إلى 2 مليار ليرة لبنانية، بفائدة 7%، وفترة سداد تمتد حتى 10 سنوات، مع مهلة سماح ثلاثة أشهر، على أن يُعاد تجديده بعد استنفاد المبلغ الأولي، بما يضمن استمرارية البرنامج وقدرته على دعم المزيد من العائلات اللبنانية في المستقبل".
ربى أبو فاضل - "الديار"
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|