۸٤ كنيسة إثيوبية تغير لافتاتها إلى معبد خيمة الشهادة التابع لشينتشونجي كنيسة يسوع.
بعد هجوم الدوحة.. هل تسعى إسرائيل لإحداث فوضى إقليمية؟
في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، وجدت قطر نفسها في قلب زلزال استراتيجي بعد أن شنت إسرائيل هجوماً صادماً على الدوحة مستهدفة قادة من حركة حماس.
العملية التي بدت وكأنها خرجت من "كتاب المفاجآت" الإسرائيلي، اعتُبرت سابقة خطيرة تمثل انتهاكاً مباشراً لسيادة دولة عربية صديقة للغرب، وذات دور وساطة مركزي في ملفات إقليمية شديدة التعقيد.
الهجوم لم يكن مجرد عملية عسكرية خاطفة، بل شكّل اختباراً مباشراً لمعادلات السلام الإقليمي ولقدرة التحالفات العربية والدولية على مواجهة ما وُصف بـ"العبث الأمني" لنتنياهو وحكومته اليمينية المتشددة.
من غزة إلى جنوب لبنان، ومن سوريا إلى صنعاء، ومن سواحل تونس حتى قلب قطر، يبدو أن "قطار الاستباحة" الذي يقوده نتنياهو لا يعرف محطة توقف.
والسؤال الذي يفرض نفسه: إلى أين يريد أن يصل هذا الجنون الإسرائيلي؟ وهل ما حدث في الدوحة هو بداية مرحلة جديدة من الفوضى الإقليمية، أم لحظة انعطاف نحو مراجعة كبرى للسلام العربي – الإسرائيلي؟
قطر بين الوساطة والاستهداف.. مفارقة مُحيرة
المفارقة الكبرى التي أثارها الهجوم هي أن قطر لم تكن يوماً في صف المعسكرات المعادية لإسرائيل بشكل مباشر. على العكس، فقد لعبت أدوار وساطة معقدة وحساسة، سواء في الملف الأفغاني مع طالبان، أو في الشيشان، أو في مساعي التهدئة بين إسرائيل وحماس.
بل إن وزير الخارجية القطري ذكّر العالم بأن إسرائيل نفسها طلبت احتضان حماس في الدوحة، وأن نتنياهو هو من سمح بدخول الدعم المالي القطري لغزة لسنوات طويلة. كيف إذاً تنقلب إسرائيل فجأة على هذا الترتيب، لتهاجم الدوحة وتضعها في مرمى النيران؟.
هذا التحول الحاد يطرح تساؤلات عن مدى صدقية إسرائيل في أي اتفاقيات، سواء تلك المرتبطة بعملية السلام، أو بالاتفاقيات الإبراهيمية، أو حتى معاهدات راسخة كاتفاق وادي عربة مع الأردن.
نتنياهو.. منطق الحرب لا السلام
قدم الكاتب والباحث السياسي إلحنان ميلر رؤية تكشف "العقلية الاستراتيجية" لنتنياهو. ففي حديثه إلى برنامج "عماد الدين أديب" على "سكاي نيوز عربية"، قال إن نتنياهو يفتخر بأنه يواجه سبع جبهات في آن واحد، ويستحضر نجاحاته السابقة ضد حزب الله في لبنان وضد الحوثيين في اليمن وحتى في إضعاف النظام السوري.
الهجوم على الدوحة بالنسبة لنتنياهو ليس سوى محاولة لتكرار نفس "التجربة الناجحة" عبر توجيه ضربة قاصمة لحماس في معقل يُفترض أنه آمن. لكن ميلر أشار إلى اختلاف جوهري: قطر ليست كسوريا أو لبنان. فهي دولة حليفة للغرب، جزء من المحور السني، لكنها تدعم حماس انطلاقاً من منطلقات أيديولوجية مرتبطة بالإخوان المسلمين. من هنا، يرى ميلر أن الضربة في الدوحة تحمل بعداً مختلفاً، وتفتح مواجهة مع معسكر جديد، لا يشبه الساحات الأخرى.
في تحليله، شدد ميلر على أن نتنياهو لم يعد أسير ضغوط اليمين المتطرف وحده. بل أصبح هو نفسه رأس الحربة التي تقود إسرائيل نحو "منطق الحرب الدائمة"، دون أي أفق سياسي أو مشروع سلام. وهو يسعى إلى إقناع الجمهور الإسرائيلي بقبول "التشاؤم الدائم" كقدر محتوم.
أما عن المكاسب السياسية، فيرى ميلر أن نجاح العملية – لو كان مؤكداً – كان سيعزز شعبية نتنياهو المتراجعة. لكن الغموض حول نتائجها أبقى موازين القوى السياسية كما هي: معارضوه ما زالوا على موقفهم، ومؤيدوه يعتبرونها استعراضاً للقوة.
إسرائيل.. دولة بلا حدود
من جهته، قدّم الخبير العسكري والاستراتيجي الأردني صالح المعايطة مقاربة مختلفة، أعادت الأزمة إلى جذورها التاريخية.
المعايطة ذكّر بأن إسرائيل منذ قرار التقسيم عام 1947 لم تحدد لها حدود نهائية، وأنها ما تزال "دولة بلا إطار دستوري صارم"، ما يجعلها تستدعي بين فترة وأخرى حلم "إسرائيل الكبرى".
انطلاقاً من حرب 7 أكتوبر وما تلاها، يرى المعايطة أن إسرائيل استغلت مواجهة حماس لتوسيع أجندتها نحو التهجير والإبادة، تحت ذريعة الأمن القومي.
ويضيف أن تل أبيب تعتبر نفسها الآن في مواجهة على 7 جبهات، ما يبرر – وفق روايتها – الهجمات الاستباقية حتى ضد دول مثل قطر.
لكن العامل الحاسم الذي ركز عليه المعايطة هو الديموغرافيا الفلسطينية. فبرأيه، الخطر الحقيقي الذي يواجه إسرائيل ليس عسكرياً بل سكانياً: معدل الإنجاب الفلسطيني يتفوق بوضوح على اليهودي، ما يجعل إسرائيل ترى في التهجير "حلاً استراتيجياً" طويل المدى.
وهنا يصبح الهجوم على قطر – بحسب المعايطة – جزءاً من "بالونات اختبار" لجس نبض الموقف الإقليمي تجاه سيناريوهات التهجير، خصوصاً في الضفة الغربية.
الأردن كان واضحاً: التهجير إعلان حرب. ومصر والإمارات والسعودية انضمت إلى الموقف نفسه: لا للتهجير، لا للإبادة، لا لتصفية الشعب الفلسطيني.
المراجعة الحتمية للسلام
أما المفكر وعضو مجلس الشيوخ المصري عبد المنعم سعيد فقد وضع الهجوم في سياق أوسع يتعلق بمستقبل اتفاقيات السلام العربية – الإسرائيلية.
برأيه، ما حدث في الدوحة يجب أن يكون نقطة تحول، ليس فقط لوقف إطلاق النار في غزة، بل لمراجعة شاملة لكل مسارات السلام.
سعيد لفت إلى أن إسرائيل وضعت نفسها في مواجهة مباشرة مع دول ارتبطت معها بمعاهدات صلبة: مصر (كامب ديفيد)، الأردن (وادي عربة)، والإمارات ودول أخرى عبر الاتفاقيات الإبراهيمية.
الهجوم على قطر – وهي دولة وساطة ومرشحة للانخراط في مسارات السلام – يعني أن كل هذه الاتفاقيات أصبحت تحت تهديد مباشر.
وفي قراءة استراتيجية، دعا سعيد إلى تشكيل تحالف عربي جديد يضم الدول الست التي لديها سلام قائم مع إسرائيل، إضافة إلى السعودية وقطر.
هذا التحالف لا يهدف إلى الحرب، بل إلى إرسال رسالة واضحة للشعب الإسرائيلي: إما أن تكونوا جزءاً من المنطقة عبر السلام، أو تواجهوا عزلة وصراعات لا تنتهي تحت قيادة نتنياهو.
الموقف الأميركي.. إحراج بلا عقاب؟
اللافت أن الهجوم وقع على بعد 35 كيلومتراً فقط من قاعدة العديد، أكبر قاعدة أميركية في الشرق الأوسط. الأمر طرح سؤالاً مريراً: ما فائدة هذه القاعدة إذا لم تحمِ أحد أهم حلفاء واشنطن في المنطقة؟.
الإدارة الأميركية، عبّرت عن "انزعاج" وإحراج كبير. لكن كما أوضح ميلر، فإن الولايات المتحدة عادة لا تُظهر استياءها العلني، خصوصاً في ظل حكم جمهوري.
فهل يكفي توبيخ دبلوماسي عبر مكالمة هاتفية، أم أن المطلوب عقوبات أو مراجعة لتدفق السلاح الأمريكي إلى إسرائيل؟. حتى الآن، يبدو أن الرد الأمريكي انحصر في الشكل، لا في المضمون: لا مانع من استهداف حماس، لكن "ليس في الدوحة".
نحو قمة عربية – إسلامية فاصلة
في غضون 48 ساعة من الهجوم، تحركت العواصم العربية والإسلامية بسرعة للدعوة إلى قمة طارئة. الهدف المعلن: توحيد الموقف ووضع حد للتهديد الإسرائيلي لأمن المنطقة.
لكن خلف هذا الهدف، تبرز أسئلة أعمق:
• هل يمكن استمرار وساطات قطر ومصر بعد أن استُهدفت إحداهما مباشرة؟.
• هل ستُربط أي مسارات تطبيع قادمة بوقف إطلاق النار في غزة ووقف التهجير في الضفة؟.
• هل تتحول القمة إلى بداية "مراجعة كبرى" لاتفاقيات السلام؟.
المؤكد أن القمة لن تكون كسابقاتها. فهي تنعقد على وقع حدث غير مسبوق، وفي ظل قناعة متزايدة بأن إسرائيل لم تعد تلتزم بأي خطوط حمراء.
الهجوم على قطر لم يكن مجرد غارة عابرة. لقد كان جرس إنذار صاخباً بأن المنطقة كلها باتت مهددة، وأن "منطق الحرب" الذي يتبناه نتنياهو يمكن أن يقود إلى انهيار كامل لمسار السلام.
المعادلة التي تطرحها اللحظة الراهنة واضحة:
• إما أن يُعاد الاعتبار للدبلوماسية العربية – عبر قمة قوية وتحالفات متماسكة – لإعادة رسم شروط السلام.
• أو أن تدخل المنطقة مرحلة جديدة عنوانها الفوضى الدائمة، وحروب كل عامين، وعزلة متزايدة لإسرائيل.
السؤال الذي يبقى مفتوحاً: هل ما حدث في الدوحة سيكون محطة عابرة في قطار الاستباحة الإسرائيلي، أم بداية منعطف تاريخي يفرض إعادة كتابة قواعد اللعبة في الشرق الأوسط؟.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|