يتصدّرها سلاح حزب الله.. مصادر تكشف تفاصيل الدعم الفرنسي للبنان
كشفت مصادر سياسية لبنانية أن نزع سلاح "حزب الله" شكلت أحد أكثر النقاط حساسية في أجندة زيارة جان إيف لودريان إلى بيروت.
وقالت المصادر السياسية لـ"إرم نيوز" إن "الموفد الفرنسي حمل تصوراً واضحاً يعتبر أنّ أي مساعدة عسكرية أو اقتصادية للبنان لن تكون ذات معنى دون التقدّم في خطة الجيش اللبناني الرامية إلى حصر السلاح بيد الدولة".
وأضافت المصادر أن "هذه الخطة بالنسبة لباريس، تمثل جوهر معركة استعادة الدولة لسيادتها على أراضيها، وضمان ثقة المجتمع الدولي بقدرتها على التحكم بمسارها الأمني".
تشابك معقد للملفات
وحملت زيارة المبعوث الفرنسي جان إيف لودريان إلى بيروت، أمس، ثِقلاً يتجاوز الطابع الدبلوماسي المباشر.
فالموفد الفرنسي أتى في لحظة يتشابك فيها المسار السياسي مع الملفات الأمنية والاقتصادية، حيث تستعد الحكومة اللبنانية لاختبار جديّ أمام المجتمع الدولي عبر مؤتمر اقتصادي مرتقب ومؤتمر موازٍ لدعم الجيش.
في هذا الإطار، تُطرح مبادرة فرنسا بوصفها محاولة لإعادة تثبيت موقعها في لبنان من خلال ربط الدعم بتعزيز سلطة الدولة وتكريس الجيش كأداة مركزية للسيادة، بالتوازي مع متابعة دقيقة لتمديد ولاية "اليونيفيل" وما يثيره من أسئلة حول مستقبل الجنوب.
ويأتي حضور لودريان بهذا التوقيت ليعبّر عن إرادة فرنسية بهدف تأطير المرحلة الجديدة في لبنان كمسار مشروط، يوازن بين الإصلاح المالي وإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة وسلاح القوى غير النظامية، ويضع باريس في قلب معادلة إقليمية تحاول واشنطن والرياض صياغتها، فيما يبقى الداخل اللبناني منشغلاً بتكييف مواقفه وفق توازنات متحركة.
استراتيجية باريس
وتابعت المصادر "فرنسا، التي تضع الجيش في قلب استراتيجيتها اللبنانية، تنظر إليه باعتباره المؤسسة الوطنية الوحيدة القادرة على توحيد اللبنانيين نسبياً وتلقي الدعم الخارجي دون اعتراض داخلي واسع".
وأردفت "لذلك فإن تعزيز قدراته العسكرية والتقنية ليس هدفاً بذاته، بل مدخل إلى ترتيب العلاقة بين لبنان وشركائه الدوليين، وإقناع المانحين بأن أي أموال أو مساعدات ستُستثمر في مؤسسة ضابطة وليس في منظومات حزبية متنازعة".
مقاربة تصطدم بواقع معقد
لكنّ هذه المقاربة الفرنسية لا تزال حتى الآن تصطدم بواقع لبناني شديد التعقيد، إذ إن "حزب الله" يرى في محاولة حصر السلاح استهدافاً مباشراً لشرعيته الاستراتيجية، ويقرأ الطرح على أنه محاولة غربية مشتركة لإعادة صياغة ميزان القوى الداخلي على حسابه.
وأردفت المصادر "الحزب لا يفصل بين مطلب باريس ودور واشنطن، ويعتبر أن قبول الخطة يساوي الدخول في مسار يهدد وجوده كقوة عسكرية وسياسية".
ويتعامل التيار الوطني الحر، الحليف المسيحي الأبرز للحزب، مع الطرح بقدر من التحفظ، ليس رفضاً كاملاً ولا قبولاً.
ويشكل هاجس التيار وفق المصادر أن يؤدي الضغط الدولي إلى تصعيد داخلي يصعّب على الحكومة الجديدة الحفاظ على استقرارها، أو أن يُستخدم الملف كذريعة لعزل الحزب وإضعافه بما ينعكس على التوازنات الطائفية والسياسية التي يستفيد منها.
فرصة تاريخية
في المقابل، تنظر قوى لبنانية أخرى، مثل الكتائب والقوات اللبنانية، إلى الخطة الفرنسية بوصفها فرصة تاريخية لإعادة الاعتبار إلى الدولة كمصدر وحيد للشرعية. هذه القوى ترى أنّ الاستثمار الدولي في الجيش لن يكون ذا جدوى إن لم يترافق مع قرار سياسي واضح بنزع سلاح الميليشيات، وفي مقدمتها "حزب الله".
في حين قالت مصادر دبلوماسية أوروبية لـ"إرم نيوز" إن الملف على الصعيد الإقليمي يرتبط مباشرة بقرار مجلس الأمن 1701 الذي أنهى حرب تموز 2006.
وأردفت "باريس تعيد طرح نفسها كضامن لتطبيق هذا القرار، وتربط خطة الجيش بقدرة لبنان على إثبات التزامه ببنود وقف الأعمال العدائية وحصر السلاح جنوب الليطاني بيد الدولة والقوات الدولية".
وبحسب المصادر الأوروبية يتضح البُعد الأوسع للرسالة الفرنسية الذي لا يقف فقط عند مطلب تعزيز الجيش، وإنما يريد تحويله إلى أداة أساسية لتأمين الحدود وضبط التوازن مع إسرائيل، بما يضع باريس في موقع الشريك الأمني الموثوق لدى واشنطن وتل أبيب معاً.
غير أن معضلة فرنسا تكمن في حدود قدرتها على تحويل هذه الرؤية إلى واقع، وفق المصادر.
وترى أنه حتى مع الدعم الدولي، يبقى الجيش محكوماً بتركيبة سياسية داخلية تمنعه من تجاوز خطوط حمراء يفرضها الحزب.
وتضيف "الدعم الفرنسي للجيش قد يكون أداة ضغط حقيقية يمكن أن تغيّر المعادلة في المدى المتوسط، لكن تظل المخاوف في أن تبقى هذه الضغوط ورقة رمزية تُستخدم لإبقاء باريس داخل اللعبة اللبنانية دون القدرة على حسمها".
العودة إلى دور الضامن؟
في هذا السياق، تطرح باريس نفسها كضامن جديد–قديم لتطبيق القرار 1701، لكن من موقع أكثر هشاشة مما كان عليه في السابق.
ووفق الخبير السياسي إلياس سليمان فإن فرنسا اليوم ليست وحدها على المسرح، حيث تبقى الولايات المتحدة اللاعب الأساسي، وإسرائيل لا ترى في باريس وسيطاً يمكن أن يوازن علاقتها بواشنطن.
وأضاف سليمان في تصريحه لـ"إرم نيوز" أنه على الرغم من ذلك يمكن إغفال أن فرنسا تحاول إعادة إحياء دورها عبر اليونيفيل.
وتابع "تمديد الولاية حتى 2026 يمثّل فرصة لباريس لتثبيت حضورها العسكري–الدبلوماسي، لكنه في الوقت نفسه يشكل تحدياً كبيراً، فما الذي قد يكون بعد نهاية التفويض، وهل يكون هذا التمديد الأخير يمكن أن يكون مدخلاً لانسحاب أوروبي كامل من الجنوب، أم لإعادة صياغة وجود دولي جديد".
فرنسا ومعادلة الاستقرار في لبنان
واعتبر سليمان أن العودة إلى دور الضامن بالنسبة لفرنسا هي محاولة لإثبات أنّها ما زالت قادرة على أن تكون جزءاً من معادلة الأمن والاستقرار في لبنان.
وفي ظل التصعيد الإسرائيلي المستمر، يقول سليمان إن باريس تسعى لتقديم نفسها كقوة سياسية قادرة على ضبط إيقاع المواجهة، ليس من موقع الندية لواشنطن، بل كوسيط ثانوي يملك القدرة على التواصل مع جميع الأطراف.
وتابع "هذا الدور يتيح لفرنسا أن تحتفظ بمكانها في اللجنة الخماسية المعنية بلبنان، وأن تبقى طرفاً يُحسب حسابه في أي تسوية إقليمية محتملة".
وأردف "الحكومة اللبنانية، من جهتها، تنظر إلى هذا الدور بكثير من البراغماتية، إذ إن رئيس الجمهورية يرى في التحرك الفرنسي مظلة دولية يحتاجها في مرحلة دقيقة، إذ يمنحه غطاءً سياسياً أمام القوى الداخلية ويساعده على توسيع دائرة الدعم الغربي والعربي لمشاريعه الإصلاحية".
وأما رئاسة الوزراء بحسب الخبير السياسي إلياس سليمان، فهي تقارب الدور الفرنسي بوصفه فرصة لترميم الثقة مع المانحين وتهيئة الأرضية لمؤتمر اقتصادي طال انتظاره، خاصة أن باريس تمتلك أوراق قوة داخل الاتحاد الأوروبي، ما يجعلها قناة رئيسية لجذب الاستثمارات والدعم المالي.
أجندة باريس في بيروت
من جهته، يرى الباحث في الشؤون الأوروبية، أمير عبد الجواد، أن زيارة لودريان حملت أكثر من رسالة، فهي تأتي في لحظة تحاول فيها فرنسا أن تعيد تثبيت حضورها في لبنان، وفق قوله.
وبين عبد الجواد في حديثه لـ"إرم نيوز" أن الموفد الفرنسي حمل معه ملفين محوريين يرتبطان مباشرة بمستقبل الدولة اللبنانية، مشيرا إلى أن الأول هو التحضير لمؤتمر دولي مخصص لدعم الجيش اللبناني، بما يعنيه ذلك من تعزيز مكانته كمؤسسة وحيدة يمكن الاستثمار فيها لضمان الاستقرار الداخلي وضبط الحدود مع إسرائيل.
أما الثاني وفق الباحث عبدالجواد يتصل بمؤتمر اقتصادي أوسع يُفترض أن يشكّل بوابة لإعادة الإعمار والإنعاش المالي، لكنه قال إنه "مشروط بمدى التزام الحكومة اللبنانية بمسار إصلاحي واضح، يطمئن المانحين إلى أنّ أموالهم لن تضيع في متاهات الفساد وسوء الإدارة".
وأردف عبدالجواد "تزامنت الزيارة مع تجديد ولاية قوات (اليونيفيل) حتى نهاية عام 2026، وهو قرار يضع باريس أمام فرصة لتعزيز حضورها العسكري–الدبلوماسي، لكنه في الوقت نفسه يطرح سؤالاً كبيراً حول ما سيلي هذا التمديد".
متابعة ملف نزح سلاح حزب الله
وتابع بالقول "لودريان جاء أيضاً ليؤكد تمسك بلاده بمتابعة ملف السلاح خارج إطار الدولة"، معتبراً أن نجاح لبنان في هذه المهمة شرط أساسي لإقناع المجتمع الدولي بجدوى أي دعم اقتصادي أو عسكري، مبيناً أنه "في خلفية كل ذلك، تتحرك باريس بتنسيق وثيق مع واشنطن، لكنها تدرك أنّها ليست صاحبة القرار النهائي".
ويرى الباحث في الشؤون الأوروبية، أمير عبد الجواد أن ما تستطيع أن تفعله باريس هو أن "تضمن لنفسها مقعداً على طاولة التسويات المقبلة، وأن تقدّم نفسها كشريك يمكنه أن يوازن بين متطلبات الداخل اللبناني وتوقعات المجتمع الدولي".
كما لفت عبدالجواد إلى أنّ نتائج الزيارة ستبقى مرهونة بقدرة الحكومة على تنفيذ إصلاحات فعلية، وبمدى استعداد الأطراف اللبنانية للقبول بصيغة تجعل من الدولة المرجعية الوحيدة في ملفات السيادة والأمن.
اختبار لفرنسا
وأشار إلى أنه "لا يمكن اختزال زيارة لودريان في بعدها البروتوكولي أو في ما تحمله من وعود دعم فقط"، معتبرا أنها "أشبه باختبار لفرنسا في قدرتها على أن تثبت أنها ما زالت رقماً فاعلاً في معادلة إقليمية تزداد تشابكاً، وأنها اختبار للبنان في قدرته على استثمار هذا الاهتمام الدولي بما يعيد الاعتبار للدولة كمظلة وحيدة للشرعية".
وختم عبدالجواد "ما سيترتب على هذه الزيارة ستحدد بمدى استعداد الداخل اللبناني لتحويل الضمانات الخارجية إلى قوة فعلية لإعادة بناء مؤسساته، وبمدى قدرة باريس على تجاوز دور الوسيط الرمزي لتصبح لاعباً يُحسب له حساب في مسار تسويات لا يزال مفتوحاً على احتمالات شديدة التعقيد".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|