سوريا أمام خيارين أحدهما ينجّيها من "حرب أهلية"
رأت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أن سوريا أمام خيارين أحدهما ينجّيها من حرب أهلية.
ووفق المجلة، فإنه بعد 9 أشهر على سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد، لا تزال البلاد تعيش حالة من الترقب والقلق، وسط مشهد سياسي وأمني متشابك يثير مخاوف جدّية من اندلاع هذه الحرب.
وأشارت إلى أن الرئيس أحمد الشرع، يقف في قلب هذه المعادلة المعقّدة بصفته الحاكم الانتقالي الذي أفرزته التطورات الأخيرة.
وبحسبها، فإن الشرع، الذي كان، في السابق، قائدًا لهيئة تحرير الشام، أعاد تقديم نفسه بوجه مختلف، مقدّمًا خطابًا سياسيًا يقوم على نبذ "الجهاد العالمي"، والدعوة إلى التعددية.
وبينت: "المفارقة أن هذا التحول منح الرجل دعمًا مفاجئًا من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في خطوة عكست حجم الارتباك في التعاطي الدولي مع مستقبل سوريا".
لكن وفق التقرير، فإن "الوعود بالاستقرار لم تصمد طويلًا. فالحكومة الانتقالية برئاسة الشرع تواجه تحديات متصاعدة من الأقليات السورية، إلى جانب انقسامات داخلية عميقة، ما جعل البلاد تقف على حافة هاوية جديدة من العنف الطائفي والسياسي".
ولفت إلى أن الشرع تمكن، في ديسمبر الماضي، من خلال تحالف "هيئة تحرير الشام"، من السيطرة على دمشق، وطرد الأسد من السلطة، وسارع إلى تشكيل حكومة مؤقتة أرادها بداية لمرحلة انتقالية.
ونوّه إلى أنه "الشرع حرص على تقديم خطاب معتدل، متحدثًا عن التعددية، ومبديًا استعدادًا لفتح قنوات حوار مع قوى إقليمية ودولية، بل ذهب إلى حد التلميح بإمكانية إقامة علاقات طبيعية مع إسرائيل".
وتابع: "هذه التحركات، إضافة إلى تجربته في إدارة محافظة إدلب خلال السنوات الأخيرة من الحرب، أقنعت بعض الأوساط الأميركية بجدوى الرهان عليه كزعيم انتقالي قادر على فرض قدر من الاستقرار".
واشنطن بدورها رفعت العقوبات، ودعمت الحكومة المؤقتة سياسيًا، فيما لم يتردد ترامب في وصفه بأنه "قوي" و"جذاب" خلال لقاء جمعهما في مايو.
غير أن ”فورين أفيرز“ حذّرت من أن هذا التحول يبقى سطحيًا، فالحكومة ما زالت تضم قيادات متشددة، والدائرة الضيقة حول الشرع تميل إلى احتكار السلطة أكثر من استعدادها لتقاسمها.
انتقال هشّ ومخاطر متفاقمة
يشكل رفض الفيدرالية محورًا أساسيًا في أزمة الحكم الانتقالي. فقد أوضح المبعوث الأمربكي توم باراك، في يوليو/تموز الماضي، أن واشنطن لا تدعم أي صيغة لامركزية، فيما يؤكد مسؤولو دمشق أن الفيدرالية ستقود إلى تفكك الدولة.
لكن، كما أشار التقرير، فإن إصرار الحكومة على مركزية الحكم فاقم التوترات بين المكونات.
وفي مارس/آذار، شهدت البلاد أحداثاً مروّعة في الساحل السوري ذي الأغلبية العلوية راح ضحيتها أكثر من 1500 شخص، وفق التقرير.
وفي يوليو/تموز، شنّت قوات الحكومة المؤقتة، مدعومة بقبائل بدوية، هجمات على قرى درزية في السويداء، ما أوقع مئات القتلى، وفرض حصارًا خانقًا على المنطقة.
هذه الأحداث، كما تقول المجلة، رسخت المخاوف لدى الأقليات بأن الحكم المركزي الجديد ليس سوى نسخة أخرى من القمع.
ولم يقتصر الأمر على ذلك، إذ أدت هذه الانتهاكات إلى زيادة احتمالات التدخل الخارجي.
وتابعت المجلة: "إسرائيل، التي تعتبر نفسها حامية للأقليات الدرزية، تدخلت مباشرة عبر شن ضربات جوية على مقاتلين بدو، وقصف وزارة الدفاع السورية".
ورأت أن غياب هذا التدخل كان سيؤدي إلى خسائر بشرية أوسع، ما يعكس هشاشة الوضع السوري أمام التجاذبات الإقليمية.
المعضلة الكردية
وأضافت: "الأكراد بدورهم لم يكونوا بمنأى عن هذه التطورات. فقوات سوريا الديمقراطية، التي لعبت دورًا محوريًا في هزيمة تنظيم داعش بدعم أمريكي، باتت ترى في حكومة الشرع خصمًا لا شريكًا"."وقُوبلت مطالب نزع سلاحهم ودمجهم في جيش وطني جديد بالرفض، خاصة بعد مشاهد القتل والتهجير في السويداء، والمناطق العلوية".
ووفق "فورين أفيرز"، فإن المفاوضات التي كان من المقرر أن تُعقد في باريس هذا الصيف انهارت بعد انسحاب دمشق، التي أعلنت أن "الحسم سيكون على الأرض".
لكن، وبحسبها، فإن قدرات حكومة الشرع العسكرية مبالغ فيها، إذ إن قواتها لا تبدو قادرة على كسر شوكة القوات الكردية المتماسكة، التي ما زالت تحتفظ بقدرات عسكرية وتنظيمية قوية.
الفيدرالية: مخرج أم تهديد؟
وتوقف التقرير مطولًا عند فكرة الفيدرالية باعتبارها الحل الممكن لتجنب انهيار البلاد مجددًا. فكلما تشبثت الحكومة بمركزية الحكم، زادت مقاومة الأقليات.
ومن دون إطار واضح لتقاسم السلطة، ستظل البلاد عرضة لتكرار دوامة العنف، على حد وصفه.
الفيدرالية، كما أوضح التقرير، قد تمنح الأقليات حكمًا ذاتيًا في مناطقها، على أن تبقى السياسات الكبرى، كالمالية، والدفاع، والسياسة الخارجية، بيد الحكومة المركزية.
ونقل عن محللين رؤيتهم أن هذا النموذج يمكن أن يتجنب شلل التجربة اللبنانية أو النزاعات الاقتصادية التي تعاني منها التجربة العراقية.
ورغم أن إدارة ترامب بدت مترددة، فإن بعض الأصوات الأمريكية بدأت تدرك أن "شيئًا أقل من الفيدرالية" قد يكون مخرجًا واقعيًا.
الرهانات والمستقبل
وقالت المجلة إن استمرار النزعة المركزية لحكومة الشرع يهدد بتوسيع رقعة الصراع، ويمنح القوى الإقليمية فرصًا أكبر للتدخل.
وأضافت: "إسرائيل سارعت إلى التحرك، وقد تحذو إيران أو تركيا حذوها بما يخدم مصالحها الإستراتيجية. في المقابل، فإن اعتماد صيغة لتقاسم السلطة قد يفتح بابًا هشًا للسلام لكنه ضروري لتجنب الكارثة".
وخلُص تقرير ”فورين أفيرز“ إلى أن "سوريا أمام خيارين: إما السير في مسار دولة مركزية ذات هيمنة سُنية تعيد إشعال النزاعات الطائفية، أو تبنّي صيغة حكم أكثر شمولًا تضمن الحد الأدنى من الاستقرار".
واعتبرت المجلة الأمريكية أن الرهان على القوة العسكرية وحدها لن ينجح، بل قد يعيد البلاد إلى نقطة الصفر.
واستطردت: "في النهاية، يبقى القرار بيد السوريين أنفسهم، غير أن المجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة، مطالب بإدراك خطورة تشجيع النزعة المركزية لدى الشرع".
وبينت أنه "بدون انفتاح سياسي جدّي، قد يتحول سقوط الأسد من فرصة تاريخية للسلام إلى شرارة فصل دموي جديد في مسيرة بلد أنهكته 50 عامًا من الاستبداد، وعقد من الحرب الأهلية".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|