من دماء المعارك إلى خزائن المال.. كيف تحصد أمريكا الأرباح من حرب أوكرانيا؟
المقاول الإسرائيلي ورب العمل الأميركي
هو الفارق ـ أيها السادة ـ بين من فتح الأبواب أمام دبابات آرييل شارون، ونثر عليها الورود، ما أتاح له أن يدق بحذائه على باب رئيس الجمهورية، في انتهاك صارخ، وفضائحي، لسيادة البلاد وكبريائها، وبين من أرغموا، بدمائهم، تلك الدبابات على الخروج، تحت جنح الظلام، من أرضنا، ليكتب عاموس أوز "لكأنه الخنجر اللبناني في خاصرة يهوه"، وليقول رئيس الوزراء، آنذاك، ايهود باراك، "لقد آن الأوان لكي يخرج جنودنا من جهنم"...
ماذا فعل "حزب الله" يوم التحرير. هل استولى على السلطة مثلما يفعل، عادة، أبطال التحرير، وهل توجه بسلاحه الى رجال الميليشيات التابعة للاحتلال، والذين ارتكبوا من الفظاعات بحق أبناء بلدهم أكثر بكثير مما ارتكبه جنود الاحتلال؟ لا ضربة كف واحدة، ولا تظاهرة في بيروت احتفاء باليوم العظيم، على غرار التظاهرات الهائلة التي سارت في شوارع باريس لدى رحيل القوات النازية عنها.
هذه هي قيم المقاومة في لبنان، خلافاً لأي مقاومة أخرى نفذت عمليات اعدام ميدانية في الشوارع، وحتى داخل البيوت، بحق من تواطؤوا مع الاحتلال. لعلكم قرأتم ما حل بعشرات آلاف النساء اللواتي وضعن أجسادهن في خدمة الغزاة. كيف كانت قامة السيد حسن نصرالله، بالألق التاريخي، في ذلك اليوم. "اللوموند" الفرنسية استعادت صورة الفيتنامي الرائع هوشي منه الذي جثا على الأرض من أجل أن يعلن امتنانه للعشب الذي "قاتل الى جانبنا".
الآن تغيرت اشياء كثيرة على الأرض بتغيّر الوضع السوري، وبظهور الاختلال المروع في موازين القوى، حين كانت اسرائيل تقاتل، وتقتل، بالقاذفات الأميركية، وبالقنابل الأميركية، وبالأقمار الصناعية الأميركية، وحتى بالأموال الأميركية، دون اغفال الانجازات الهائلة التي حققتها اسرائيل في مجال التكنولوجيا العسكرية، وكذلك التكنولوجيا الاستخباراتية. حتى بدا وكأن العيون الاسرائيلية موجودة في كل بيت، وحتى تحت ثياب كل واحد ترى فيه خطراً عليها، لتبدو حرب الشهرين، وكأنها من أكثر الحروب غرابة في التاريخ، وقد أحاطت بها ملابسات كثيرة، دون أن يحجب ذلك البطولات التي أظهرها المقاومون على الأرض في منع الدبابات، وتحت غطاء جوي جنوني، من الزحف، لتكون بلدة الخيام المثال على الأداء الخارق للمقاومين، وفي ظروف لطالما وصفناها بأنها أكثر من أن تكون مستحيلة. بكل معنى الكلمة كانت أياماً للتاريخ. أيام فوق التاريخ!
حتى اللحظة، وغداة الكلام عن تفعيل اللجنة الدولية لمراقبة وقف النار، وغداة محادثات قائد القيادة الأميركية المركزية الجنرال براد كوبر، ها هي اسرائيل ما زالت تقتل من شاءت، وتدمر أينما شاءت، ودون أن تطلق المقاومة رصاصة واحدة، في موقف عقلاني، والتزاماً باتفاق وقف الاعتداءات. ولكن متى اكترثت اسرائيل بالاتفاقات، وبالمواثيق، الدولية. دولة فوق القانون، باعتبارها، وكما صرح بنيامين نتنياهو، تعمل وفق النصوص التوراتية، وبامرة "رب الجنود"، أي اله العبرانيين، دون أن ننسى دعم الأمبراطورية التي ترى في نفسها ما فوق العالم، حتى أن الفيلسوف الفرنسي فرنسوا يورغا تساءل "ومتى يعلن دونالد ترامب... أنا الله؟".
لكأن رئيس الوزراء الاسرائيلي يجر الرئيس الأميركي، وصاحب شعار "لنعد أميركا العظمى"، وراءه، وان كانت الوقائع تشير الى أن نتنياهو الذي يحسب نفسه المبعوث الشخصي ليهوه من أجل اقامة "اسرائيل الكبرى"، ليس سوى مقاول اقليمي لرب عمل أميركي يريد تحويل البلدان العربية الى حطام سياسي، واستراتيجي. لا نتصور أن العرب كانوا بحاجة الى ذلك الاستعراض الدموي الرهيب لكي ينزلوا، أكثر فأكثر، الى ما تحت الزمن.
الغيبوبة القبلية في ذروتها، وهي الغيبوبة الأبدبة، حين نشاهد التظاهرات الضخمة في بلدان العالم، لا سيما في العالم الغربي، تنديداً بالهمجية الاسرائيلية في غزة، دون أن نجد كائناً بشرياً في العالم العربي، باستثناء القلة القليلة، يرفع صوته، ولو من باب العودة الخاطفة الى شاربي عنترة بن شداد.
الائتلاف اليميني ماض في مشروعه التوراتي، ولسوف نشهد ما هو أشد هولاً بكثير، لا مجال لأي سلام يقوم، ولو على التوازن الديبلوماسي. سوريا المثال. الاسرائيليون كانوا، بشكل أو بآخر، شركاء في التغيير. وهكذا تم تصنيع أحمد الشرع لييبعه رجب طيب اردوغان الى بنيامين نتنياهو. كم مرة أعلن الرئيس السوري بأنه ليس عدواً لاسرائيل والى حد القبول بتدمير كل مراكز الجيش السوري، بدءاً من مبنى هيئة الأركان وسط دمشق. ما كانت النتيجة؟ اقامة زنار من النار حول القصر الجمهوري، وقضم كل المواقع ذات البعد الاستراتيجي في الجنوب السوري، لتكون دمشق على بعد دقائق من دبابات ايال زامير.
ألا يفترض، والحال هذه، أن يكون لبنان وسوريا في خندق واحد. خندق واحد؟ وماذا يجدي ذلك حين تكون سوريا مفككة، وحين يكون لبنان مفككاً. دولتان ممنوعتان من امتلاك أي سلاح لحماية أمنهما الاقليمي.
في ضوء كل ذلك، لسنا سوى ضيوف شرف على هذه الفضيحة الكبرى. على هذه الغيبوبة الكبرى، بالرغم من معرفتنا بما في رأس بنيامين نتنياهو، لكننا لا نستطيع أن نفعل أي شيء سوى أن نسند رؤوسنا الى الكتف الأميركي. يا للمهزلة حين نصل الى ذلك الحد من الغباء. كثيرون قالوا لنا "أن تسندوا رؤوسكم الى كتف ترامب يعني أن تسندوا رؤوسكم الى بنيامين نتنياهو الأصلي"!...
نبيه البرجي -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|