الاساتذة المتعاقدين في اللبنانية: لرفع ملف التفرغ إلى الحكومة واقراره وإلا...
ماكرون أمام الخيارات الصعبة ومستقبل فرنسا على المحك
لم تستطع فرنسا تخطي المشكلة التي تعاني منها منذ تجديد ولاية الرئيس الفرنسي الحالي ايمانويل ماكرون، وها هي اليوم امام أزمة سياسية غير مسبوقة منذ عقود، مع سقوط حكومة فرنسوا بايرو عقب سحب الثقة البرلمانية منها، وتصاعد نفوذ اليمين المتطرف في مجلس النواب. في ظل هذا المشهد المتقلب، يقف الرئيس إيمانويل ماكرون على مفترق طرق سياسي حاسم، ويجد نفسه امام خيارات احلاها مرّ، فإما الاستمرار في الحكم رغم تراجع الدعم الشعبي، أو اللجوء إلى حلول أخرى تهدد وتقوّض حضوره السياسي اكثر فأكثر، مع تداعيات واضحة على الدور الفرنسي الإقليمي والدولي.
لطالما شكلت فرنسا عموداً أساسياً للاتحاد الأوروبي، وهي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، لعبت دوراً محورياً في صياغة سياسات القارة العجوز، سواء على صعيد التكامل الاقتصادي أو السياسات الأمنية والدفاعية، وكانت ابرز المساهمين في ظهور الاتحاد الاوروبي. إلا أن حالة الشلل السياسي الداخلي التي تعيشها اليوم تُضعف من قدرتها على اتخاذ قرارات استراتيجية مهمة على الساحة الأوروبي، وبالتالي العالمية.
غياب الأغلبية البرلمانية يجعل من الصعب تنفيذ إصلاحات أو سياسات طموحة، وهو ما ينعكس على نفوذ فرنسا في المفاوضات الأوروبية، خصوصاً في ملفات حساسة مثل سياسة الهجرة، الأمن الداخلي، وأزمات الطاقة والاقتصاد. من جانب آخر، قد يؤدي صعود اليمين المتطرف، الذي يروج لسياسات قومية متشددة ومعارضة للتكامل الأوروبي، إلى تعقيد التحالفات داخل الاتحاد، مما يهدد وحدة واستقرار المشروع الأوروبي.
عالمياً، تعتمد فرنسا على قوتها الاقتصادية، العسكرية، والدبلوماسية لتظل فاعلة على الساحة الدولية. إلا أن الأزمة السياسية قلصت من قدرتها على القيام بدور فاعل في القضايا الدولية الكبرى. فالدولة التي كانت تلعب دور الوسيط بين القوى الكبرى، وتمتلك حضوراً دائماً في مجلس الأمن الدولي، تجد نفسها عاجزة عن المشاركة بفعالية في صنع القرار العالمي، نتيجة الانشغال بالصراعات الداخلية، لا بل باتت "هامشية" وفق ما ظهر في السجالات مع رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصل الى حد "تحقير" فرنسا من دون أي رادع!.
كما أن فقدان الاستقرار السياسي يُفسح المجال لدول أخرى مثل الصين وروسيا لتعزيز نفوذها في أوروبا، مستفيدةً من حالة الانقسام والتراجع الفرنسي، وهو ما قد يهدد مصالح الاتحاد الأوروبي، فيما البديل يكون "الارتماء" في أحضان الرئيس الأميركي دونالد ترامب والتسليم الكلّي لقراراته وسياساته.
تمسك ماكرون بالمنصب إلى نهاية ولايته (العام 2027)، قد يزيد من تعقيد الوضع الداخلي والخارجي لفرنسا. وهو يراهن على ان هذا الخيار يمكن أن يمنحه الوقت لمحاولة بناء تحالفات جديدة وتجاوز الأزمة، لكنه رهان مليء بالمخاطر والشكوك، نظراً الى عدم استعداد القوى الجديدة للتعامل معه. أما خيار الدعوة إلى انتخابات مبكرة، فيحمل مخاطرة تعزيز نفوذ اليمين المتطرف، مما قد يؤدي إلى تقلبات سياسية أكثر حدة وتأثير سلبي على علاقات فرنسا مع شركائها الأوروبيين والدوليين.
الاستقرار السياسي هو الشرط الأساسي لفرنسا لتتمكن من لعب دورها التقليدي في أوروبا والعالم، فبدون حكومة قوية وقادرة على تنفيذ سياسات واضحة، سيكون من الصعب التأثير في القضايا الكبرى مثل الأمن الأوروبي، مواجهة التحديات الاقتصادية، والسياسات المناخية، والحروب العالمية وتحديات الشرق الأوسط الجديد. كما أن تراجع الدور الفرنسي قد يؤدي إلى إعادة ترتيب مراكز القوى داخل الاتحاد الأوروبي، لصالح دول أخرى مثل ألمانيا أو إيطاليا.
وبالتالي، فإن الأزمة السياسية التي تمر بها فرنسا ليست مجرد مسألة داخلية، بل تمس جوهر مكانتها في أوروبا والعالم. الخيارات التي يتخذها ماكرون في الفترة المقبلة ستحدد مدى قدرة فرنسا على استعادة دورها القيادي أو الانزلاق نحو وضعية أضعف، تعزز من نفوذ قوى أخرى على الساحة الدولية.
طوني خوري -النشرة
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|