الصحافة

السنة القضائية الجديدة: امتحان العدالة ودولة القانون

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تنطلق في السادس عشر من أيلول الجاري السنة القضائية الجديدة، حاملةً معها بعدًا استثنائيًا. إذ تُعتبر بمثابة امتحان حقيقي لمدى قدرة لبنان على إعادة تكوين دولة القانون والمؤسسات، حيث تشكل السلطة القضائية الركيزة الأساسية لأي مشروع نهوض مؤسساتي، وتؤسس لثقة اللبنانيين والمجتمع الدولي بمؤسسات الدولة.

امتحان الأشهر الستة

التشكيلات والمناقلات القضائية التي أنجزها مجلس القضاء الأعلى وشملت 524 قاضيًا، تدخل حيّز التنفيذ مطلع الأسبوع المقبل. أهميتها مزدوجة: فهي أول تشكيلات شاملة ينجزها الرئيس الأول سهيل عبود منذ توليه رئاسة مجلس القضاء الأعلى عام 2019، بعدما اصطدمت محاولاته المتكررة سابقاً بجدار الحسابات السياسية.

كما أنها تشكّل "امتحانًا" لمجلس القضاء الأعلى قبل القضاة، وتقيّده ببدء العدّ العكسي لمراقبة عمل القضاة المعيّنين وأدائهم خلال فترة قصيرة المدى لا تتجاوز الستة أشهر، وفق الأسباب الموجبة والموضوعية التي أرفقها المجلس بمشروع التشكيلات والمناقلات القضائية. وهي مهلة يترتب في نهايتها اتخاذ النتائج الملائمة تجاه كل من لا يقوم بواجباته وموجبات قَسَمه، بما في ذلك إزاحة أي قاضٍ يثبت تقصيره أو إخلاله بواجبه وتحديدًا لقضاة النيابات العامة وقضاة التحقيق. هذه المهلة ليست تفصيلًا. إنها رسالة واضحة بأن العدالة في لبنان تدخل مرحلة اختبار حقيقي، وأن لا حصانة بعد اليوم لأي قاضٍ "كسول" يتقاعس أو يتماهى مع الأجندات السياسية.

المجلس العدلي والملفات الكبرى

بالتوازي، يتجه مجلس الوزراء في جلسته اليوم إلى إقرار مرسوم تعيين الرئيس الأول سهيل عبود رئيسًا للمجلس العدلي، إلى جانب الأعضاء الأصيلين: سهير الحركة، أسامة منيمنة، جانيت حنا، وكلنار سماحة. هذه الخطوة تشكّل استكمالًا لانتظام المجلس العدلي، وتفتح أبوابه أمام الملفات الكبرى، وعلى رأسها قضية تفجير مرفأ بيروت، المتوقع أن يضع المجلس يده عليها عام 2026 مع اكتمال المسار الاتهامي.

وهذا بدوره يشكّل تحديًا للنائب العام التمييزي القاضي جمال الحجار، وقدرته على تخطي محاولات "تنييم" الملف في أدراج النيابة العامة التمييزية بحجة الاطلاع على آلاف الأوراق والمستندات، إذ يُحال الحجار إلى التقاعد في شهر نيسان 2026، قبل تمكن النيابة العامة التمييزية من إبداء مطالعتها في القرار الاتهامي. ويدرس المحقق العدلي طارق البيطار إمكانية إحالته إليها خلال الأسابيع المقبلة، فور حصوله على أجوبة عن الاستنابات التي وجهها إلى جهات أمنية لبنانية، وعلى أن يحيل لاحقًا أجوبة الاستنابات القضائية المرسلة إلى الخارج عند تجاوب المعنيين معها، بما يضع حدً للاستنزاف والعرقلة المتمادية لهذا الملف.

وإذ شكّل ملف تفجير مرفأ بيروت خلال السنوات الماضية أحد أسباب تعمّد القوى السياسية شلّ العدليّة، فإن الأحداث الوطنية الراهنة "تخطّته" مرحليًا. ويستعد الرئيس الأول سهيل عبود خلال الأيام المقبلة لمصارحة اللبنانيين بما ينتظر العدلية من تحديات وآمال، بعد اصطدام محاولاته السابقة لتأمين الانتظام المطلوب في مرفق العدالة بمصالح القوى السياسية التي أرادت قضاءً على قياسها ووفق مصالحها.

والمفارقة أن هذه السنة لن تخلو أيضًا من محاولات القوى السياسية "تهريب" قانون استقلالية القضاء، الذي أعاده رئيس الجمهورية إلى المجلس النيابي قبل أيام، بعد اكتشاف أخطاء مادية ولغوية فيه.

وفي الوقت عينه، تتحضر العدلية لاحتفالية رسمية بالانطلاقة القضائية نهاية الشهر القادم، يُرجّح أن يحضرها الرؤساء الثلاثة، تأكيدًا على رمزية مرفق العدالة كركن أساسي لدولة القانون المنشودة.

تحت المجهر

الرهان على القضاء ليس محليًا فقط؛ بل يمتد إلى الخارج حيث يشكّل انتظام القضاء شرطًا لأي دعم أو استثمار. ويترقب المستثمرون العرب والأجانب والدول الصديقة مدى التزام لبنان وجديّة المسؤولين في بناء دولة قائمة على العدالة والنزاهة قبل مدّ يد العون لها.

كما أنّ المطلوب من القضاء اليوم أن يستعيد ثقة اللبنانيين التي تآكلت بفعل التعطيل السياسي والشلل الاقتصادي والمالي. الملفات الموضوعة أمامه شائكة: من ضبط سلاح الميليشيات المتفلت، إلى ملاحقة ملفات الفساد، ووضع حدّ لتركيب الملفات وصولًا إلى حماية حقوق اللبنانيين كافة، وكشف حقيقة تفجير 4 آب.

بين إرث ثقيل من العرقلة السياسية ومروحة واسعة من الملفات الشائكة، يجد القضاء اللبناني نفسه أمام فصل جديد في معركة بناء الدولة، ومحطة مفصلية لإثبات استقلاليته وفعاليته. فالأشهر الستة المقبلة ستكون بمثابة ميزان دقيق يحدد ما إذا كان لبنان يسير حقًا نحو بناء دولة المؤسسات، أم أنه سيبقى أسير التجاذبات والهيمنة السياسية. وفي كلتا الحالتين، ستبقى السلطة القضائية تحت مجهر الرأي العام المحلي والخارجي، بوصفها حجر الزاوية في أي مشروع للنهوض بمستقبل لبنان.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا