اللبنانيون يضربون بقرار الوزيرة عُرْضَ الحائط: نحن نحدّد بدء موسم الصيد!
من كافة سفوح ووديان لبنان، عاد دويّ الطلقات ليشقّ الصمت مع أول الفجر، وتعود معه الأجهزة الصوتية التي تُستدرج بها أسراب العصافير كما لو أننا أمام معركة مفتوحة ضد الطيور. المشهد يتكثّف هذا الخريف فيما وزارة البيئة تُعلن بوضوح أن "لا قرار بفتح موسم الصيد حتى الآن"، وتؤكد أنّ أي خبر متداول خلاف ذلك "غير صحيح"، وأنّ أي تحديد للموسم يظلّ مرهونًا بصدور مرسوم تشكيل "المجلس الأعلى للصيد البري" المخوّل قانونًا اقتراح فتح الموسم أو عدمه. بمعنى أدق: في غياب قرار رسمي معلَن، يبقى الأصل هو المنع، وكل ما يجري في الحقول والبراري اليوم يقع خارج القانون.
هذا "الفراغ التنظيمي" لا يعني فراغًا في القاعدة القانونية. موسم الصيد في لبنان ليس تقليدًا يُستأنف تلقائيًا كل عام، بل إجراء محدّد المعالم يُبيّن الأنواع المسموح صيدها والكميات والأزمنة والمناطق. وعليه، فإن استخدام الأجهزة الصوتية لاستدراج الطيور يشكّل مخالفةً مضاعفة: يعبث بالسلوك الطبيعي للأسراب ويحوّل الصيد من مهارة فردية إلى إبادة جماعية، ويُحدث اختلالًا بيئيًا لا يُرى سريعًا لكنه يُقاس لاحقًا في حقول أقلّ توازنًا وفي سلاسل غذائية مكسورة.
على الأرض، تتكدّس صور "الموسم غير المعلن": صيادون ينتشرون على الطرق الزراعية وبين البساتين حتى ما بعد الغروب، طلقات قريبة من المنازل والطرقات، وشباك من الصوت تُحاصر أسراب العصافير فوق نقطة واحدة. الخطر هنا يتجاوز البيئة إلى السلامة العامة: رصاصٌ طائش، احتكاكات ومشادات، وحوادث يمكن تفاديها لو طُبّق القانون. لبنان، وهو محطة رئيسية على مسار هجرة الطيور بين
أوروبا وإفريقيا، لا يملك ترف التساهل؛ ما يُقتل هنا لا يعوَّض في مكان آخر، والخسارة ليست "عاطفية" بل وظيفية أيضًا: طيور تلتهم الآفات، تنثر البذور، وتحفظ إيقاع الطبيعة.
ولأن الفوضى تُغذّيها الشائعات، تعود المسؤولية الإعلامية إلى الواجهة. بيان وزارة البيئة كان صريحًا: أي معلومة رسمية تصدر حصراً عن الوزارة وبصيغتها الرسمية. ما دونه إشاعة تُضلّل الصيادين والرأي العام معًا. هنا يتشارك الجميع المسؤولية: منصات التواصل والمواقع الإخبارية التي تتناقل أخبار "فتح الموسم" من دون تحقق، متاجر تُسوّق لمكبّرات استدراج الطيور وأكسسوارات المخالفة كما لو كانت معدات عادية، وبلديات تستطيع، بل يجب، أن تكون خط الدفاع الأول عبر التبليغ والمواكبة.
في الخلاصة، القضية ليست "مع أو ضد الصيد" كمبدأ ثقافي متجذّر لدى كثيرين، بل مع أو ضد الفوضى التي تلتهم القانون والطبيعة معًا. وزارة البيئة قالت كلمتها، والمسألة الآن في مسافة التطبيق بين الورق والميدان. إن تُركت الأمور على هذا الإيقاع، سنخرج من خريف بلا موسم بذاكرة طيورٍ أقلّ، وبطبيعةٍ أفقر، وبإحساس عام بأن القانون نصيحة لا قاعدة. أمّا إن استعدنا المنطق، قرار رسمي واضح، رقابة فعّالة، وردع حقيقي، فإننا نحفظ ما تبقّى من أسراب عابرة ومن صورة بلدٍ يريد أن يحترم نفسه قبل أن يحترم موسمه.
المصدر: خاص "لبنان 24
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|