إقتصاد

البدائلُ من ضريبة المحروقات: مازوت وتبغ وعقارات...

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم تكن زيادة الرسم الإضافي على المحروقات في 29 من أيّار الفائت مجرّد تعديلٍ سعريّ. لقد أعادت طرح سؤال أوسع: أنُسدّد فجوات الماليّة العامّة عبر ضرائب سريعة تمسّ أساس سلة الأسعار، أم نعيد هندسة النظام الضريبيّ لتوسيع القاعدة وتقليل التشوّهات وصون القدرة الشرائية؟ في 15 من تموز الفائت، قبل مجلس شورى الدولة الطعن بالقرار، فالتزمت وزارة المال فورًا وعمّمت على إدارة الجمارك، وعدّلت وزارة الطاقة جدول تركيب الأسعار تبعًا لذلك. القرار ثبّت مبدأ الرقابة القضائيّة على قرارات السلطة التنفيذيّة، لكنه خلّف فجوة تمويلية لزيادات العسكريين المقرّرة. في المقابل، أوضح وزير المال ياسين جابر أنّ ما جرى هو "تعليق للمفعول لا إلغاء"، مرجّحًا العودة إلى العمل بالرسم بعد استكمال المراجعة القضائية أو تشريعه في الموازنة المقبلة، استنادًا إلى القانون 93/2018 الذي يجيز للحكومة التشريع في الحقل الجمركي. وعلى قصر مدّة التطبيق بلغت الجباية حوالي 30 مليون دولار، وهو ما يشي بـ"جاذبية" الضريبة للخزينة وسرعة تحصيلها، مقابل كلفتها التضخمية على الاستهلاك والنقل والطاقة.

لكن العدالة الضريبية لا تُختزل بسرعة التحصيل. لذلك يبدو السؤال ملحًّا: كيف نوازن بين "سرعة التحصيل" و"عدالة العبء"؟ وما الضرائب البديلة التي تُنقذ الخزينة من دون أن تخنق الناس؟

المازوت: فهرسة تدريجية مقرونة بتحويلات

في قلب هذه المقاربة يقف المازوت، ولكن من بوابة أقلّ قسوة: بدلاً من "قفزة" مفاجئة في الرسم، يُعتمد مسار فصليّ مُفهرس يتحرك صعودًا أو هبوطًا مع سعر النفط، وبسقف سنوي واضح، على أن تُحوّل حصيلته مباشرة إلى صندوق يموّل تحويلات نقدية للأسر الأكثر فقرًا وسائقي النقل والحرف الصغيرة. يستهلك لبنان حوالي 1.825 مليار لتر سنويًا، وعليه فإن زيادة تدريجية من 5 سنتات وصولًا إلى 10 سنتات لليتر يمكن أن تدرّ بين 91 و183 مليون دولار سنويًا. انعكاس ذلك على التعرفة محدود نسبيًا إذا صُمّم متدرّجًا: كل 5 سنتات على الليتر تعادل حوالي دولار للصفيحة، وتساوي حوالى 1.4 سنت/ك.و.س في المولدات الصغيرة؛ أي قرابة 3.8 في المئة من تسعيرة تموز. هنا تصبح العدالة التوزيعية رهينة التنفيذ: التحويلات المموّلة من الإيراد هي ما يحوّل الإجراء من عبء رجعي إلى سياسة محمية للفقراء.

القطاع نفسه الذي يرهق الأسر شهريًا – مولدات الأحياء – يحمل فرصة لتمويل البديل. رسم بيئيّ صغير على الكيلوواط/ساعة، مع إعفاء أول 50 ك.و.س لكل عداد سكني، يوفّر موردًا مخصّصًا لتمويل وصلات شمسية/هجينة للأبنية وللعدادات الذكية والرقابة. سوق المولدات يُقدّر بين 2 و4 مليارات ك.و.س سنويًا؛ ورسم بواقع 0.005 إلى 0.01 دولار/ك.و.س يعني حصيلة بين 10 و40 مليون دولار، وزيادة سعرية لا تتجاوز 1.3-2.7 في المئة، تُلغى عمليًا للفقراء بفعل الإعفاء. على هذا النحو يدفع القادرون نسبة ضئيلة لتمويل نزوح منظّم إلى الطاقة النظيفة وخفض فاتورتهم تدريجيًا.

ضريبة تبغ نوعية وسعر أدنى صارم

بعيدًا عن الطاقة، يقدّم سوق التبغ أداة ضريبيّة مجرّبة صحيًا وماليًا. توحيد الضريبة إلى مكوّن نوعي ثابت لكلّ علبة، مع حدٍّ أدنى لسعر التجزئة يمنع الهروب إلى علامات رخيصة، يرفع حصة الضريبة من السعر نحو توصية منظمة الصحة العالمية (≥75%). يُقدّر الاستهلاك المحلي بـ500-600 مليون علبة سنويًّا؛ وكلّ 10 سنتات إضافية للعلبة تؤمّن 50-60 مليون دولار. حزمة تدريجية بزيادة 30 سنتًا، يرافقها "سعر أرضية" محكم، قد ترفع الحصيلة إلى 150-180 مليون دولار سنويًّا، حتى مع تراجع الاستهلاك، في حين يأتي الأثر الصحي تقدميًا على المدى المتوسط لأن الأسر الأكثر فقراً أشد استجابة للسعر. ويمكن اقتطاع 5-10 في المئة من الإيراد لتمويل برامج مكافحة التبغ والخدمات الصحية (راجع تقرير "المدن" السّابق عن هذا الموضوع). 

رسوم المركبات وفقَ الانبعاثات

النقل الخاص ليس بمنأىً عن التعديل، لكن من زاوية بيئيّة. يُحدَّث رسم التسجيل السنويّ "الميكانيك" وفق شرائح انبعاثات CO₂ وسعة المحرّك، مع إعفاء السيارات الصغيرة وإضافة مُضاعِف على مركبات الديزل غير المزودة بمرشحات جسيمات، بما يوجّه الإشارة السعرية نحو الأسطول الأكثر تلويثًّا. يبلغ عدد المركبات المسجّلة 1.8-1.9 مليونًا؛ وفرض زيادة متواضعة بين 20 و50 دولارًا سنويًا على الثلث الأعلى انبعاثًا يوفّر 12–30 مليون دولار، ومع توسيع التغطية إلى نصف الأسطول ترتفع الحصيلة إلى 18-45 مليونًا. التأثير التضخمي شبه معدوم لكونه رسمًا سنويًا موجّهًا نحو القادرين نسبيًا، مع إمكان حماية مالكي السيارات الصغيرة أو القديمة بقسائم صيانة أو إعفاءات مدروسة.

ضرائب عقارية وتدقيق في VAT

على خط الضرائب العقاريّة وغير المباشرة، يظهر مساران سريعَا الأثر من دون تحميل الاستهلاك كلفة إضافية. الأول: إصلاح ضريبة الأملاك المبنية عبر تحديث القيم التأجيرية وربطها بالأسعار الفعلية والسوقية، وتحسين الجباية الإلكترونيّة وتوسيع قاعدة المكلفين. كانت تحصيلات 2021 متواضعة للغاية بالمقارنة مع حجم السوق، وهذا ما يشير إلى فجوة تقويم وجباية يمكن سدّها تدريجيًا وصولًا إلى 30-60 مليون دولار سنويًا تبعًا لتقدم الربط والتحصيل. الثاني: تدقيق ضريبة القيمة المضافة من دون رفع المعدل (11%)، بالاعتماد على تحليل المخاطر وربط قواعد البيانات وتوسيع الفوترة الإلكترونية. حتى تحسّن امتثال بحدود 10 في المئة بين كبار المكلفين فقط قد يضيف 100-200 مليون دولار سنويًا، وهو دخل "نظيف" التوزيع لأنه يستهدف التهرب بدلاً من الاستهلاك.

استرداد ريع الاتصالات وتصويب إشغالات الأملاك البحرية

وتبقى موارد الريع العام: الاتصالات والأملاك البحرية. ضخّ قطاع الاتصالات تاريخيًا فوائض كبيرة إلى الخزينة، لكن فجوات الحوكمة والتهرب والتسعير غير الشفاف قلّصت التحويلات. بإحكام التحصيل الدوري، وإقفال مزودين غير شرعيين تُقدَّر خسائرهم بحوالي 40 مليون دولار سنويًا، وفرض شفافية محاسبية، يمكن استعادة 50-150 مليون دولار في الأجل القصير من دون أي أثر سعري على المشتركين إذا أتت الزيادة من الكفاءة لا من التعرفة. أما على الواجهة البحريّة، فالتقديرات تشير إلى إشغالات واسعة غير مرخصة تاريخيًا. بعد إعادة تسعير الرسوم بالدولار وربطها بقيم واقعية، يمكن أن تتراوح الحصيلة بين 30 و50 مليون دولار سنويًا إذا اقترنت الجباية الفعلية بإخلاءات وتسويات عادلة. أيضًا من دون أثر على عامة السكان، فهو تصحيح لريع عام.

المحصلة المتوقعة وميزة التوزيع

المحصلة الإجمالية لهذه السلة من البدائل الضريبيّة تراوح تقديريًا بين 480 و905 ملايين دولار سنويًا: رقم يتجاوز ما يمكن لرسوم إضافية على المحروقات وحدها أن تؤمنه، ويأتي بأثر تضخميّ أدنى وعدالة توزيعية أعلى. الأهم أنه يوزّع المخاطر سياسيًا واجتماعيًا: لا قطاع واحد يدفع الفاتورة، ولا صدمة مفاجئة تصيب الجميع. بدلاً من ذلك، هناك تدرج تلقائي في المازوت مرتبط بالسعر العالمي ومشروط بتحويلات نقدية عبر بنية "أمان/ESSN" الجاهزة، ورسم بيئي صغير يمهّد لانتقال طاقوي، وضريبة تبغ ذكية تقلّص المرض والإنفاق الصحيّ، ورسوم مركبات تكافئ الأقل تلويثًا، وإصلاح عقاري وتحصيل VAT يضربان التهرّب، مع استرداد فوائض الاتصالات وتصويب إشغالات الأملاك البحريّة.

سياسيًّا واقتصاديًّا، تُظهر التجربة أنّ فرض ضريبة على المحروقات يوفّر مالًا سريعًا، لكنه يوسّع الهشاشة ويؤجّج الأسعار. المطلوب اليوم ليس "حلًّا سحريًّا"؛ إنما المطلوب هو تصميم جريء ومنضبط: فهرسة بدل صدمات، تحويلات نقدية تحيّد الفقراء عن أي رسم على الطاقة، وتوسيع قاعدة الإيرادات عبر ضرائب نوعية ورقابة فعّالة واستعادة للريع العام. عبر هذه المعادلة، تصبح الإيرادات أكثر استدامة، والأسعار أقل تقلبًا، والعدالة التوزيعية جزءًا من بنية السياسة لا ملحقًا تجميليًّا لها.

جاد هاني - المدن 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا