هل اخترقت إسرائيل أسرار "حزب الله" عبر إشارات الواي-فاي؟
بعد الحرب الأخيرة بين إسرائيل و"حزب الله"، لم تقتصر النقاشات على حصيلة المواجهات الميدانية أو النتائج السياسية، بل اتجه الاهتمام نحو ما أصاب البُنية الأمنية للحزب من هزات داخلية، بعدما انكشفت خروق غير مسبوقة طاولت أكثر المراكز سرية والمنشآت المحصنة.
وأثار ذلك سلسلة من التساؤلات حول طبيعة الاختراقات ووسائلها، وتوزعت التفسيرات بين فرضية العملاء على الأرض والاعتماد على تقنيات مراقبة وأدوات تجسس متطورة، من دون حسم واضح حتى الآن. فيما برزت فرضية تتحدث عن استخدام إسرائيل لتقنية حديثة، تبدو وكأنها تنتمي إلى عالم الخيال العلمي، وهي الرؤية عبر إشارات الواي فاي.
ويشرح المهندس والخبير التقني أيمن حاطوم في حديث مع "المدن" أن الفكرة تقوم على مبدأ بسيط من الناحية النظرية، لكنه معقد في التنفيذ. الهواتف وأجهزة الراوتر تبعث إشارات واي فاي تنتشر في المكان، وهذه الإشارات لا تمر بشكل مستقيم فقط، بل تنعكس عن الجدران والأثاث وحتى عن جسم الإنسان. وعندما يتحرك شخص ما، فإن هذه الانعكاسات تتغير بدقة متناهية.
هنا يأتي دور تقنيات تحليل البيانات، وتحديداً "معلومة حالة القناة" Channel State Informationالتي تعرف اختصاراً بـ"CSI"، وتلتقط التغيرات في الطور والسعة لكل إشارة، إلى جانب التعلم العميق والذكاء الاصطناعي اللذين يربطان تلك التغيرات مع وضعية الجسم وحركته. والنتيجة هي قدرة النظام على رسم "هيكل ثلاثي الأبعاد" لشخص داخل غرفة، حتى لو كانت مظلمة أو مغلقة، ويُرجح أحياناً تحديد هوية الشخص من خلال بصمة مشيته.
هذه التطبيقات تحمل جانباً مدنياً واضحاً، إذ يمكن استخدامها في مراقبة كبار السن ورصد حالات السقوط أو الحركات غير الطبيعية داخل المنازل الذكية، وفي الرعاية الصحية لمتابعة المرضى من دون الحاجة إلى أجهزة قابلة للارتداء، وكذلك في مجال تحسين أنظمة البيوت الذكية من خلال التحكم التلقائي في الإضاءة والتدفئة حسب وجود الأشخاص وحركتهم. لكن الجانب الأكثر إثارة للجدل يبقى في المجال العسكري والأمني.
ويوضح حاطوم أن تقنية "الرؤية عبر الجدران "ربما تمنح، وفق التحليل، الجنود قدرة على معرفة عدد الأشخاص داخل مبنى قبل اقتحامه، أو التعرف على هوياتهم عبر تحليل بصمة المشية، ما يحولها إلى أداة استخباراتية دقيقة. كما يمكن أن تساهم في مكافحة التسلل وحماية الحدود والقواعد العسكرية في ظروف ليلية أو وسط الدخان حيث تفشل الكاميرات الحرارية والبصرية. كما أن لهذه التقنية جانباً إنسانياً آخر حين تُستخدم في عمليات البحث والإنقاذ، مثل تحديد مواقع ناجين تحت الأنقاض أو داخل مبانٍ مدمرة بعد الكوارث".
وبرزت إسرائيل كأحد أبرز اللاعبين في هذا المجال، حيث طورت شركاتها مثل "Camero-Tech" أجهزة "Xaver" وهي رادارات محمولة قادرة على كشف الأشخاص داخل المباني. واستخدمت هذه الأجهزة في عمليات عسكرية في الضفة الغربية وغزة، كما عُرضت في معارض دولية مثل"IDEX". ورغم أن أجهزة "Xaver" تعتمد على موجات رادار خاصة، فإن تقنيات الواي فاي تقدم الفكرة نفسها بطريقة أرخص وأكثر خفاء، لأنها تستفيد من إشارات منتشرة أصلاً في كل بيت ومدينة. ورأى خبراء أن دمج الواي فاي الذكي مع الرادارات التقليدية يُحتمل أن يمنح دقة غير مسبوقة في تحديد مواقع الأشخاص وهوياتهم.
في سياق متصل، يشير المستشار القانوني والاجتماعي وخبير تقنيات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، إسلام محمد سرور، إلى البعد العلمي لهذه التكنولوجيا، موضحاً في حديث مع "المدن" أن التطور الأبرز يتمثل في اعتماد إشارات الواي فاي لرسم وتتبع وضعيات جسم الإنسان بدقة عالية، عبر ما يُعرف في الأوساط البحثية بتقنية "DensePose".
وتقوم الفكرة على تحليل الطور والسعة في موجات الاتصال اللاسلكي وتحويلها عبر خوارزميات الذكاء الاصطناعي إلى خرائط ثلاثية الأبعاد للأجسام البشرية، بحيث يمكن للنظام أن يتعرف ليس فقط على وجود الأشخاص وعددهم، بل أيضاً على الوضعيات التفصيلية لأجسادهم وصفاتهم الأساسية.
ويضيف سرور أن الطفرة العلمية تمثل امتداداً لمجالات سابقة مثل استخدام أنظمة"MIMO" متعددة الهوائيات، حيث تمنح كل إشارة منظوراً مختلفاً للحركة، ما يزيد من دقة القياسات المكانية. كما أن تقنيات الذكاء الاصطناعي مثل "الشبكات العصبية الالتفافية" (CNN) أو نماذج "Transformers" باتت قادرة على بناء بصمة مشية فريدة لكل شخص، لكن ذلك مازال في طور البحث وربما لا يكون عملياً بشكل كامل بعد.
وأوضح سرور أن خطورة التقنية لا تكمن فقط في قدرتها على المراقبة من دون الحاجة إلى كاميرات أو أجهزة استشعار مرئية، بل في إمكان إسقاطها على الاستخدامات الأمنية والعسكرية، ما يفتح الباب واسعاً أمام سيناريوهات المراقبة الشاملة أو الاستهداف الدقيق.
لكن التكنولوجيا تواجه تحديات تقنية أيضاً، لأن أداءها يتأثر بوجود جدران سميكة أو مواد معدنية، كما أن البيئات الحضرية المليئة بإشارات الواي فاي تسبب تداخلاً وضجيجاً ربما يحد من فعاليتها. ورغم ذلك، فإن السباق التكنولوجي في هذا المجال لا يبدو أنه سيتوقف، بل لعل السنوات المقبلة تشهد انتشاراً واسعاً لها، خصوصاً في مناطق النزاع مثل الشرق الأوسط حيث تسعى إسرائيل إلى استثمارها بشكل متسارع.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|