الصحافة

سقوط مقولة "أنا الدولة.. والدولة أنا"

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا



 

يتعامل البعض مع القرار الحكومي في الخامس من آب وكأنه من طبيعة تقنية حصرًا بتكليفه الجيش نزع السلاح غير الشرعي قبل 31 كانون الأول 2025، فيما الأهمية الأساسية لهذا القرار هي من طبيعة سياسية للاعتبارات التالية:

أولًا، لقد فكّ هذا القرار الارتباط بين الدولة و"حزب الله" الذي كان يتباهى بمعادلة "أنا الدولة، والدولة أنا"، وبالتالي صدور القرار أدى إلى فصل العلاقة التي كان حوّلها إلى عضوية، حيث كانت الدولة بمفاصلها الأساسية أداة بيده على غرار ما كانت عليه في زمن احتلال الأسد للبنان.

ثانيًا، كل فكرة الشعار الذي أطلقه "جيش وشعب ومقاومة" كانت ترتكز على مفهوم الارتباط والالتحام والاندماج بين الجيش وما يسمى المقاومة، فجاء القرار الحكومي ليفصل بينهما ويطلب من الجيش نزع سلاح ما يسمى المقاومة، وبالتالي المعادلة التي كانت قد سقطت نظريًا من البيانات الوزارية، سقطت عمليًا مع قرار 5 آب الحكومي.

وقد أراد، من خلال الثلاثية الخشبية، استنساخ التجربة الإيرانية في لبنان بين ما يسمى المقاومة التي تتولى الهجوم والدفاع والقضايا العسكرية الأساسية على غرار الحرس الثوري، وبين الجيش الذي وظيفته ضبط الأمن لا أكثر ولا أقل.

ثالثًا، الدولة العميقة في لبنان وقفت على الحياد في الصراع بين فريق 14 آذار الذي رفع شعار الدولة وإنهاء السلاح غير الشرعي، وبين فريق 8 آذار الذي تمسّك بسلاحه غير الشرعي، فيما الدولة العميقة اليوم مكلفة إنهاء سلاح "حزب الله"، وبالتالي أصبح الفريق غير الشرعي في مواجهة مباشرة مع الشرعية، وليس مع قوى سياسية حصرًا وتقف الشرعية على الحياد.

رابعًا، أحد أسباب الحرب في منتصف سبعينات القرن الماضي كان تعطيل الدولة وشلّ مؤسساتها، وهو ما اعتمده "حزب الله" منذ العام 2005 بشلّ الدولة وتعطيلها واستخدامها في الوقت نفسه كغطاء لمشروعه وأداة لمواجهة خصومه، ولكن بعد قرار الخامس من آب لم تعد الدولة لا غطاء ولا أداة ولا تقف على الحياد، إنما أصبحت في مواجهة مباشرة مع من يعيق قطار الدولة.

لم تتمكّن الدولة مثلًا من اكتشاف عملية اغتيال واحدة قام بها "حزب الله"، ولولا المحكمة الدولية لما تمّ التوصل إلى المجموعة من "الحزب" التي قتلت الشهيد رفيق الحريري، والسبب في عجزها عن اكتشاف عمليات الاغتيال أنه كان يُمسك بمفاصل الأجهزة العسكرية والأمنية والقضائية، فضلًا عن حظر الدولة من الدخول إلى مربعاته الأمنية، وأما اليوم فقد تغيّر الوضع إلى حد كبير، وبمعزل عن الشق التدميري الذي لحق به بفعل الضربات الإسرائيلية وإقفال خط إمداده مع سوريا، فإن قرار 5 آب الحكومي أعلن الطلاق بين الدولة و"الحزب" بفسخ العلاقة العضوية التي كانت قائمة، وبدأت تتعامل معه كأي فريق آخر في البلد مع رفع سيطرته التدريجية عن مفاصل القرار داخلها، كما أُسقِط الحظر عن مربعاته الأمنية.

وقد ساهم "حزب الله" بردود فعله العشوائية والمتوترة بتحويل الدولة إلى عدو على غرار ما كانت عليه مع المسيحيين بعد العام 1990 مع فارق أن دولة الاحتلال السوري اللبنانية تعاملت مع المسيحيين كمهزومين ومغلوب على أمرهم ورفضت تطبيق الدستور وحكمت بيروت من دمشق، فيما الدولة اليوم تُنهي الانقلاب وتتعامل مع جميع اللبنانيين على قدم المساواة وتحكم لبنان من داخل مؤسساته، ولا يحق للحزب أساسا أن يحتفظ بسلاح شكل فعل اعتداء ضد الدولة وجميع الطوائف اللبنانية.

وعلى رغم أهمية وضع جدول زمني لنزع السلاح غير الشرعي قبل نهاية العام الحالي، إلا أن الأهمية الأساسية تكمن في أن الدولة عادت للنقطة التي كانت فيها عشية اغتيال الرئيس رينيه معوض، لأنه بعد هذا الاغتيال أصبحت ممسوكة من نظامي الأسد والخامنئي، ومع قرار 5 آب وما سبقه من تطورات تحرّرت الدولة من الوصايتين الأسدية والخامنئية، وأصبحت تمارس دورها انطلاقًا من معيارين أساسيين: الدستور ومصلحة لبنان العليا، فيما عندما كانت مخطوفة كانت تمارس انطلاقًا من مصلحة الممانعة برأسيها الأسد والخامنئي وعلى حساب اللبنانيين.

للمرة الأولى منذ العام 1990 تستعيد الدولة دورها، ولم تعد في خدمة فريق إقليمي على حساب اللبنانيين، ولم تعد مشلولة وعاجزة ومسيّرة، ولم تعد أداة بخدمة احتلال ولا غطاء لاحتلال، وهذا بحدّ ذاته يعني أن مشروع "حزب الله" العسكري انتهى، لأن النهاية هي في السياسة قبل أي شيء آخر، ومشروعه سياسيًا ووظيفيًا انتهى في لبنان والمنطقة، وهو غير قادر على استخدام سلاحه لا ضدّ إسرائيل تنفيذًا لأجندته الإيرانية، ولا ضد اللبنانيين تنفيذًا للأجندة نفسها حفاظًا على سلاحه، ولم يبقَ من هذا المشروع سوى الاسطوانة المكرّرة نفسها وبنشاز قلّ نظيره لا يجد من يصدِّقه. 

شارل جبّور
نداء الوطن

 

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا