محليات

هل تنهي خطوط عون الحمراء "ازدواجية السلاح" في لبنان؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

رسم الرئيس اللبناني جوزيف عون ملامح جديدة لمعادلة السلاح في لبنان عبر تصريحاته الإعلامية الأخيرة التي قال فيها بوضوح إن "سلاح حزب الله شأن لبناني داخلي، وقرار حصر السلاح يخص الدولة وحدها، ولا يعني إيران". 

 هذه العبارة بدت أقرب إلى إعلان مبدئي يعيد وضع السيادة في صدارة النقاش، ويُسقط أي تبرير خارجي لاستمرار ازدواجية القوة العسكرية داخل البلاد.

هذا الخطاب الذي تزامن مع قرار مجلس الوزراء تكليف الجيش اللبناني وضع خطة تنفيذية لحصر السلاح بحلول نهاية العام، بدعم مباشر من الولايات المتحدة، نقل النقاش من الإطار السياسي إلى حيز عملي واضح تكون فيه المؤسسة العسكرية هي الفاعل المركزي في هذه المرحلة.

خطة مرحلية دقيقة
مصادر سياسية لبنانية أكدت لـ"إرم نيوز" أن الخطوط العريضة لخطة الحكومة بحصر السلاح تتضمن انتشارًا مرحليًّا لأفراد الجيش في الجنوب والبقاع لمراقبة المخازن والمعابر، وتوسيع التنسيق مع قوات "اليونيفيل"، فضلًا عن برنامج دولي لتزويد الجيش بتجهيزات تقنية متقدمة تسمح له بالسيطرة على حركة السلاح النوعي.

وبحسب المصادر، فإن الخطة تشمل أيضًا إعداد قاعدة بيانات ميدانية دقيقة لمناطق تواجد السلاح غير الشرعي، يتم تحديثها بشكل دوري عبر فرق استطلاع مشتركة من الجيش والأجهزة الأمنية. 

كما تتضمن إقامة غرف عمليات ميدانية على مستوى الألوية، مرتبطة مباشرة بغرفة قيادة مركزية في اليرزة (مقر وزارة الدفاع اللبنانية)، لضمان سرعة الاستجابة لأي تحركات غير نظامية.

وأوضحت المصادر أن الجانب اللوجستي يشمل تسليم دفعة أولى من أجهزة مراقبة حرارية وطائرات مسيّرة صغيرة مقدمة من شركاء دوليين، لاستخدامها في رصد التحركات الليلية على الحدود الشرقية والجنوبية.

كما أشارت المصادر إلى أن الخطة تنص على توزيع الانتشار المرحلي في الجنوب على ثلاث مراحل: الأولى تشمل المناطق القريبة من الخط الأزرق حيث تكثر المراكز الحدودية غير الشرعية، والثانية تتعلق بالبلدات المحاذية لمناطق النفوذ الحزبي التقليدي، أما المرحلة الثالثة فتتركز على ضبط المعابر غير الرسمية في القطاع الشرقي.

وفي ما يخص البقاع، أوضحت المصادر أن الخطة تتضمن إقامة نقاط مراقبة ثابتة عند المعابر الجبلية المؤدية إلى الحدود السورية، إضافة إلى دوريات متنقلة لرصد أي تحركات مرتبطة بنقل السلاح. 

وقد جرى الاتفاق على أن يتم هذا الانتشار بالتنسيق مع وحدات مختصة في مكافحة التهريب، لضمان فاعلية المراقبة على الأرض.

كما لفتت المصادر إلى أن الخطة ستترافق مع برنامج تدريبي خاص للوحدات المشاركة، يشمل كيفية التعامل مع الذخائر المخزنة بطرق غير آمنة، على ضوء حادثة وادي زبقين الأخيرة. 

وأكدت أن هذا الجانب يحظى بمتابعة مباشرة من قيادة الجيش، نظرًا لخطورة أي خطأ ميداني في هذه العمليات.

يشار إلى أن الانفجار الذي وقع في التاسع من أغسطس/ آب داخل مستودع ذخيرة في وادي زبقين، أدى إلى مقتل ستة جنود خلال محاولتهم تفكيك مخزن مرتبط بحزب الله، وهو ما شكّل اختبارًا مبكرًا لخطة الجيش.

آليات إشراف مشددة
وفي سياق موازٍ، أوضحت مصادر "إرم نيوز" أن الخطة لن تقتصر على انتشار الوحدات على الأرض فقط، بل تتضمن أيضًا إنشاء آلية إشراف ميداني مركّبة، تبدأ من الوحدات الصغيرة المنتشرة على الأرض وصولًا إلى القيادة المركزية في اليرزة. 

لهذا الغرض، سيتم العمل على تشكيل لجنة متابعة دائمة تضم ضباطًا من رئاسة الأركان ووزارة الدفاع، تكون مهمتها جمع التقارير اليومية من القطاعات الميدانية وتحويلها إلى تقارير تقييم أسبوعية ترفع مباشرة إلى رئاسة الجمهورية والحكومة.

هذه الآلية تهدف إلى تأمين خط رقابة دقيق يمنع أي خلل في التنفيذ، ويضمن أن القرارات السياسية المعلنة تجد ترجمتها الميدانية بشكل منضبط ومتواصل.

وتضيف المصادر أن الخطة تراعي خصوصية البقاع الأوسط وبعض البلدات الجنوبية حيث يتقاطع النفوذ السياسي مع النشاطات الاقتصادية. 

لذلك، جرى إدخال بند أساسي ينص على تفعيل التنسيق بين الجيش وقوى الأمن الداخلي وأمن الدولة، من أجل ضبط التحركات داخل المدن والبلدات بالتوازي مع عمليات الانتشار على الأطراف الحدودية. 

الهدف من هذا التكامل وفق المصادر يتمثل في منع أي فراغ أمني يمكن أن ينشأ إذا اقتصر الجهد على الوجود العسكري المباشر، ولضمان أن أي عمليات ضبط أو مصادرة للسلاح تتم عبر منظومة متكاملة، مدنية وعسكرية، تحت سقف الدولة.

وفي ما يتعلق بالحدود الشرقية، حيث المعابر الجبلية الصعبة، أوضحت المصادر أن الخطة نصّت على إدخال أنظمة مراقبة أرضية ورادارية متطورة يتم تشغيلها من نقاط محددة في البقاع الشمالي. 

هذه الأنظمة، المدعومة بكاميرات حرارية وأجهزة رصد ليلية، ستمكّن الجيش من متابعة الحركة في الممرات الجبلية التي استُخدمت تقليديًّا لنقل الأسلحة. 

كما جرى تخصيص وحدات استطلاع صغيرة، مدرّبة على العمل الليلي، لتغطية الثغرات التي لا تصل إليها المراقبة التقنية، بما يجعل عملية التهريب أكثر صعوبة من أي وقت مضى.

الجيش واختبار شرعية الدولة
المحلل السياسي اللبناني سمير وهبة أكد خلال حديث لـ"إرم نيوز" أن الجيش اللبناني هو العمود الفقري للدولة ورمزها الجامع في مجتمع منقسم على خطوط طائفية وحزبية. 

وأشار إلى أن تكليف الجيش بخطة حصر السلاح يعني تجديد موقعه كحامل الشرعية الوطنية، وكضمانة توازن داخلي يمنع الانزلاق إلى مواجهة أهلية.

الخطة اللبنانية تأتي مترافقة مع ورقة أمريكية تطرح مقايضة واضحة متمثلة في نزع سلاح حزب الله مقابل انسحاب إسرائيلي ووقف عمليات عسكرية في الجنوب.

وقد صرّح المبعوث الأمريكي بأن "لبنان قام بخطوته، والآن الدور على إسرائيل للالتزام". 

لكن هذا الضغط الخارجي، وفق وهبة، يتقاطع مع حسابات داخلية معقدة: حزب الله رفض علنًا التخلي عن سلاحه، محذرًا من "فتنة طائفية" إذا فُرض القرار بالقوة.

وفي هذا السياق، يظهر الجيش كصمام أمان بحسب المحلل السياسي اللبناني، إذ يسعى إلى تنفيذ قرار الدولة دون الانجرار إلى مواجهة مباشرة مع مكوّن لبناني أساسي، وبما يحفظ الحد الأدنى من الاستقرار الداخلي.

أي تجاذب حالي لا يمكن اختزاله في ثنائية "الجيش ضد الحزب"، بل هو اختبار لمفهوم الدولة في لبنان، بحسب سمير وهبة. فإما أن تتمكن المؤسسة العسكرية من فرض شرعية الدولة تدريجيًّا بدعم سياسي وشعبي ودولي، وإما يبقى لبنان أسير معادلة مزدوجة بين سلاح الدولة وسلاح الحزب.

 وتابع بالقول إن "ما يميز المرحلة الحالية هو أن النقاش لم يعد محصورًا في الخطاب السياسي، بل انتقل إلى مسار عملي مع خطة زمنية واضحة. هذا التحول يمنح الجيش موقعًا تاريخيًّا، ويضع اللبنانيين أمام استحقاق غير مسبوق في دعم المؤسسة الوطنية لتصبح المرجعية الوحيدة". 

الجيش ومعادلة الداخل والخارج
الباحث السياسي إلياس سليمان، اعتبر خلال حديثه لـ"إرم نيوز" أن تكليف الجيش بخطة حصر السلاح يتجاوز بُعده الداخلي، ليعكس أيضًا إعادة تموضع لبنان في معادلة أوسع تربط بين استقراره الداخلي والتوازنات الإقليمية. 

وتابع قائلًا "الجيش، بما يملكه من شرعية دستورية وعلاقات وثيقة مع العواصم الغربية، يتحوّل عمليًّا إلى الجسر الذي يربط القرار الوطني بالمظلة الدولية، ويعيد صياغة صورة الدولة اللبنانية كشريك يمكن الوثوق به في إدارة ملفات حساسة، مثل: الحدود الجنوبية والأمن الإقليمي".

وأضاف سليمان أن هذا الدور المزدوج يمنح الجيش موقعًا بالغ الحساسية "هو مُطالب داخليًّا بأن يبقى ضامنًا لوحدة اللبنانيين بعيدًا عن الاستقطاب الطائفي، ومُطالب خارجيًّا بأن يظهر كقوة قادرة على تنفيذ التزامات لبنان أمام المجتمع الدولي دون أن يتحوّل إلى طرف في نزاع داخلي". 

وأوضح: "بذلك يصبح الجيش في قلب معادلة دقيقة، ونجاحه في موازنة هذه الأدوار قد يفتح الباب أمام مرحلة جديدة من استعادة الدولة اللبنانية لدورها، بينما أي تعثر قد ينعكس على صورة لبنان في عيون داعميه الدوليين ويعيده إلى دوامة الشكوك".

ولفت الباحث السياسي إلى أن تكليف الجيش بحصر السلاح يُقرأ كخطوة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي في لبنان. فالمؤسسة العسكرية، التي لطالما كانت الحاضن الوحيد لمختلف المكوّنات الطائفية ضمن بنية واحدة، تُطرح اليوم كإطار جامع يعيد الاعتبار لفكرة هيبة الدولة بعد عقود من تقاسم النفوذ. 

ويؤكد أن "هذه اللحظة تكشف عن اختبار غير مسبوق إزاء استطاعة الجيش أن يتحوّل إلى الفاعل المؤسساتي الذي يفرض شرعية الدولة على الجميع دون استثناء، ويُعيد إنتاج مفهوم المساواة في الأمن والعدالة بين المواطنين".

هذا المسار يضع الجيش، بحسب سليمان، في موقع يتجاوز الطابع العسكري البحت، ليصبح أداة لإحياء الثقة بين المواطن والدولة. فكل نجاح في تطبيق الخطة يرسّخ فكرة أن الدولة كيان قادر على حماية المجتمع بمكوّناته كافة. 

ومن هنا، يرى سليمان أن هذه اللحظة قد تشكّل بداية مسار طويل لإعادة بناء الدولة على أسس مؤسساتية جديدة، يسهم فيها الجيش بدور محوري بوصفه النموذج الوحيد الذي لا يزال يحتفظ بشرعية وطنية جامعة.

اليوم يقف لبنان أمام لحظة مفصلية. تصريحات الرئيس عون وضعت السيادة كخط أحمر، والخطة التي يعمل عليها الجيش تعكس انتقالًا من الكلام إلى التنفيذ. التحديات كبيرة، والمخاطر ملموسة، لكن رمزية الجيش كقوة جامعة تمنح اللبنانيين فرصة نادرة لإعادة بناء الدولة من بوابة احتكار السلاح.

ويبقى الجيش اللبناني عنوانًا لمعادلة معقدة، لكنه في الوقت ذاته فرصة لتثبيت مفهوم الدولة التي تحمي وتحتكر القوة، وتؤسس لمستقبل مختلف عن عقود الازدواجية المسلحة التي أنهكت البلاد.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا