"الفاليه باركينغ" في لبنان: خدمة على الورق وابتزاز على الأرض
من "هزاتي" إلى غزّة: المدينة تلفظ غزاتها
تتجاوز حسابات الغزيين إزاء التهديدات الإسرائيلية باحتلال مدينة غزة، ما تعنيه عملية كهذه من دمار مادي وخراب عمراني خبروهما جيداً في كل منطقة دخلت إليها دبابات العدو. فالمدينة في وعيهم الجمعي، أكبر من العمران، فهي ما تبقّى من إرث حضاري يربط الأهالي بالمكان، وهي إرث تاريخي ضاربة جذوره في أعماق التاريخ الإنساني.
«هزاتي» أو «غادرز»، وفق ما سماها الغزاة المتعاقبون منذ أسّسها الكنعانيون في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، بقيت حتى اليوم حيّة وشاهدة على انكسار الغزاة ورحيل عصورهم المتتابعة: الفراعنة، والرومان، والبيزنطيون، والآشوريون، والعثمانيون، والإنكليز، وكل العابرين في تاريخ المدينة، الذين تركوا إرثاً حضارياً وتاريخياً، وتركوا توقيعاً على جدار الزمن، أثبت شيئاً واحداً، أن غزة تبقى لأهلها مهما عصفت بها الخطوب وحاصرتها الكوارث.
تتربّع المدينة على مساحة 56 كيلومتراً مربعاً، ووصل تعداد سكانها قبل الإبادة الجماعية إلى 677 ألف نسمة، وتتألف من عدة أحياء تاريخية وحديثة، هي الدرج، والزيتون، والتفاح، والشجاعية، والصبرة، والرمال، وتل الهوا، والنصر، والشيخ رضوان، والشيخ عجلين، وإلى الغرب منها مخيم الشاطئ للاجئين.
وخلال حرب الإبادة المستمرة منذ 22 شهراً، توغّلت الدبابات الإسرائيلية لأول مرة في مدينة غزة، في حي الرمال، في مطلع تشرين الثاني 2023، إذ حاصرت الآليات مستشفى «الشفاء» وهدمت مبنى المجلس التشريعي الفلسطيني ووصلت إلى حي الدرج في ساحة غزة، ثم تعرّضت المدينة في شهر آذار 2024 لعملية برية مفاجئة حاصر فيها جيش الاحتلال مستشفى «الشفاء» لمدة 18 يوماً، وارتكب مجازر بشعة بحق النازحين فيها.
أهل مدينة غزة يعتبرون نزوحهم عنها «خروجاً للروح من الجسد»
ومنذ بداية الحرب، توغّلت الدبابات الإسرائيلية في أحياء المدينة كافة، فيما سجّلت الأحياء الشرقية، وتحديداً الشجاعية، والزيتون، والتفاح، رقماً قياسياً في عدد العمليات البرية التي تعرّضت لها غزة؛ إذ اقتحم جيش العدو حي الزيتون 7 مرات، وحي الشجاعية 4 مرات، وحي التفاح 3 مرات، لتنتهي عملية «مركبات جدعون» الأخيرة بتدمير كلي للأحياء الثلاثة وتشريد نحو 400 ألف من سكانها، رفضوا إخلاء المدينة إلى جنوب القطاع.
وتتركّز في الأحياء الغربية للمدينة، وتحديداً الرمال، والدرج، والشيخ رضوان، ومخيم الشاطئ، أكبر نسبة من النازحين؛ إذ تقدّر الإحصائيات وجود نحو مليون نازح في غزة، يهدّد جيش الاحتلال بإخلائهم إلى الجنوب في حال بدأت عملية احتلال المدينة والسيطرة عليها.
ولسكان غزة ذكريات صعبة مع النزوح، وهم الذين خبروا تجربة التهجير التي استمرت منذ بداية الحرب وحتى هدنة 19 كانون الثاني 2025. ولذا، يتكرّر على ألسنتهم وصف النزوح بأنه «خروج للروح من الجسد»، وفق ما قاله الحاج محمد عطا، مضيفاً أن «المشكلة ليست فقط في معاناة النزوح وعذابه، بل في أننا نشعر بأننا سنودع مدينة غزة إلى الأبد. هذا العدو يدمّر كل مكان يصل إليه، وقد جرّبناه في الزيتون، والشجاعية، والتفاح، وجباليا البلد، ومخيم جباليا، وبيت لاهيا، وبيت حانون، ورفح، وخانيونس.
فقدنا ثلثي قطاع غزة، ونخشى أن نفقد المدينة. غزة هي تاريخنا وهويتنا وحضارتنا. والله نخاف عليها أكثر مما نخاف على أولادنا وأحفادنا».
وفي مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقت دعوات إلى وقف الحرب وحماية المدينة من الدمار والنزوح مجدّداً. وكتب الصحافي خالد طعيمة على صفحته في «فيسبوك»: «اتركوا وداعاتكم قبل أن تودّعكم الحياة. ودّعوا غزة كما لو كانت آخر مرة ترونها.
وانثروا أرواحكم في كل زقاق لتبقى المدينة شاهدة عليكم. ودّعوا مدينتكم بلغاتكم ولهجاتكم وأحلامكم الصغيرة، وتشبّثوا بالحياة حتى آخر نسمة من صدوركم. غنّوا أغنياتكم، وارفعوا أصواتكم حتى يسمع الركام صداه، وحتى تشهد الجدران المهدّمة أن أصحابها لم يصمتوا. ودّعوا هذا العالم الذي ارتضى الظلم، بالصمت، واصرخوا في وجه المحتل أنّكم ما زلتم تحبون الحياة، وإذا حان الأجل فنحن أهلها».
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|