الصحافة

هل يمكن للسويداء الانفصال عن سوريا في ضوء القانون الدولي؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

تحت شعار "حق تقرير المصير" شهدت مدينة السويداء جنوب سوريا، مظاهرة للدروز القاطنين في المدينة، حيث رفع المحتجون الأعلام الدرزية، ولافتات تطالب بالقصاص والمحاسبة، وحمل البعض علم "إسرائيل" في حين اعترض آخرون على رفع العلم الإسرائيلي، مؤكدين أنه "لا يمثل جميع المحتجين".


وهكذا، وتحت عنوان محق، وهو "تقرير المصير" وفي نطاق المطالبة بالمحاسبة والمواطنية واحترام التنوع في سوريا، يتدحرج الوضع السوري في مسار نحو تهديد بالانفصال والتفكيك.

فما هو تقرير المصير في القانون الدولي، وهل يمكن للسويداء أن تنفصل عن سوريا ضمن إطار مرجعية القانون الدولي؟

1- تطور مفهوم حق تقرير المصير
لم يتم الاعتراف بهذا الحق "قانونياً" إلا بعد تأسيس الأمم المتحدة، بالرغم من دعوة الرئيس الأميركي ويدرو ويلسون إلى إعطاء شعوب منطقة المشرق العربي حق تقرير المصير خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى.

أدرج هذا الحق صراحة في المادة 1 (2) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص على مبدأ "تساوي الشعوب في الحقوق وحقها في تقرير المصير"، ثم في المادة الأولى المشتركة في كل من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك للتأكيد أن لجميع الشعوب الحق في أن تحدد بحرية وضعها السياسي وتسعى إلى تحقيق تنميتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.


بداية، حين تمّ إقرار هذا المبدأ في ميثاق الأمم المتحدة، لم يكن واضعوه يريدون منه أن يشكّل تضارباً مع سيادة الدول التي هي حجر الأساس في القانون الدولي وفي ميثاق الأمم المتحدة، بل كان يُعدّ بمنزلة "تكريس للسيادة" حيث يعطي الشعب (وهو مصدر السيادة) حق اختيار ما يراه مناسباً لدولته، سواء سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً الخ.. وبالتالي، ليس هناك أي حق في التدخل في شؤونه أو فرض "نظام حكم سياسي أو اقتصادي" معين عليه. وتأتي أهمية هذا التأكيد، أن العهود الدولية تلك أتت في خضم الحرب الباردة التي كان يتنازعها تصوّران أيديولوجيان للعالم.

تطوّر هذا المبدأ وتوسّع مع موجة التحرر من الاستعمار، حيث استخدمته الشعوب المستعمرة أساساً قانونياً للدفع نحو إنهاء السيطرة الاستعمارية. وقد عزز إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة بشأن منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة (القرار 1514) هذا المبدأ كحق قانوني ينطبق على جميع الأقاليم غير المتمتعة بالحكم الذاتي. في هذا النموذج، كان حق تقرير المصير بمنزلة أداة لتفكيك الإمبراطوريات الاستعمارية وإنشاء دول جديدة ذات سيادة استنادًا إلى مبدأ "حيازة ما كان يمتلكه القانون" (uti possidetis juris)، الذي احترم الحدود الإدارية الاستعمارية السابقة، فتشكّلت الدول الحديثة على حدود استعمارية سابقة، وهو ما أدّى إلى العديد من التوترات في ما بعد.


2- حق تقرير المصير الداخلي مقابل الخارجي
ومع تطور المفهوم، بدأ القانون الدولي يفرّق بين البعدين الداخلي والخارجي للمبدأ:

- تقرير المصير الداخلي: يستند إلى حق الشعب في السعي إلى تحقيق تنميته السياسية والاقتصادية والاجتماعية ضمن إطار دولة قائمة. وهذا يشمل الحق في وجود حكومة تمثيلية، وانتخابات حرة، والحفاظ على الهوية الثقافية واللغة والخصوصيات للجماعات المختلفة. تعترف معظم الدول بهذا البعد الداخلي، لأنه يتماشى مع المبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان.

- حق تقرير المصير الخارجي وهو الأكثر إشكالية في القانون الدولي، لأنه يعني الحق في الانفصال وتشكيل دولة مستقلة.

لعبت محكمة العدل الدولية (ICJ) دورًا حاسمًا في تشكيل الأبعاد القانونية لحق تقرير المصير من خلال فتواها الاستشارية، وأكدت أن القانون الدولي لا يمنح حقًا أحادي الجانب في الانفصال لشعب ما لم يكن شعبًا مستعمرًا أو مضطهدًا.


وبسبب إشكاليته وخطورته على سيادة الدول القائمة، ضيّق القانون الدولي إطار هذا الحق، فحدد أن ممارسة هذا الحق (الانفصال) خارج إطار الاستعمار أو الاحتلال (كما في حالة فلسطين)، مسموح به في ظروف استثنائية محددة جداً، ومع قيود شديدة، كالتعرض للاضطهاد الممنهج أو انهيار الدولة، ومنها – على سبيل المثال- التأكد من أن المطالبين بالانفصال هم بالفعل يشكّلون "شعباً" يحق له تقرير مصيره.

3- حالة السويداء و"تقرير المصير"
قانونياً، ولدراسة مدى انطباق حق تقرير المصير الخارجي على قضية السويداء، يجب معالجة أسئلة رئيسية:

أولاً، يجب تعريف "الشعب"، وهو المجموعة التي تمتلك حق تقرير المصير.

ثانياً، من ينتمي إلى الشعب؟ هذا السؤال يطرح إشكالية كبرى، خاصة عند اقتراح إجراء استفتاء لتقرير المصير. فهو يثير قضية أهلية الناخبين وكيفية التعامل مع التحولات السكانية، سواء كانت قسرية أو طوعية، مثلاً أن يتم تهجير عرقي قبل حصول الاستفتاء وغير ذلك...

ثالثاً، كيف تتم ممارسة حق تقرير المصير؟ هل الانفصال عن سوريا هو الطريقة الوحيدة لممارسته؟ هل يمكن المطالبة بحكم ذاتي، بدستور جديد، بحكم تشاركي؟ الخ...

ad
في النتيجة، يُعدّ حق تقرير المصير إنجازًا تاريخيًا للقانون الدولي الحديث، وهو حق أساسي حرر الملايين من الحكم الاستعماري.

ومع ذلك، يتضمن تطبيقه إشكالية كبرى كونه مبدأ من "المبادئ الآمرة" يتضارب مع مبدأ آخر من المبادئ الآمرة في القانون الدولي وهو "سيادة الدولة ووحدة أراضيها". والأخطر، أنه بات يعتمد في استراتيجية الدول التوسعية، حيث تتذرع دولة بحق شعب في تقرير مصيره، للتدخل في شؤون وسيادة دولة أخرى وتقويض استقرارها.

وعليه، بالنسبة إلى السويداء، بما أن هناك أطراً مختلفة لتطبيق حق تقرير المصير، فالذهاب إلى "الخيار الجراحي – الانفصالي" يجب أن يكون آخر الخيارات لا أولها بالنسبة إلى السوريين.

ليلى نقولا - الميادين

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا