لماذا يُخوّن وليد جنبلاط وكيف وقع الجميع بالفخّ الاسرائيلي؟
عندما يُخَوَّن وليد جنبلاط في تجمُّعٍ يُرفع فيه علم إسرائيل وتُطلق فيه هتافات تمجّد تدخّلها وتطالب باحتلالها للسويداء، ندرك تماماً أن الرجل في المكان الصحيح، بموقفه الصحيح، وفي مواجهة كل من ارتضى أن يغطي مشاريع الارتهان بقميص التخوين.
ولأن الخيانة الفعلية هي خيانة الحقيقة، فلا بد من تحديد الوقائع الفعلية لكل ما يحصل في السويداء، لكي يظهر الخيط الأبيض من الأسود.
والحقيقة بسيطة: إسرائيل نجحت في إسقاط اتفاقات كان يمكن أن تمنع المجازر في السويداء، ثم دفعت بالطرفين إلى فخ الاقتتال، وارتكبت مجموعات مسلحة تغطت بإدارة أحمد الشرع الخطيئة الكبرى بما حصل من ارتكابات بحق أبناء السويداء فقدّمت إسرائيل نفسها كـ"حامية" للطائفة الدرزية.
والأخطر أن بعض القيادات الدرزية في السويداء، مدفوعةً بشعارات وهمية، عبر رفضها كل الاتفاقات مع دمشق بتحريض إسرائيلي، فتحت الباب أمام تنفيذ المشروع الذي يُدار مباشرة من تل أبيب، مثلما وقعت إدارة دمشق في الفخ نفسه.
ما جرى خلال الساعات الماضية يؤكد هذه المعادلة. كل محاولات إعادة تفعيل الاتفاق الذي تم التوصل إليه في نيسان الماضي تفشل. الأجواء الشعبية، بعد المجازر، لم تعد مواتية لأي تواصل. وأكثر من ذلك، هناك مؤشرات خطيرة على انقسام داخلي في البيت الدرزي نفسه إذا لم تُضبط الأمور سريعاً.
المشهد لا يحتاج إلى الكثير من التحليل:
-إسرائيل حرّضت، تركت المجازر تحصل، ثم تبرعت للحماية.
- الحكومة السورية ارتكبت أخطاءً قاتلة لم تترك مساحة للثقة.
- من يدير الأمور في السويداء يسير في مشروع تقسيم لا يملك أي أفق، إلا تحويل الدروز إلى جماعة معزولة محاصَرة، تعيش في قلق دائم من محيطها.
في هذا السياق، يصبح تذكير البعض بدور وليد جنبلاط واجباً أخلاقياً ووطنيّاً. من المعيب أن يُمسّ بتاريخ رجل لم يتردّد مرّة، لا في الحرب ولا في السلم، في حماية الدروز في لبنان وسوريا، ونسج العلاقات التي ضمنَت بقاءهم وكرامتهم، من جبل لبنان إلى وادي التيم إلى جبل العرب، إلى جبل السماق، حين كان كثيرون يهربون ويتهربون، ويرتمون في خنادق الفتنة والتحريض.
يكفي أن نعود إلى سنوات الحرب اللبنانية وقبلها، مروراً باتفاق الطائف، وصولاً إلى مصالحة الجبل التاريخية، ثم إلى مرحلة ثورة الشعب السوري منذ العام ٢٠١١ حتى العام ٢٠٢٤، لنعرف أن وليد جنبلاط لم يساوم يوماً على دم أهله، ولم يستعملهم يوماً كورقة في لعبة المحاور.
والأهم أنه لم يقع مرّة في وهم أنّ الحماية تأتي من إسرائيل، أو أنّ العزلة تُنتج أمناً، وهو الذي رفض ولا يزال أي دعوة لشرذمة الدروز وتوريطهم في لعبة المحاور.
هل نسي هؤلاء ما فعله وليد جنبلاط بعد مجرزة قلب لوزة؟ أننسى أن الذين يستقوون بإسرائيل راهناً كانوا يحاولون إقناع جنبلاط بترحيل الدروز من جبل السماق بالطائرات؟ هل نسي هؤلاء أن معادلة وليد جنبلاط حمت الدروز في ريف دمشق ولا تزال؟ الحقيقة واضحة. لقد أُفشِلت مساعيه في السويداء فقط لكونها تقع ضمن المشروع الإسرائيلي الرامي إلى خلق الخط العازل في جنوبي سوريا؟
فهذا الرجل، الذي يُخوّنه البعض اليوم، هو من حمى الدروز طوال عقود، ليس بالشعارات، بل ببذل الدم حين طُلِب منه ذلك، وبالانفتاح والحوار حين كان ذلك يُبقيهم أحياء داخل دولتهم ووسط بيئتهم. وهو، في كل مفصل تاريخي، وقف ضدّ أي مشروع يُخرج الدروز من عمقهم العربي ضمن دول تواجدهم، رافضاً صيغ الفيديرالية أو الحكم الذاتي أو الاستقواء بإسرائيل.
المؤسف أن ما لم يستطع الإسرائيلي فعله طوال عقود، وفشل في تحقيقه نظام الأسد لسنوات، فعله بعض أبناء السويداء حين رفضوا الاستماع إلى الحقيقة، وفضّلوا أن يُسلّموا رقابهم لأموال ومشاريع تقودهم إلى الهاوية وتشعل نار الفتنة بينهم وبين محيطهم. ومن المعيب أن تتحوّل دماء أبناء السويداء إلى وسيلة لتلميع صورة إسرائيل.
التاريخ لا يرحم. وهو لن يرحم أولئك الذين خانوا أمانة التوحيد فالتحقوا بإسرائيل، وقبلها كانوا في حضن نظام الأسد. بالمقابل، سوف ينصف وليد جنبلاط، كما أنصفه في محطات سابقة، لأنه وقف، مجدّداً، ضدّ المنطق الانفصالي، وضدّ المشروع الإسرائيلي، وضدّ الانزلاق إلى حروبٍ داخلية، محاولاً تجنيب السويداء حمّام الدم، وإن لم يُصغِ إليه البعض.
ربما ستأتي اللحظة التي يدرك فيها كثيرون أن الدفاع عن السويداء لا يكون بتسليمها لإسرائيل، وأن حماية الدروز لا تكون بعزلهم عن عمقهم السوري والعربي، وأن الحكمة، لا التهور، هي أعلى أشكال القوة.
وفي زمن القلّة، تبقى القلّة المؤمنة بالحقيقة والوعي هي الأمل الوحيد.
صالح حديفة-النهار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|