رئيس الأركان الإسرائيلي من جنوب لبنان: لن نسمح للتهديدات بالنمو من جديد ولا تراجع للوراء
بعد نشر قانون إعادة هيكلة المصارف في الجريدة الرسميّة، بات لمصرف لبنان هيكلة تنظيميّة واضحة المعالم والصلاحيّات، لإدارة مسار الإصلاح المصرفي. وقوام هذه الهيكليّة، لجنة الرقابة على المصارف، التي ستختص بعمليّة تدقيق في موجودات كل مصرف على حدة، وإعداد التوصيات المناسبة بشأنه. ثم الهيئة المصرفيّة العليا، وتحديدًا غرفتها الثانية، التي ستتولّى إصدار القرارات الحاسمة، بخصوص كل مصرف: إمّا التصفية أو إصلاح الوضع. ولأدوات إصلاح الوضع خيارات عدّة: من إعادة الرسملة إلى تعيين إدارة مؤقّتة، وصولاً إلى إعادة النظر في العمليّات السابقة.
عند هذه النقطة، أصبحت الأمور مهيّئة لإعداد قانون الانتظام المالي، الذي سيركّز على وضع الإطار المناسب للتعامل مع "فجوة الخسائر" في القطاع المصرفي. وهذا القانون هو ما سيحدّد عمليًا مصير الودائع، وكيفيّة التدرّج في تسديدها، وأي ودائع ستكون مضمونة بقيمتها الكاملة. وكما بات واضحًا الآن، من المفترض أن تبصر النور أولى مسودّات القانون بحلول شهر أيلول، قبل دخول البلاد في أجواء الانتخابات النيابيّة المقبلة، وما سيصاحب ذلك من حذر إزاء مناقشة أي "إجراءات غير شعبيّة".
معيار التمييز بين الودائع
أولى مراحل إعداد مقاربات القانون، ستكون في لجنة الرقابة على المصارف، التي ستتولّى الجانب المرتبط بجمع المعلومات وتقصّي الحقائق، بحسب ما أفاد وزير الماليّة ياسين جابر. وعلى أساس هذه المعطيات، يمكن لحاكميّة مصرف لبنان أن تقترح مجموعة من المعالجات، التي تستهدف تخفيض الفجوة الموجودة في القطاع المصرفي، ومن ثم بدء التسديد التدريجي للودائع. وفي الوقت الراهن، وبانتظار بدء صياغة هذه المقاربات، بدأت تتضح علامات الاستفهام، التي سيعمل مصرف لبنان على الإجابة عنها في المسودّة الأولى من مشروع القانون.
السؤال الأوّل، سيرتبط بكيفيّة التمييز بين الودائع الموجودة في القطاع المصرفي. إذ من المعلوم أن المقاربات السابقة، التي جرى إعدادها في أيّام حكومة ميقاتي، عمدت إلى التمييز بين مفهومين: الودائع المؤهّلة، وتلك غير المؤهّلة. وعلى هذا الأساس، اقترحت حكومة ميقاتي أدوات معيّنة لتسديد كل من صنفيّ الودائع، وبحسب حجم الوديعة. فبينما تُضمن كل وديعة مؤهلة في المرحلة الأولى لغاية 100 ألف دولار أميركي، نصّت خطّة الحكومة على سقف ضمان لا يتجاوز 36 ألف دولار أميركي للودائع غير المؤهّلة. أمّا معيار تصنيف الوديعة على أنّها غير مؤهّلة، فكان تحويلها داخليًا من مصرف إلى مصرف بعد 17 تشرين الأوّل 2019، وهذا ما يتماهى مع التمييز الذي فرضه مصرف لبنان في تعاميم السحوبات خلال الفترة الماضية (بين التعميمين 158 و166).
إذًا، يقف مصرف لبنان أمام السؤال التالي: كيف سيتم التمييز بين الودائع، في قانون الانتظام المالي؟
الأكيد حتّى اللحظة، بحسب كل ما تم تسريبه لغاية تاريخه، هو أنّ الحاكميّة لا ترغب بالتعامل مع كل الودائع على قدم المساواة، إذ إنّ ذلك يتعارض أصلاً مع هدف تضييق الفجوة في الميزانيّات. فإذا كانت الفجوة تتشكّل أساسًا من الفارق ما بين الموجودات والمطلوبات في القطاع المصرفي، فردم الفجوة يستلزم أولاً مراجعة المطلوبات (الودائع) ووضع آليّات لتصنيفها والتعامل معها. وإلّا، فالحديث عن ردم الفجوة سيبقى عنوانًا مجرّدًا لا يحتوي أي أدوات لتنفيذه.
أدوات التمييز المحتملة
وأدوات التمييز المحتملة، والتي يتم الحديث عنها، عديدة. إذ تشمل مقاربة خاصّة للفوائد المرتفعة التي جرى تسديدها بعد العام 2015، والتي تفوق المعدلات الطبيعيّة والمتعارف عليها. كما تشمل وضع معايير خاصّة للتعامل مع الأموال الناتجة عن تجارة الشيكات، أو بيع العقارات مقابل الدولارات المصرفيّة، ما يعني العودة إلى مفهوم "الودائع غير المؤهّلة" وإن بتسميات وعبارات أخرى.
ومن المرتقب أن تشمل أدوات التمييز كذلك مراجعة الودائع التي جرى تحويلها من الليرة اللبنانيّة، إلى الدولار الأميركي، بما فيها تلك التي تم استعمالها لتسديد القروض بالدولار. وعلى النحو نفسه، يفترض أن يتضمّن القانون أدوات للتعامل مع "الودائع غير المشروعة"، وكذلك الأموال الناتجة عن أرباح الهندسات الماليّة.
هل سيكون هذا التمييز عادلًا؟ الإجابة على هذا السؤال يفترض أن تنتظر الصيغة الأولى التي ستقترحها حاكميّة مصرف لبنان، والتي يفترض أن تبيّن المعيار الذي سيتم اعتماده لتمييز كل صنف من أصناف الودائع. فالإشكاليّة الأساسيّة هنا لن تكون فكرة التمييز، طالما أن التمييز سيحدّد الأولويّات وفق ميزان العدل، كما هو حال فرز "الودائع غير المشروعة". بل ستكون الإشكاليّة الظلم الذي يمكن أن يلحق بمطلوبات مُستحقّة وعادلة، وهذا ما ستبيّنه المسودّة الأولى من القانون.
السؤال حول الذهب
بالإضافة إلى الأسئلة المرتبطة بكيفيّة التمييز بين الودائع، ثمّة سؤال خطير يُطرح حول مستقبل الذهب الموجود في مصرف لبنان.
فتعريف الفجوة الماليّة، يتمحور حول الفارق بين موجودات القطاع المصرفي ومطلوباته، بما في ذلك ميزانيّة مصرف لبنان نفسها. ويبدو أن المقاربات التي يعتمدها حاكم مصرف لبنان كريم سعيد، تشمل احتياطات الذهب، ضمن الموجودات التي يتم احتسابها لقياس الفجوة. وبمعنى آخر، يراهن الحاكم على الذهب ضمن المعادلة، وإن لم يصل الرهان إلى حدود بيع الذهب لتسديد الودائع. ومن ضمن الأفكار التي يتم تداولها، طروحات مثل رهن أو استثمار الذهب، من دون تحديد طبيعة المشتقات الماليّة التي سيتم اعتمادها هنا.
ثمّة علامات استفهام كبرى تُطرح هنا، بخصوص نوعيّة الأدوات التي سيتم استعمالها، لاستثمار الذهب أملاً بردم الفجوة ورد الودائع. فبعض الأدوات، قد تفتح المجال أمام احتمالات الربح أو الخسارة، بما في ذلك إمكانيّة خسارة جزء من هذه الاحتياطات، من دون المساهمة في رد الودائع أصلاً. وتكمن المشكلة في أنّ هذه الاحتمالات ستُحددها سيناريوهات لا يمكن التنبّؤ بها، مثل التحوّلات في قوّة الدولار أو أسعار الذهب في المستقبل، وهو ما يجعل المسألة رهانًا لا حلًا أكيدًا.
أخيرًا، تبقى المشكلة الأهم مرتبطة بالغموض الذي يحيط بالعناوين الأساسيّة لمقاربات قانون الانتظام الماليّة، وبكيفيّة صياغته حاليًا، وهو ما يعكس تقاذف المسؤوليّات بين الأطراف المختلفة المسؤولة عن هذا الملف. وهذا الوضع، يوحي باتجاه الأمور نحو صيغة مؤلمة وغير شعبيّة، إن لم نقل بصراحة غير عادلة. إلا أنّ تأكيد هذه المسألة يفترض أن ينتظر رؤية المسودّة الأولى من مشروع القانون، والتي يفترض أن تخرج إلى العلن خلال أقل من شهر ونصف من هذه اللحظة.
علي نور الدين - المدن