محليات

تسليم السلاح "انتحار".. أي خيارات أمام "حزب الله"؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

لم يكد مجلس الوزراء يختتم جلستيه الأسبوع الماضي حتى اشتعلت السجالات السياسية، بعدما قرّرت الحكومة في الأولى تكليف قيادة الجيش إعداد خطة عملية لنزع السلاح من خارج إطار الدولة، وأقرّت في الثانية أهداف الورقة الأميركية، رغم انسحاب الوزراء الشيعة اعتراضًا، ما منح القرار "رمزية مضاعفة" على مستوى مسار ملف السلاح، بحيث يفتح الباب أمام ردود فعل عالية السقف، كان أبرزها من جانب "حزب الله".
وفيما كان لافتًا تكثيف نواب "حزب الله" وقياداته إطلالاتهم الإعلامية، في خرق لاستراتيجية لطالما اعتمدها الحزب بالتقليل من الكلام، جاء الموقف الأكثر صراحة وحِدّة على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد، الذي قال في مقابلة عبر قناة "المنار" إن تسليم سلاح الحزب "انتحار"، في رسالة مباشرة تعكس عمق الرفض لأي خطوة من هذا النوع، وتكشف استعداد الحزب للذهاب بعيدًا في مواجهة المسار الحكومي المدعوم دوليًا.
 
لم يكتفِ رعد بذلك، بل اعتبر أن قرار الحكومة "مرتجَل فرضته الإملاءات وليس قرارًا سياديًا ونُزعت عنه الميثاقية الوطنية"، وهو ما يطرح السؤال عن حدود التصعيد الذي بدأه "حزب الله" على المستوى الكلامي، وعن الخيارات الفعلية المطروحة على الطاولة أمام الحزب، الذي ليس خافيًا على أحد أنه لا يزال حتى الآن يضبط ردود الفعل، بل يعمل على احتواء الشارع، رغم خروج بعض التحركات التي توصف في الأوساط الحزبية، بـ"العفويّة".

خطاب المواجهة بلا هوادة
 
منذ ما بعد جلستي الحكومة، رفع "حزب الله" إذاً منسوب خطابه السياسي، مركّزًا على أن أي محاولة لنزع سلاحه تمثّل استهدافًا مباشرًا للمقاومة ودورها، وأن القبول بهذا المسار يعني عمليًا إنهاء الحزب كقوة سياسية وعسكرية مؤثرة. ولم يخلُ خطاب الحزب من رسائل إلى الداخل، حيث أراد الحزب طمأنة قاعدته الشعبية إلى استعداده للمواجهة "مهما كان الثمن"، كما وجّه في الوقت نفسه رسائل إقليمية ودولية، مفادها أن السلاح ليس ورقة تفاوض سهلة التخلّي عنها.
 
بهذا المعنى، يقول العارفون بأدبيّات الحزب إنّ الأخير لم يكن من الممكن أن يرضخ لقرار نزع سلاحه، ولا أن "يطبّع" مع مثل هذا القرار بحجّة التغيّر في موازين القوى التي أفرزتها حروب "طوفان الأقصى"، وفي مقدّمها الحرب الإسرائيلية على لبنان، فالمسألة بالنسبة إلى الحزب هي بلا شكّ قصة حياة أو موت، والقبول بالتخلّي عن سلاحه أمام جمهوره، بأيّ ذريعة، سيكون بمثابة تخلّ عن كلّ الثوابت التي قامت عليها المقاومة من الأساس.
 
في المقابل، يرى خصوم الحزب أن هذا التصعيد يتناقض مع مواقف سابقة للحزب، ولا سيما موافقته على البيان الوزاري لحكومة الرئيس نواف سلام، والذي نصّ بوضوح على حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، وذلك قبل أن تظهر الورقة الأميركية إلى العلن. ويعتبر هؤلاء أن الحزب يتعامل بازدواجية بين النصوص التي يوافق عليها وبين الواقع الذي يفرضه بقوة الأمر الواقع، وأن استمرار هذا النهج سيضع لبنان أمام استحقاقات أمنية وسياسية صعبة.
 
     بعيدًا عن الخطاب السياسي والبروباغندا الإعلامية، تبدو خيارات "حزب الله" أكثر تعقيدًا على أرض الواقع. فالمعطيات تشير إلى أن الحزب يتريّث في اتخاذ أي موقف عملي قبل صدور تقرير قيادة الجيش بشأن خطة نزع السلاح، والذي طُلب من المؤسسة العسكرية إعداده بموجب قرار مجلس الوزراء، علمًا أنّ اعتراض الحزب على جلسة الخميس الماضي جاء تحديدًا من هذه الزاوية، إذ اعتبر أن الحكومة استعجلت في استكمال

النقاش حول آلية تنفيذ الورقة الأميركية قبل الاطلاع على تقييم الجيش، ما أوحى بأن هناك محاولة لفرض أمر واقع سياسي وأمني من دون المرور بكل المسارات المؤسسية.
 
غير أنّ هذا التريّث لا يعني بالضرورة أن الحزب يفكّر في القبول بخطة نزع السلاح، لكنه يعكس رغبة في إدارة الوقت والاستفادة من أي ثغرات أو تناقضات داخل الحكومة أو بين القوى الدولية المعنية، خصوصًا أن التجارب السابقة أظهرت أن أي مسار مشابه يواجه عقبات لوجستية وسياسية كبيرة، علمًا أنّ الحزب يحرص أيضًا على العلاقة الاستراتيجية بينه وبين الجيش، وهو يرفض أيّ محاولة لوضع المؤسسة العسكرية في مواجهته.
 
استنادًا إلى القراءة الحالية للمشهد، لا تبدو مروحة خيارات "حزب الله" واسعة فعليًا، فالتسليم الطوعي للسلاح والتحول إلى حزب سياسي خالص خيار شبه مستبعد شبه مستبعد في ظل موقف الحزب العقائدي والسياسي من السلاح، وكذلك الذهاب إلى المواجهة المباشرة سواء داخل المؤسسات، أو في الميدان، كما حصل في السابع من أيار، يبدو مستبعدًا في ظلّ الظروف الحالية، ليبقى السيناريو الأرجح هو التريث والانتظار، ريثما تنضج الظروف، أو بالحدّ الأدنى، بانتظار صدور تقرير قيادة الجيش، ليُبنى فقط عندها على الشيء مقتضاه.
 
من الواضح أن لبنان دخل مرحلة جديدة في ملف السلاح، عنوانها "عضّ الأصابع" بين الدولة ومن ورائها المجتمع الدولي، و"حزب الله" الذي يرفض أي مساس بترسانته. ولا شكّ أنّ الأيام والأسابيع المقبلة ستكشف ما إذا كان التريّث الحالي سيقود إلى مخرج سياسي، أو أن البلاد مقبلة على جولة جديدة من المواجهة السياسية وربما الأمنية.
في كل الأحوال، يبقى أن أي معالجة لهذا الملف خارج التوافق الوطني الشامل، ومع مراعاة التوازنات الإقليمية المعقّدة، قد تعني انزلاق لبنان إلى مسار يصعب التنبؤ بعواقبه، خصوصًا إذا بقيت كل الأطراف تتعاطى معه كمعركة "كسر عظم" لا تحتمل التنازلات.

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا