علاقة التيار - الحزب: ماذا يُريد كلّ فريق من الآخر؟
في ضوء قرار الحكومة الاخير، القاضي بحصر السلاح بيد الدولة، تعود العلاقة بين حزب الله و"التيار الوطني الحر" إلى الواجهة، هذه المرة من زاوية شديدة الحساسية، ترتبط بجوهر النقاش الوطني حول سيادة الدولة، ومكانة المقاومة، ودور المؤسسات الشرعية.
فبعد أكثر من 18 عاما على "تفاهم مار مخايل"، الذي شكّل أساس التحالف السياسي بين الطرفين في المرحلة السابقة، يجد التيار نفسه أمام معادلة دقيقة: التوفيق بين دعمه لقرار الدولة السيادي من جهة، وبين الحفاظ على الحد الادنى من تفاهمه الاستراتيجي مع حزب الله من جهة أخرى، خاصة وأن الحزب يرفض أي مساس بسلاحه أو دور المقاومة.
هذه العلاقة، التي مرت بمراحل مدّ وجزر، تتعرض اليوم لاختبار جديد يرتبط بمصير أحد أشكال العلاقة المسيحية - الشيعية في لبنان، وبالتوازنات الداخلية في عهد الرئيس جوزاف عون، مرحلة بدأت تُرسم فيها تحالفات جديدة، ويُعاد فيها تموضع القوى التقليدية، وسط ضغوط دولية غير مسبوقة.
في هذا السياق، بات من الضروري قراءة أبعاد هذه العلاقة بين الطرفين، ما الذي يريده كل طرف من الآخر، وكيف إنعكس القرار الحكومي على تفاهمهما، في وقت يرى فيه البعض أننا أمام تآكل تدريجي للتحالف، فيما يصف البعض الآخر ما يجري بإعادة صياغة لشروطه، بما يتلاءم مع المتغيرات المحلية والإقليمية.
فمن جهته، ووفقا لمصادر، تندرج زيارة حزب الله لكل من الرابية وميرنا الشالوحي، تحت عنوان "اعادة شدشدة المحور"، وحشد الدعم لمواقفه الرافضة "للاستسلام لاسرائيل"، بعد الضربات التي تعرض لها وأثرت على تماسكه السياسي، والذي تعزز بسبب غياب التواصل نتيجة الظروف الامنية التي سادت، والتي مع انتفائها، عادت الحركة السياسية لقياديي الحزب، وعادت معها اللقاءات مع الحلفاء من مختلف الطوائف والجهات، من خارج الطائفة الشيعية.
وتابعت المصادر، بانه من الواضح اليوم، وجود هجمة تسعى الى "عزل" الحزب، في موازاة الحديث عن السلاح، وهو ما لا يمكن كسره دون اعادة ربط ما انقطع، من ضمن مروحة القوى التي شكلت مظلة حامية طوال الفترة الماضية، وتحديدا "التيار الوطني الحر"، الذي أمن حاضنة مسيحية لا يستهان بها، بعيدا عن الحسابات والخلافات الضيقة، وهو الامر المطلوب اليوم من جديد.
ورأت المصادر ان موقف ميرنا الشالوحي، وان كان يمكن ادراجه تحت عنوان الاختلاف في وجهات النظر، الا انه لا يرقى الى خلاف، خصوصا ان مواقف رئيس "التيار الوطني الحر" واضحة، لجهة المعالجة السياسية تحت سقف الاجماع الوطني، ومبدأ السيادة، وهو ما ينادي به حزب الله.
وختمت المصادر، بان ما يجري تداوله من كلام ومعلومات، عن ان التواصل بين الحارة والبياضة هدفه انتخابي نيابي، هو تشويه للحقائق وتشويش على الموقف الوطني للتيار، الذي اكد مسؤولوه أكثر من مرة ان المطلوب اليوم "نحافظ عالجمهورية ليضل في انتخابات".
على ضفة "التيار الوطني الحر"، لا يتخلف المشهد كثيرا انطلاقا مما تعتبره الرابية، حرب العهد الفتوحة عليها، والتي يتعامل معها الرئيس الاسبق العماد ميشال عون بصراحة ووضوح أكبر من "صهره"، مبديا انتقاده العلني لرئيس الجمهورية، حيث تؤكد اوساط "الشالوحي" ان موقفها ينبع تماما من نفس منطلقات عام ٢٠٠٦، يوم كانت هناك محاولات لعزل مكون لبناني رفضها التيار، وظل على موقفه رغم كل الضغوط التي وصلت فرض عقوبات على رئيسه، لرفضه فك التحالف مع الحزب واستفراده.
واشارت الاوساط، الى ان التيار يرحب دائما باللقاء بين اللبنانيين، فكيف لا مع فريق يعاني ايضا كما التيار من محاولات عزله والاستفراد فيه، لتمرير اجندات لا تخدم المصلحة الوطنية وقيام الدولة السيدة صاحبة القرار الحر، في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ المنطقة.
وحول ما يحكى عن تباين في وجهات النظر خلال اللقاءات الاخيرة لوفد الحزب مع "العم والصهر"، اشارت الاوساط الى ان ذلك طبيعي، اذ يسعى الحزب الى التخفيف من حدة التأييد للقرارات الحكومية، التي يعتبرها "خطيئة كبرى" و"إسقاطًا لسيادة لبنان" و"إطلاقًا ليد إسرائيل"، بهدف إضعاف قدرة لبنان وموقفه في مواجهة أي "عدوان إسرائيلي".
وتابعت الاوساط، بان الحزب يسعى إلى المحافظة على تحالفه مع التيار، خاصة في ظل العزلة السياسية التي يواجهها، آملا في أن يمارس التيار ضغوطا سياسية داخلية الى جانب الحلفاء، لوقف تنفيذ قرار الحكومة، وان لا تشارك "الشالوحي" في الجهود التي تهدف إلى نزع سلاحه، وأن يستمر في دعم موقفه، باعتبار سلاح مقاومة ضروريا لحماية لبنان.
وختمت الاوساط بان الوقت اليوم ليس للمساومات و"الحرتقات" الصغيرة، التي يسعى البعض الى تظهيرها، كتصوير التيار الى جانب الحزب "نكاية" برئيس الجمهورية، او تمهيدا لفرض تحالف نيابي على حارة حريك، في وقت ان المطلوب اليوم من الجميع التضامن والعمل على حماية السلم الاهلي، كي لا ينهار الهيكل فوق رؤوس الجميع، فمهما كانت كلفة مواجهة الخارج، تبقى اقل من نتائج الصراع الداخلي.
في المحصّلة، تُواجه العلاقة بين حزب الله و"التيار الوطني الحر" اليوم، أحد أكثر اختباراتها تعقيدا منذ عام 2005. فقرار الحكومة اللبنانية بحصر السلاح ليس مجرد بند تقني أو إداري، بل هو عنوان سياسي – سيادي، يطال صلب وظيفة حزب الله والسردية السياسية التي يرتكز اليها.
في المقابل، يجد التيار نفسه أمام استحقاق لا يمكن تأجيله: إما أن يكرّس موقعه مواكبا التحولات المحلية والدولية المتصلة ببناء الدولة، أو أن يُبقي على تحالفه مع حزب الله بشروطه القديمة، مع ما يحمله ذلك من أثمان داخلية وخارجية، في ظل الحرب المفتوحة عليه.
الخاتمة المنطقية قد لا تكون في القطيعة، ولا في العودة إلى المربّع الأول، بل في إعادة تعريف التفاهم السياسي بين الطرفين بما يتلاءم مع المتغيّرات من جهة، وضمان دور حزب الله في المعادلة الداخلية دون المساس بوحدة القرار الأمني والعسكري للدولة من جهة أخرى، مع تمكين "التيار الوطني الحر" من التمايز البنّاء ضمن تحالفاته، بما يعزز موقعه المسيحي والوطني.
فبين حسابات الداخل وضغوط الخارج، ستُكتب فصول العلاقة المقبلة بين الطرفين، على وقع المواقف لا النوايا، وعلى أساس قدرة كل منهما على التكيّف مع المرحلة من دون خسارة هويته ولا تاريخه.
ميشال تصر -الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|