قرار بتوحيد الصف في السويداء..."حصان طروادة" درزي رهان خاطىء
ربما نجح "كونفرانس مكونات شمال شرق سوريا"، الذي انعقد يومي الخميس والجمعة الماضيين، في تصدير رؤيا مفادها إن ثمة رياحا اقليمية ودولية سوف تهب على سوريا في المرحلة المقبلة، وعليه فإن من الواجب ملاقاتها بمواقف استباقية، أو عبر تراصفات كفيلة بفرض واقع جديد، يتم التعاطي فيه مع <المسألة الدرزية» ككتلة واحدة.
والشاهد على» نجاح» المؤتمر هو حجم «القلق» البادي في ردود السلطات الرسمية، وكذلك في المنابر التي راحت تسوق لتحليلات، كان التشنج واللاحيادية طاغيان فيها بشكل لافت، وتقذف بـ"تنبؤات" جلها يرمي إلى شد عصب القاعدة الإجتماعية والسياسية للسلطة، من دون أن ينجح كلا الفعلين، الردود الرسمية وخطاب الإعلام، في تحقيق مرام تذكر، ولربما أيضا كانت الصورة المتكشفة تدريجيا بعد نحو شهر على اندلاع الأحداث الدامية في السويداء، قد راكمت مشهدا دعا العديدون إلى مراجعة حساباتهم.
فقد نشر الصحافي مازن عزي، وهو صحافي وباحث سوري من السويداء مقيم في باريس، يوم 9 آب الجاري مقالا مطولا بعنوان» المسارات الخفية لاختراق السويداء ، وفيه عرض دقيق للخطة أ والخطة البديلة، واللتان وضعتا منذ الإعلان عن اتفاق 1 أيار»، الذي أعقب الأحداث في جرمانا وأشرفية صحنايا أواخر شهر نيسان المنصرم، والذي نظرت إليه حكومة دمشق، وفقا لكاتب المقال آنف الذكر، على إنه» بمثابة نكسة سياسية لها، وبدأت تعمل على أكثر من محور لتغييره».
ويضيف كان» الرهان الأساسي على التوترات التي يمكن أن تنشأ على الطريق ما بين العاصمة والمحافظة الجنوبية»، ليخلص الكاتب إلى خلاصة مؤداها «تبدو مجريات اقتحام السويداء كنتيجة عملية منهجية متدرجة، جرى تنفيذها على مستويات متشابكة:
- أولها بناء جسور مع جماعات سياسية واجتماعية مختلفة، بغرض دفعهم إلى قبول اتفاق جائر تحت الضغط العسكري من باب «حقن الدم» و» تغليب السلم الأهلي».
- وثانيها إنشاء أذرع عسكرية وأمنية درزية سبق لها أن تلقت تدريبا وتمويلا مبكرا، أو شاركت في رسم خرائط الحركة على الأرض من خلال فتح الممرات، وتوجيه الأرتال، وإثارة نزاعات موضعية.
- وثالثها إنتاج سردية تصف الهجوم بأنه تدخل لإنهاء صراع داخلي وتثبيت الدولة، مع تعتيم كامل لمنع تداول الأخبار المضادة».
ولعل هذه السردية كانت هي الأقرب لتصوير ما جرى في الفترة الممتدة بين أواخر شهر نيسان الذي شهد أحداث جرمانا وصحنايا، وبين منتصف شهر تموز الذي شهد أحداث السويداء، وصولا إلى سريان وقف إطلاق النار فيها يوم 21 تموز الفائت.في غضون تلك الفترة، تمايزت مواقف شيوخ عقل الطائفة الثلاثة، حتى بدا أن ثمة تناقضات وازنة فيما بينها. فمواقف الشيخ حكمت الهجري اتخذت منحى تصعيديا من دون سقوف، حيال مواقف الحكومة السورية في تعاطيها مع» المسألة الدرزية»، التي تبدأ عند هواجس الأمن ولا تنتهي عند ضرورة إعطاء <حيثية» معينة للمحافظة، التي تعتد بخصوصية مذهبية تاريخية. في حين اتخذ الشيخ يوسف الجربوع مواقف متناقضة من الإتفاق مع الحكومة، التي اتهمها بـ» ارتكاب المجازر بحق أهل السويداء». وآثر الشيخ حمود الحناوي الصمت الذي قرأه العديدون على إنه» موالاة» لحكومة دمشق، وبالفعل قام أساسا على وعود بمكاسب يمكن أن تقدمها الأخيرة للأول أو لمناصريه، وفقا لما رأته صفحات العديد من الناشطين الدروز.
وقد نشرت <رئاسة الطائفة الروحية للموحدين الدروز» يوم السبت 9 آب الجاري، تسجيلا مصورا للشيخ حكمت الهجري الذي قال فيه <إن ما جرى ليس تجاوزات فردية، بل خطة إبادة صامتة تنفذ على مرأى ومسمع من العالم»، وأضاف< إن السويداء شهدت في الأيام الأخيرة جرائم لا يمكن وصفها إلا بإبادة ممنهجة تنفذ بدم بارد». كما أدان الشيخ الهجري <الحصار الخانق الذي امتد لأسابيع، وشمل قطع الماء والكهرباء والإتصالات، في محاولة لكسر إرادة شعب لا ينكسر». وقد تلا هذا الأخير بيان للشيخ حمود الحناوي قال فيه <لا عهد ولا ميثاق بين السويداء وبين الحكومة في دمشق»، وأضاف <ابتلينا بسلطة لا عهد لها، باعت الوطن، وطعنت بأهله قبل أن تطعن بحدوده، وكانت سيفا مسلولا على رقاب الأبرياء، بأفكار متطرفة تستبيح الدماء>. وعلى منوال الإثنين أصدر الشيخ يوسف الجربوع بيانا في ذات اليوم قال فيه <إننا نقف اليوم لنرى بوضوح ما خلفه هذا العدوان الذي حضر بحجة بسط سيطرة الدولة، لكنه أعطى بغطاء وحماية لجيش من التترعاثوا في الأرض فسادا، وقتلوا المدنيين العزل دون وجه حق».
يشير بيانا الشيخين الحناوي والجربوع، إلى وجود قرار بتوحيد الصف الدرزي، الأمر الذي قابلته دمشق بشيئ من «الإستهجان»، حتى أن مصادر فيها ذكرت إن» الشيخين تليا بيانهما تحت الضغط والتهديد»، ولربما كان من شأن طريقة التعاطي تلك أن تزيد من تعقيد الأزمة، وتصعب من محاولات إيجاد حلول لها، والرهان على وجود» حصان طروادة» درزي دائم هو رهان خاطئ. وعدا عن إنه سقط في التجربة السابقة، فإن نجاحه سوف يشكل حلا مرحليا ومؤقتا، ويدفع باتجاه تراكمات سوف تزيد من تعقيدات الأزمة.
والمؤكد هو أن توحيد الموقف الدرزي لا يشكل مصلحة للمدينة والطائفة لوحدها فحسب، بل يشكل مصلحة أيضا لحكومة دمشق، إذا أرادت إيجاد حلول جذرية للـ<المسألة الدرزية»، التي برزت منذ حصول البلاد على استقلالها عام 1946، ولم تجد لها حلولا على مدار تعاقب الأنظمة والحكومات التي اقتصرت معالجاتها كلها، على طريقة< حصان طروادة» درزي يتم الرهان عليه لـ<اقتحام» المدينة.
عبد المنعم علي عيسى - الديار
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|