القصيفي يتصل بنقيب الصحافيين الفلسطينيين مدينا استهداف الاعلاميين في غزة
"حصرية السلاح" تفكّ الحصار المالي والاقتصادي على لبنان
عندما تكون لغة الحرب مسيطرة في المداولات، يفرمل الاقتصاد عجلته ويعتمد سياسة الترقّب، فتبقى القوانين الإصلاحية التي تقرّ والجهود التي تبذل لحيازة ثقة المجتمع الدولي وتحقيق نهضة اقتصادية في لبنان، محدودة جدًّا. وبما أن “رأس المال جبان”، ويهرب بسرعة، يصبح السؤال المطروح، ما مصير الوضعين الاقتصادي والمالي وإمكانية تنفيذ الإصلاحات والالتزام بخطة للتعافي… إذا لم تتم معالجة حصرية السلاح؟
لا يختلف اثنان على أن انطلاق العجلة الاقتصادية في أي بلد يتطلّب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا. فكيف في بلد يشكو من اقتصاد هشّ ومن تخبّط في أعمق أزمة مالية واقتصادية في تاريخه، ومن دولة مهترئة، ومن فساد متغلغل في حنايا المؤسسات العامة، وأكثر من ذلك من حروب نتيجة سلاح متفلّت خارج سيطرة الدولة ومن عدم استقرار أمني.
مع معارضة “حزب الله” فكرة حصرية السلاح والخروج عن سكّة الدولة والدستور…، لا أمل يلوح في الأفق بمستقبل أفضل بل بمستقبل قاتم بسبب الحرب الشاملة التي تتهدّدنا مجدّدًا والتي لم يمرّ عام بعد على انتهائها، وبسبب فرض المزيد من القيود الاقتصادية من قبل منظمة العمل المالي “فاتف” التي أدرجت لبنان على اللائحة الرمادية والاتحاد الأوروبي الذي أدرج لبنان على اللائحة السوداء.
“وقف الأعمال العدائية” كما دوّن وزير الاقتصاد والتجارة عامر البساط عبر منصّة X ، و”ضبط الحدود، وحصر الاقتصاد الموازي، وحصر السلاح والأمن بيد المؤسسات الشرعية، هي شروطٌ مسبقة من دونها لا يمكن الخروج من أزمتنا الاقتصادية. لافتًا إلى أن كل ذلك ضروري لاستعادة الثقة، وعودة لبنان إلى التفاعل الاقتصادي العربي، وتدفّق رؤوس الأموال، وعودة الكفاءات، وتمويل عملية إعادة الإعمار”.
أما نائب رئيس الحكومة السابق النائب غسّان حاصباني، فقال لـ “نداء الوطن” حول مدى إمكانية تطبيق الإصلاحات في ظلّ عدم حصر سلاح “حزب الله” بيد الدولة، بالقول: “أثبتت التجارب أن إمكانية نجاح الإصلاحات تتضاءل مع وجود سلاح خارج سيطرة وقرار الدولة”.
بالنسبة إلى مصير الاتفاق مع صندوق النقد الدولي إذا بقي السلاح متفلّتًا، يرى حاصباني أنه “لا علاقة بين الاتفاق مع صندوق النقد والسلاح، فاتفاقية صندوق النقد عملية تقنية إصلاحية وهي مطلب مسبق لأي تمويل قد يأتي من الدول الداعمة أو المؤسسات والصناديق الدولية. لكن لهذه الدول مطلب إضافي لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد وهو حصر السلاح بيد الدولة وبسط سيادتها على كامل أراضيها وحدودها ومرافقها ومداخلها لكي تتمكن من تأمين الاستقرار الأمني والإيرادات للتعافي الاقتصادي والمالي”.
الانزلاق إلى اللائحة السوداء
يستطرد حاصباني: “حتى لو تمّ توقيع اتفاق مع صندوق النقد، فإن وجود السلاح والتمويل غير الشرعي المرتبط به، يتسبّب بإبقاء لبنان على اللائحة الرمادية، أو قد ينقله إلى اللائحة السوداء، التي تمنع التعامل المالي مع لبنان وتتسبّب بكلفة مالية واقتصادية”.
وفق تقديرات البنك الدولي، ودائمًا بحسب حاصباني، “إن نسبة الانكماش في النمو الاقتصادي لعام 2024 سجّلت نحو 8 % أي ما يقارب 2 مليار دولار، نتيجة حرب الإسناد كما قدر البنك الدولي قيمة الخسائر المباشرة بنحو 8,5 مليارات دولار، وهذه الأرقام فقط تدلّ على أن لبنان يحتاج إلى 10,5 مليارات دولار لتعويض الخسائر المادية والمالية الناتجة مباشرة عن الحرب في سنة واحدة.
كل ذلك عدا الخسائر السنوية الناتجة عن عدم تحقيق نمو والتهرّب الجمركي والضريبي الناتجين عن الممارسات التي تدور في فلك تمويل “الحزب”. تلك الخسائر تقدر بنحو 1,5 مليار دولار سنويًا، أما الحدّ من النمو الاقتصادي الناتج عن عدم قدوم السيّاح خاصة الخليجيين، والاستثمارات، فقد يصل إلى فرص ضائعة تتراوح نسبتها بين 1 و2 % من الناتج المحلي أي ما قيمته نحو 400 مليون دولار سنويًا، تضاف إلى الخسائر الأخرى، ليصل الإجمالي إلى ٢ مليار دولار أميركي سنويًا تقريبًا”.
النمو والسلاح
يتساءل بعض المدافعين عن السلاح عن سبب عدم تشكيل السلاح في الماضي عقبة في وجه الاقتصاد الذي ازدهر في عهد رئيس الحكومة رفيق الحريري، وعرف لبنان نموًا لافتًا بلغ معدله السنوي 9 % بين 2008 و2010. ماذا تغير اليوم؟
حول ذلك يقول حاصباني، “في الماضي كان الاقتصاد مدعومًا من ودائع الناس من دون معرفتهم بذلك، وكانت نسبة الاستهلاك مرتفعة والأموال تتدفق إلى لبنان بسبب اعتماد المصارف قانون السرية المصرفية، فضلًا عن أن المجتمع الدولي كان أقلّ اهتمامًا بموضوع تمويل المنظمات العسكرية التي يعتبرها إرهابية وتبييض الأموال. تبدّل الوضع اليوم وأصبح مختلفًا، وهذه الأمور أصبحت تحت المجهر ولم يعد هناك أي ملاذ آمن للسلاح غير المضبوط والتهريب وتبييض الأموال الذي يموّل السلاح”.
وفي ما يتعلق بدرجة الترابط بين الاقتصاد والسياسة، يعتبر حاصباني أنه “لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد باعتبارهما أساسي المجتمعات والبلدان. فالاقتصاد يحتاج إلى استقرار أمني وسياسي ليتمكن من النمو واستقطاب استثمارات. فالاستثمار بطبيعته جبان ويبتعد عن الدول المعرّضة لنكسات أمنية، أو تقلّبات سياسية أو قضاء غير مستقل أو سياسات غير مستقرة”.
الدعم الدولي ونزع السلاح
من الواضح أن الدعم الدولي بات رهن تنفيذ قرار حصرية السلاح بيد الدولة، وحول ذلك الربط، أكّد الأستاذ الجامعي والخبير المالي مروان القطب لـ “نداء الوطن” أن “الربط بين الدعم الدولي والإقليمي ومعالجة نزع سلاح “حزب الله” هو وثيق ولا يمكن تجاوزه. فأي معالجة لهذا الملفّ تدفع المجتمع الدولي إلى دعم لبنان وبالتالي توقيع اتفاقيات مع المنظمات الدولية وعودة الدعم العربي وخصوصًا الخليجي إلى لبنان”.
الدول الخليجية بحسب القطب “تطالب الدولة اللبنانية باتخاذ موقف حاسم في ما يتعلق بحصرية السلاح بيدها. وهذا شرط أساسي لدعم الدولة اللبنانية من الناحية الاقتصادية، والمساهمة في إعادة إعمار الجنوب وما دمّرته الحرب، وعودة السياحة العربية إلى لبنان بما يؤدي إلى التنمية الاقتصادية والنمو الاقتصادي. ويعني ذلك أن عدم معالجة هذا الملف سيؤدي إلى عزلة لبنان إقليميًا ودوليًا وفقدان دوره، لأنه سيقطع الاقتصاد اللبناني عن محيطه وخصوصًا العربي والخليجي وسيجعل من الدولة فاقدة لدورها على الصعيد الاقتصادي”.
الأمن والنمو
من البديهي، في ما يتعلق باستتباب الأمن وانعكاسه على النمو أن تنعكس الاعتداءات الإسرائيلية المتكرّرة على الأراضي اللبنانية، عدم استتباب الأمن داخل لبنان، فيشهد الداخل أحداثًا متقطعة، بما يحول دون استقطاب استثمارات جديدة لأن “رأس المال جبان” ويبتعد عن أي دولة تعاني من اعتداءات واضطرابات أمنية.
هذا الأمر برأي القطب “يتطلب معالجة ليلعب لبنان دورًا اقتصاديًا فاعلًا في محيطه جاذباً للاستثمارات، خصوصًا إذا دخلت ورشة إعادة الإعمار حيّز التطبيق واستقطبت استثمارات خارجية. فضلًا عن ذلك لا بدّ من الإشارة إلى أن لدينا فرصة أكبر في سوريا في مشاريع إعادة الإعمار ولا بد للبنان أن يلعب دوراً فيها”.
من هنا، إن مسألة الاصلاحات الشاملة على مختلف القطاعات تتطلب معالجة موضوع الأمن وملف السلاح. ويشير القطب إلى أن لبنان “سيتعرّض لعزلة اقليمية ودولية وخصوصاً عربية خليجية، فيفقد دوره الإقتصادي الذي لطالما لعبه في الفترات “السابقة.
الإصلاحات المنشودة
حول الإصلاحات التي يحتاجها الاقتصاد اللبناني فهي متعددة ومتنوعة وهي كما عدّدها القطب:
1-الإصلاح المالي المرتبط بإعداد موازنات عامة فاعلة تخفّض العجز والنفقات وتعزّز التحصيل. ولكن للأسف الموازنات التي يتم إعدادها حسابية وليست اقتصادية ولا تتضمّن إصلاحًا ولا تعالج الدين العام المترتّب على الدولة.
2- الإصلاح النقدي: إعادة هيكلة القطاع المصرفي الذي لا يزال موضع جدل، نرى مشاريع قوانين في طور المناقشة من دون طرح رؤية واضحة لإعادة هيكلة القطاع وإصلاحه وتجديده و تحويله إلى فاعل لأنه لا يقوم بالدور المنوط فيه كممول للاقتصاد .
3-عدم وجود خطة من الحكومة حول كيفية معالجة مسألة الودائع، ورؤية لحلّ مشكلة تضخم سعر صرف الليرة إزاء الدولار.
وهنا أبدى القطب بدوره خشيته من إخراج لبنان من اللائحة الرمادية لينزلق إلى اللائحة السوداء، الأمر الذي سنشهده إذا لم يتمّ تسريع وتفعيل الإصلاحات المالية والنقدية. فلبنان تحول إلى اقتصاد كاش بسبب تغييب المصارف عن القيام بدورها. لذلك لا بد من إعادة هيكلة القطاع المصرفي لتؤدّي البنوك الدور المنوط بها، فيتم وضع حدّ لاقتصاد الكاش ويخرج لبنان من اللائحة الرمادية .
3- الإصلاحات الإدارية: لا يوجد خطة شاملة لمكافحة الفساد على مستوى الإدارة العامة، بل نشهد بعض الإجراءات الفولكلورية غير المؤثرة في تعيينات على شاكلة التعيينات السابقة التي اعتمدت فيها معايير المحاصصة والطائفية وفق أسس تؤدي إلى الفساد .
4- استقلالية القضاء الذي يلعب دوراً مهمًّا في الحكومة. وفي هذا المجال إن التشكيلات القضائية الأخيرة اعتمدت الأسس السابقة نفسها كالمحسوبية والتدخلات السياسية ولم تكن التشكيلات وفقًا للمرجو، ما يعيق الإصلاح.
استنادًا إلى تلك الإصلاحات المطلوبة والتي ستُثمر توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي، يشدّد القطب “على ن الدولة يجب أن تحسم ارتباكها بالأداء السياسي وتسرّع عجلة الإصلاح وتضع خطة ديناميكية سريعة فاعلة شاملة تحافظ فيها على نفوذها السياسي بعيدًا من تشابك المصالح والضغوطات، فتزيد ثقة المواطنين بالعهد الجديد بدلاً من أن تتراجع” .
إذًا من دون معالجة حصرية السلاح وسيادة الدولة تبقى الإصلاحات شكلية أو جزئية وعودة الاستثمارات محدودة وخجولة. وتوقيع أي اتفاق مع صندوق النقد يكون حبرًا على ورق مع صعوبة تطبيق بنوده.
باتريسيا جلاد - نداء الوطن
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|