جنبلاط وجعجع: شراكة الاضطرار!

يؤشّر الاجتماع الذي عُقد أمس بين رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع إلى إعادة تموضع سياسي متقدّمة، تأتي في لحظة بالغة الدقة، في ظل تسارع التحولات الإقليمية والمحلية على حد سواء. وعلى الرغم من الإشارة البروتوكولية إلى مناقشة تطورات السويداء في جنوب سوريا، إلا أن التركيز الفعلي للاجتماع تمحور حول ملفين جوهريين هما: حصرية السلاح بيد الدولة، والتحضير المبكر للانتخابات النيابية المقبلة. وهذان الملفان لا ينفصلان عن سياق أوسع من القلق السيادي المتزايد، مع تنامي نفوذ السلاح غير الشرعي وتراجع قدرة المؤسسات الرسمية على فرض سلطتها على كامل الأراضي اللبنانية.

يعكس توافق جعجع وجنبلاط حول هذين العنوانين إدراكًا مشتركاً متقدّمًا أن المرحلة المقبلة لن تكون مجرد استمرار للجمود القائم، بل هي لحظة تأسيسية لرسم ملامح ميزان القوى الداخلي في لبنان. ويكتسب هذا التوافق وزنه من خلفية الرجلين السياسية؛ فهما من أقدم الفاعلين في الحياة السياسية اللبنانية، ويدركان بدقة تعقيدات التوازنات الطائفية والسلطوية التي تحكم المشهد، مما يجعل أي تقارب بينهما حدثًا سياسيًا ذا دلالة تتجاوز البعد الظرفي.

١-بالنسبة إلى جعجع، تشكل حصرية السلاح بيد الدولة مسألة بنيوية لا يمكن التهاون معها، إذ إن أي محاولة لبناء دولة فعلية تصطدم تلقائيًا بثنائية الدولة والدويلة.

٢-أما جنبلاط، على الرغم من مواقفه المائلة غالبًا إلى البراغماتية، فيرى أن الفوضى الأمنية واستمرار واقع القوى المتعددة على الأرض يعمّق عزلة لبنان عربيًا ودوليًا، ويحول دون تحقيق أي إصلاح جدّي أو جذب استثمار خارجي.

بالتوازي، يُصرأ التنسيق بين الطرفين على أنه محاولة جدية لبناء خريطة تحالفات مبكرة، هدفها خوض الاستحقاق النيابي المقبل على قاعدة سياسية موحدة، في مواجهة الخصوم.

في خلفية اللقاء أيضًا قراءة مشتركة للمشهد الإقليمي، لا سيما في جنوب سوريا، حيث تلوح تحوّلات أمنية قد تمتد إلى الداخل اللبناني، مما يرفع من منسوب القلق، ويعزّز الحاجة إلى جبهة سياسية موحّدة قادرة على تقديم بديل متماسك ومشروع متكامل.

الحدث - ميرا جزيني