مسار إصلاحي في وزارة الطاقة والمياه... من إدارة الأزمة إلى رسم المستقبل

خاص - "أخبار اليوم"

في مشهدٍ طالما وُصف بالتعقيد والتجاذب، يبرز وزير الطاقة والمياه جو الصدّي بوصفه صاحب مقاربة جديدة تُحاول التوفيق بين إدارة أزمة الكهرباء المزمنة وتهيئة الأرضية لإصلاح حقيقي طال انتظاره.

ففي ضوء القدرة الإنتاجية الضعيفة جدًا التي تراكمت آثارها منذ عقود نتيجة غياب إنشاء المعامل وفشل الوزراء السابقين، اختار صدّي التوجّه نحو معالجة فورية للأزمة من دون زيادة أعباء الدين العام. في المدى القصير، تقرّر التوقف عن مراكمة الديون لشراء الفيول، بالتوازي مع فتح خطوط التواصل مع الدول المانحة ولا سيما دول الخليج بهدف توفير كميات من الفيول والغاز أويل تكفي لتأمين تغذية إضافية خلال الأشهر المقبلة. بالتزامن، تنفّذ الوزارة حملة إزالة التعدّيات عن شبكة كهرباء لبنان بغية تقليص الهدر وتحسين التوزيع.

على المدى المتوسط، اعتمد الوزير خطّة مزدوجة ترتكز على شراكات بين القطاع العام والخارجي. فعلى خطّ الدولة إلى الدولة (G to G)، تبحث الحكومة اللبنانية في توقيع اتفاقيات لإنشاء معامل إنتاج طاقة كهربائية بقدرة تصل إلى 800 ميغاواط لكل معمل، وتشغيلها على الغاز الطبيعي، إضافةً إلى مشروع استقدام وحدة عائمة لتخزين الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى الحالة الغازية (FSRU)، بما يخفّف الاعتماد على مصادر الطاقة الملوِّثة. وترافق هذه الخطوة مساعٍ لإنشاء محطات للطاقة الشمسية بهدف تنويع مصادر الإنتاج.

بموازاة ذلك، تعمل الوزارة على تأمين تمويل من صناديق مانحة دولية لتحديث شبكات النقل التابعة لمؤسسة كهرباء لبنان، ما يُمهّد لخفض الفاقد الفني وتحسين الاستقرار الكهربائي.

أمّا على مستوى الإصلاح التشريعي والإداري، فقد استأنف جو الصدّي مسار تطبيق القانون 462/2002 الذي يلحظ إنشاء الهيئة الناظمة لقطاع الكهرباء. وفي خطوةٍ اعتبرها متابعون أساسية لكسر الجمود التاريخي، جرى تنفيذ عشرات المقابلات مع المرشحين لاختيار أعضاء الهيئة وفق الآلية المحددة قانوناً. هذا الإجراء من شأنه تسهيل إصدار التراخيص للإنتاج والتوزيع بمساهمة القطاع الخاص، وهو الملف الذي ظلّ عالقاً لسنوات رغم إلحاح الخبراء على ضرورته.

على وقع هذه الخطوات المتدرجة، يرى مراقبون أن خطة الوزير الحالي تحمل ملامح مسار إصلاحي واضح المعالم: معالجة فورية لتخفيف الأزمة، وتأهيل البنية التحتية، ووضع الأسس القانونية والتنظيمية لاستقطاب الاستثمار وبناء قطاع كهرباء حديث ومستدام.