السويداء تشتعل ...اشتباكات درزية-بدوية دامية تكشف هشاشة السلطة المركزية
ادت محافظة السويداء جنوب سوريا، يوم الأحد، إلى واجهة الأحداث الأمنية بعد اندلاع اشتباكات عنيفة بين مجموعات درزية ومسلحين من عشائر البدو، أوقعت ما لا يقل عن 37 قتيلاً بينهم طفلان، وقرابة 100 جريح، بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان”. وشهد حي المقوس شرقي مدينة السويداء، إلى جانب مناطق في ريفَيها الشمالي والغربي، أعنف المواجهات، في مشهد يعكس عمق التوترات الأهلية المتراكمة في المحافظة التي تشكل أكبر تجمع لطائفة الموحدين الدروز في سوريا، ويُقدّر عدد سكانها بنحو 700 ألف نسمة.
الشرارة: حادثة سلب وعمليات خطف متبادلة
وفق ما نقله العميد نزار الحريري، معاون قائد الأمن الداخلي في السويداء، فإن الاشتباكات بدأت بعد حادثة سلب استهدفت سائق شاحنة درزي في ريف دمشق، وتلاها سلسلة من عمليات الخطف المتبادل بين عناصر من البدو والدروز. صباح الأحد، نفّذ مسلحون دروز هجوماً في حي المقوس لتحرير عشرة محتجزين لدى مسلحين من البدو، ما فجّر اشتباكات عنيفة استخدمت فيها الأسلحة الرشاشة والقذائف، وتوسعت لاحقًا إلى قرى عدة أبرزها لبين والطيرة والصورة الكبيرة، حيث تعرضت الأخيرة لقصف بقذائف الهاون انطلاقًا من منطقة براق.
فراغ مؤسساتي
وزارة الدفاع السورية، في بيان رسمي، عبّرت عن “القلق البالغ” من تطورات الأيام الماضية، واعتبرت أن “الفراغ المؤسساتي” وغياب الأجهزة الأمنية ساهم في تفاقم الفوضى، وعجز المجتمع المحلي عن احتواء الأزمة. وأعلنت الوزارة أنها باشرت، بالتعاون مع وزارة الداخلية، نشر وحدات عسكرية متخصصة وتأمين ممرات آمنة للمدنيين.
أما وزارة الداخلية، فاعترفت في بيانٍ نادر الوضوح بأن الاشتباكات كانت نتيجة مباشرة لغياب مؤسسات الدولة الرسمية، وأعلنت عن بدء تدخل مباشر في المنطقة “لوقف النزاع وفرض الأمن”، مشددة على أن قواتها “ستعمل على إعادة الاستقرار وحماية المواطنين”.
من جهتهم، دعا محافظ السويداء مصطفى البكور، وعدد من القيادات الروحية الدرزية، إلى ضبط النفس ووقف التصعيد والاحتكام إلى العقل. وقد ثمّن المحافظ جهود وجهاء محليين وعشائريين يسعون لاحتواء الأزمة، مؤكدًا أن الدولة “لن تتهاون في حماية المواطنين”.
منصة “السويداء 24″، من أبرز الجهات الإعلامية المستقلة التي تتابع الوضع ميدانيًا، أفادت بأن حصيلة الضحايا قابلة للارتفاع، مشيرة إلى إصابة أكثر من 50 شخصًا. كما نقلت عن مصادر محلية أن الاشتباكات أدت إلى قطع طريق دمشق-السويداء الدولي وانقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء واسعة من المحافظة.
السويداء ومخاوف ما بعد الأسد
منذ سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول/ديسمبر الماضي، تواجه السلطة الانتقالية بقيادة الرئيس أحمد الشرع صعوبات جدية في فرض سلطتها على الأطراف السورية المتعددة. وتعد السويداء من أبرز هذه المناطق، بسبب خصوصية موقعها، وطبيعة تركيبتها المجتمعية، وامتلاكها تقاليد طويلة من الإدارة الذاتية والحياد النسبي.
الاشتباكات الأخيرة ليست الأولى، إذ شهدت المحافظة في نيسان/أبريل وأيار/مايو مواجهات دموية مشابهة مع قوات الأمن، أسفرت عن 119 قتيلاً، وتدخلت فيها إسرائيل عبر غارات جوية وتحذيرات إلى دمشق من المساس بالدروز.
الأمن أولًا
في أعقاب هذه الأحداث، شدّدت وزارات الدفاع والداخلية والتربية (التي أعلنت تأجيل امتحان مادة في الثانوية بسبب الاشتباكات) على ضرورة فرض الأمن سريعًا. لكن المراقبين يرون أن المعالجة الأمنية وحدها لن تكفي، إذ تفيد تقارير عديدة، أبرزها منصة السويداء 24، أن الطريق الرئيسي بين دمشق والسويداء ظل عرضة لهجمات مستمرة في الأشهر الماضية، رغم اتفاق سابق بين الحكومة السورية ومشايخ الطائفة يقضي بحمايته.
وبحسب “السويداء 24″، استهدفت مجموعات مسلحة يوم الأحد حاجزًا لقوات الأمن في بلدة الصورة، وقصفت لاحقًا أحياء في البلدة. كما قطعت مجموعات أخرى طريق دمشق-السويداء في منطقة براق، وأطلقت النار على مواقع عسكرية. هذه الوقائع تشير إلى أن الجنوب السوري، برغم تعهدات الدولة، لا يزال خارج السيطرة الكاملة.
اللا مركزية المفروضة
ما تشهده السويداء هو أكثر من مجرد اشتباكات محلية، بل يعكس أزمة حكم وفقدان هيبة الدولة لصالح لامركزية مفروضة من قبل قوى أمر واقع، ليس فقط في الجنوب بل في مجمل الجغرافيا السورية الخارجة عن قبضة دمشق. فبين غياب الأجهزة، وتنامي هويات محلية مسلحة، وعجز السلطة الانتقالية عن احتواء الاحتقان، تبدو الحاجة ملحة لتسوية شاملة تتجاوز الأطر الأمنية التقليدية، وتبني على مشاركة حقيقية للفاعلين المحليين.
وحتى يتحقق ذلك، يبقى المدنيون في السويداء وحدهم يدفعون ثمن الفوضى، في انتظار دولةٍ غائبة ومجتمعٍ دوليٍّ غافل.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|