الصحافة

السلاح والاستعصاء الشيعي

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

في أمر سلاح "حزب الله"، ينقسم اللبنانيون إلى جماعتين: الأولى، وتضم الغالبية الساحقة من المسيحيين والسنّة والدروز، وترى في هذا السلاح عبئًا خالصاً. أما الثانية، وتضم معظم الشيعة على ما يبدو، فترى في التخلي عن السلاح، الذي حملهم ذات يوم إلى أعلى مراتب الهرم الطائفي، تثبيتاً للهزيمة التي لحقتهم في الحرب الأخيرة.

لكن، وفي الوقت نفسه، لم يعد جمهور "الحزب" مقتنعًا، بعد تلك المواجهة مع إسرائيل، بأن السلاح نعمة خالصة. فهو لا بد يدرك أن هذا السلاح يرتّب اليوم كلفة ثقيلة يتحمل مؤيدوه الجزء الأكبر منها.

ولأن مسؤولي "الحزب" الحاليين ورعاتهم الإيرانيين يعون هذا الواقع، فهم يسعون إلى إقناع الشيعة اللبنانيين بأن أخطار التخلي عن السلاح أكبر من كلفة الحفاظ عليه. ولتحقيق هذا المراد فهم يدفعون باتجاهين: الأول، إقناع الجمهور الشيعي بأن الصمود والاعتصام بحبل السلاح هما الطريق إلى القيامة والمجد على غرار ما حصل في صيف 2006. ولهذا يصورون "الصمود" الأخير للنظام الإيراني في وجه الضربات الإسرائيلية بأنه لحظة مشابهة، تبدأ بعدها عودة المد الإيراني وانحسار اعدائه.

أما الاتجاه الثاني، وبالتوازي مع الوعد بالقيامة والنصر، فهو ترويج القيّمين على "الحزب" ورعاتهم للكارثة الكبرى في ما لو قبل الشيعة التخلي عن سلاح حزبهم. فحينها سينقضّ عليهم الإسرائيليون وجيش السنّة المتربص بهم في سورية الجديدة، لتبدأ كربلاء أخرى لا تبقي ولا تذر. وكان "الحزب" قد لجأ سابقًا إلى هذا الشكل من التهويل لتبرير انخراطه الدامي في الدفاع عن نظام الأسد.

بين هذين الهذيانين، هذيان النصر الساحق وهذيان الذل الماحق، تغدو مهمة مخاطبة الجمهور الشيعي صعبة. فمحاولة إرضائهم والتساهل معهم سوف تعزز لديهم القناعة بأنهم انتصروا بصمودهم وقوة سلاحهم، وتضعف بالتالي احتمالات قبولهم بالتخلي عن هذا السلاح. أما مواجهتهم بالقوة فتعزز لديهم القناعة بأنهم مستفردون كجماعة وأنهم إن فقدوا منعتهم صاروا لقمة سائغة. وهذا ما سيجعلهم مستعدين للاستماتة في الدفاع عن السلاح، مما يرفع احتمالات المواجهة الأهلية في حال قررت الدولة نزعه بالقوة.

أمام هذا الاستعصاء، قد يرى البعض أن الخيار الأقل ضررًا هو الانتظار حتى يقتنع جمهور "الحزب" تحت وطأة الضربات الاسرائيلية - غير الآبهة بالإجماعات اللبنانية - وامتناع إعادة الإعمار، بأن أعباء السلاح أعظم بكثير من فوائده.

وقد يكون الانتظار هو الحل الأقل ضررًا، لكنه حل مكلف ايضًا. فهو يبقي البلاد في حالة من عدم الاستقرار، ويحرم اللبنانيين فرصة التعافي بعد كل تلك السنين العجاف التي أفقدت الكثيرين مداخيلهم ومدخرات عمرهم، كما يحرمهم فرصة متاحة، لن تتكرر بالضرورة، لإحراز احتضان سياسي واقتصادي عربي وغربي.

اما إذا كان لا بد من الانتظار حتى يشفى أهل السلاح من هذيانه وعقده، فسيكون على باقي اللبنانيين، وعلى رأسهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، أن يكونوا واضحين برفضهم بقاء السلاح خارج سلطة الدولة بأي شكل من الأشكال، وأن يحمّلوا المدافعين عنه مسؤولية كل الأعباء والمخاطر التي يجلبها بقاؤه. كذلك يجب أن يقال بصراحة وعلانية أن امتناع الدولة عن نزع سلاح "الحزب" بالقوة لا يعني اعترافاً بأية شرعية لذلك السلاح، بل إن الأمر نابع فقط من ضرورة تجنب المواجهة الأهلية. فإذا كان نزع السلاح متعذرًا فعلًا، فلا يعني ذلك أن يكون التطبيع معه مقبولًا.

بشار حيدر - نداء الوطن

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا