الزواج المدني الإختياري لغير المحمديين ... هل يحلّ مشكلة؟!
الزواج المدني ما زال غائبا عن لبنان على الرغم من التطور الذي لحق بالمجتمع، والاعتراف بالزيجات المدنية التي تحصل خارج الحدود، حيث لكل طائفة قوانينها الخاصة ومحاكمها الروحية والشرعية والمذهبية، وفي وقت يفترض وجود قانون موحد للاحوال الشخصية، يجعل اللبنانيين – المتعددي الطوائف والمذاهب- جميعا متساوين امامه.
وربما اكثر التداعيات سلبية هو الطلاق عند الطوائف المسيحية الذي يستغرق احيانا سنوات طويلة لانهاء المحاكمات والحصول على "الحرية".
من هذا المنطلق يقدم المحامي جورج الراسي اقتراح قانون بشأن الزواج المدني الإختياري لغير المحمديين، على غرار قانون الارث، الامر الذي يؤدي الى مخرج للعديد من القضايا العالقة، بدل اللجوء الى تغيير الدين، وفيه:
يتناول المشروع المحاكم الروحية المسيحية منذ القرن الفائت ولغاية تاريخه كيف تطورت وتدرجت قوانينها حسب كل طائفة في لبنان حيث يوجد:
الطوائف المسيحية الكاثوليكية وهي:
- المارونية، الروم الكاثوليك، السريان الكاثوليك، الأرمن الكاثوليك، اللاتين، وكلها تطبق قوانين الكنائس الشرقية الكاثوليكية.
الطوائف المسيحية الأرثوذكسية وهي:
- الروم الأرثوذكس، السريان الأرثوذكس، الأرمن الأرثوذكس، أشور ارثوذكس، اقباط.
1- نبدأ بالمحاكم الروحية الأرثوذكسية:
هذه المحاكم متشابهة بقوانينها وهي مرنة تتعاطى مع الخلافات الزوجية بواقعية واحكامها تصب في النفقة والبطلان وفسخ الزواج والطلاق والهجر. فعلى سبيل المثال لا الحصر فأن محاكم الروم الأرثوذكس تحكم في بطلان الزواج لأسباب تعود الى ما قبل الزواج او خلاله كحالة الأكراه او قيام كاهن بعقد زواج لا ينتمي الى طائفة احد الزوجين الخ... وبفسخ الزواج اذا وقع الهجر بين الزوجين في المسكن لأكثر من ثلاث سنوات متتالية وايضا اذا اثبت الزوجين وجود هجر بينهما في المضجع والمأكل لأكثر من ثلاث سنوات شرط ان يكون قد تم ابلاغ كاهن الرعية بهذه الحالة والتثبت من صحتها. والحكم ايضا بفسخ الزواج اذا ثبت ان وجودهم تحت سقف واحد يشكل خطرا وضررا على حياتهما، وكذلك الحكم بالفسخ اذا تمنعت الزوجة عن المعاشرة بدون سبب مبرر والحكم ايضا بالطلاق في حالة الزنا.
2- اما في المحاكم الروحية الكاثوليكية:
فهي مقيدة لا بل مكبلة في احكامها استنادا الى ما ورد في الأنجيل المقدس من آيات تعتبر ان ما جمعه الله لا يفرقه انسان بالزواج والطلاق وهي مأخوذة من تعاليم السيد المسيح حول الزواج والطلاق. ويمكن لهذه المحاكم ان تحكم بالبطلان فقط لأسباب تعود الى ما قبل الزواج او خلاله.
وهذه الآيات قيدت المحاكم الكاثوليكية من اعطاء احكام بالفسخ والطلاق. فأن الزنا وان ثبت من قبل احد الزوجين لا يعطي لهذه المحاكم الحق بالحكم بالطلاق بل الهجر بين الزوجين اي ان يعيش كل منهما حياته على هواه بالمعاشرة او المساكنة في منزل واحد مع شريكه غير الشرعي وما ينتج عن ذلك اولاد غير شرعيين يدفعون ثمنا لا ذنب لهم فيه.
وكان يلجأ الزوج في حالات كثيرة الى الزواج من امرأة ثانية بعد اعتناقه الدين الإسلامي سواء السني او الشيعي، لأنه وبحسب قوانين هذه الطوائف يحق للرجل تعدد الزوجات ويسجل امرأته الثانية والأولاد في سجلات النفوس حسب الأصول. وقد جرت في حينه تعقبات من النيابات العامة والإدعاء على الزوج بجرم التحايل على القانون بسبب ابدال دينه بهدف زواجه لمصلحة. لكن هذه التعقبات ما لبثت ان توقفت لأن هذه المسألة تتعلق بالأيمان ما بين من غيّر دينه وربه ولا يمكن التأكد من صحته ام لا. لكن هذه الزيجات ينتج عنها خلاف حول الأرث بين الزوجة والأولاد المسيحيين والزوجة والأولاد الناتجين عن الزواج الإسلامي.
كما ان هذا القيد الناتج عن اقوال السيد المسيح جعل المحاكم الكاثوليكية عاجزة عن حل اية قضية زوجية مهما كان نوعها فمثلا اذا تزوج احد الأشخاص الكاثوليك من فتاة امام الكنيسة الكاثوليكية ثم هربت الفتاة من المنزل الزوجي بعد شهر من الزواج الى البرازيل مثلا ولم يعد يعرف عنها شيئا ماذا يفعل؟ حتما سيلجأ الى المعاشرة او المساكنة وما ينتج عنهما.
حاولت الكنيسة الكاثوليكية تطوير قوانينها فأوجدت سببا للبطلان هو "التلجئة" اي ان الزوجة لم تكن مؤمنة بزواجها عند عقده لكن هذا السبب لم يؤد الى نتائج تذكر لصعوبة أثباته .
وهنا في مطلع الستينات لاح بصيص امل للرعايا الكاثوليك على مختلف انواعهم اذ تبين وجود قرار صادر عن المفوض السامي الفرنسي في عهد الإنتداب رقمه 60 ل.ر ينص في مادته 23 على ما يلي:
"اذا ابدل احد الزوجين مذهبه الى طائفة اخرى تبقى مفاعيل الزواج خاضعة الى الطائفة التي عقدت الزواج. اما اذا ابدل الزوجين مذهبهما فتصبح كافة مفاعيل الزواج الى الطائفة التي انتميا اليها"
هذه المادة كانت خشبة خلاص لهم فبدأوا حل مشاكلهم الزوجية المستعصية لدى هذه الطوائف ولا سيما الروم الأرثوذكس ثم السريان ثم الأشوريين وقاموا بأثبات بنوة اولادهما غير الشرعيين ونسبهم واصبحوا شرعيين وما زالت هذه الحلول قائمة لغاية تاريخه ولكن بوتيرة اقل.
فأمام خسارة الطوائف الكاثوليكية لأبنائها واعتناقهم مذاهب مسيحية اخرى حاولت الكنيسة الكاثوليكية تطوير اسباب البطلان.
لكن يجب التحدث بصورة مقتضبة عن مؤسسة الزواج:
كلما كانت المؤسسة ناجحة كلما انتجت عائلات صالحة ومجتمع افضل. وكلما كانت الخلافات الزوجية سهلة الحلول دون مشاكل تكون الأمور افضل.
فالزواج مهم جدا في حياة الإنسان:
اذ ان الإنسان يخلق مرتين: الأولى عندما تضعه امه في المستشفى ومرة ثانية عند زواجه. فبزواجه يرى نفسة قد انتقل من صدر والدته الى صدر زوجته، وفي بيت جديد، وتتبدل احواله، ويبقى فترة ليتعود على الحياة الجديدة، كما ان قميص النوم ليس له جيوب بمعنى ان الزوج او الزوجة لا يمكنهما ان يضعا في المخدع الزوجي سندات ملكية او جواهر او مال اثناء تواجدهما في غرفة واحدة. بل يجب عليهما ان يضعا احساسهما وصدق مشاعرهما مع شريكه اي تكون العلاقة جيدة.
تطورت المحاكم الكاثوليكية في خلق اسباب تساعدها الى اعلان بطلان الزواج. ذلك ان لجوء ابنائها الى الطوائف الأرثوذكسية وغيرها جعلها تخسر العديد من رعاياها. فخلقت سببا لإعلان البطلان لاسباب ذات طبيعة نفسية. اي ان تقوم المحكمة بتعيين طبيب نفسي بإجراء الإختبار للزوجين ويصدر تقريره بأن احد الزوجين او كلاهما يعاني من امراض نفسية تعود الى ما قبل تاريخ الزواج تؤدي الى البطلان. كالنرجسية او انفصام بالشخصية او السادية الخ....
ان هذا السبب الذي خلقته الكنيسة الكاثوليكية هي لخروجها من هذا المأزق. لكن هذه الأسباب لم تكن الحل الناجح ذلك ان عدم قبول الطرف الأخر بالبطلان يؤدي لإستئنافه امام محكمة الروتا وما ادراك المدة الى تمر لإعطاء الحكم. عدا المصاريف الباهظة التي يتكبدها المتداعين من رسوم للمحكمة واتعاب المحاماة الخ... عدا ابتزاز الزوج او الزوجة في الحصول على تعويضات مالية كون كل منهما يعرف اسرار الآخر فيقوم بأبتزاز بعضهما البعض فتتحول محبة الأقرباء بالمصاهرة الى اعداء.
ناهيك عن حالات اخرى يكون احد الزوجين قد ترك لبنان وسافر الى بلد اجنبي يعترف بالزواج المدني فبعد ان يستحصل على الجنسية، يقيم دعوى بطلان امام المحاكم المدنية، فيصبح حرا وشريكه ما زال مكبلا. وكذلك وجود اولاد غير شرعيين نتجوا عن علاقة احد الزوجين بأحد الأشخاص بطريقة غير شرعية.
فنحن نسأل؟ طالما ان الفاتيكان الذي يمثل اكثر من مليار ونصف مليار كاثوليكي في العالم لا يمكنه ان يسجل زواجا كنسيا في ايطاليا او في اي بلد يوجد فيه كاثوليك او لاتين. وكذلك الكنائس الأرثوذكسية في روسيا واليونان ومختلف اصقاع الأرض لا يستطيعوا تسجيل زواج كنسي. فلماذا هذا الأصرار على رفض اعتماد الزواج المدني الإختياري في لبنان وكيف يسمح بتسجيل الزواج المدني المعقود في خارجه ولا يجوز عقده في داخله .
ان معظم بلاد العالم لا تعترف الا بالزواج المدني. بأستثناء لبنان وسوريا والعراق والأردن والأراضي المحتلة وعدد سكانها ضئيل جدا بالنسبة الى بلدان العالم.
ان بقاء صلاحيات المحاكم الروحية النظر بالخلافات الزوجية، يؤدي الى عذاب المتداعين من وقت ورسوم وانتشار خصوصية العائلة واسرار الزوجين الى العلن ويؤثر على المجتمع والأولاد. بينما حصر الصلاحية بالمحاكم المدنية يؤدي الى الإسراع بالحكم بحسب القانون دون ضجة لأن المتداعين ينظمون العلاقة المادية سلفا حسب القانون الذي جرى الزواج تحت ظله ودون المرور بأسرار الزوجين. علما ان التشجيع على الزواج المدني لا يلغي حق الزوجين في اجراء زواج كنسي يكرس الزواج المدني تماشيا مع ايمانهم بكنيستهم ويبقى الزواج الأول هو الصحيح قانونا.
اما الزواج لدى الطوائف الإسلامية وما يتفرع عنه من خلافات لا وجود مشكلة في الطلاق، ذلك ان الزواج الإسلامي سواء كان سنيا او شيعيا او درزيا يحدد سلفا التعويض بما يسمى المقدم والمؤخر للزوجة فبمجرد رغبة الزوج في رمي الطلاق على زوجته يتم الطلاق اوتوماتيكتا ولا يوجد مشكلة امام هذه الطوائف بهذا الخصوص ووجود دعوى التفريق المقامة من الزوجة.
ومن الملاحظ انه كلما اثير موضوع الزواج المدني الإختياري في لبنان يوافق عليه البرلمان اللبناني ويوقع عليه رئيس الجمهورية وعندما يحال الى رئيس الوزراء يرفض هذا الأخير التوقيع عليه بضغط من الطوائف الإسلامية لأنه يتناقض مع الشريعة الأسلامية وهذا حق لهم.
لذلك، هناك اقتراح كحل لهذه المسألة، ان يصار الى اعتماد نفس الطريقة التي اعتمدت في قانون الإرث لغير المحمديين تلافيا لرفضه من قبل الطوائف الإسلامية الكريمة وصدور قانون عن مجلس النواب للزواج المدني الإختياري لطوائف غير المحمديين فهذا حل معقول ويمكن الإعتماد عليه، فينال موافقة الطوائف المسيحية ولا تعترض عليه الطوائف الإسلامية. بذلك يمكن وضع حد لعذاب المسيحيين من توفير الرسوم والمصاريف، وتصبح بالتالي المحاكم المدنية هي الصالحة لحل قضايا الزواج.
ان مقولة الكنيسة بأن الزواج الكنسي هو سر مقدس، لا جدل حوله فالمؤمن يمكنه ان يعتمد على الزواج الكنسي ويسجله او يعقد زواجا مدنيا ويعقبه زواجا كنسيا استنادا الى إيمانه بسر الزواج.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|