كاميرا "القناة 12" الإسرائيلية في الضاحية: كيف وصلت؟
أثار تقرير مُطوّل للصحافي الإسرائيلي إيهود حمّو، بعنوان "كاميرا القناة 12 في الضاحية الجنوبية لبيروت: اليوم التالي لحزب الله في لبنان"، شعوراً مختلطاً بين الاستفزاز والاستفهام بشأن كيفية وصول كاميرا القناة العبرية إلى قلب الضاحية، وما إذا كان إيهود حمّو نفسه قد دخل إلى المنطقة المعروفة بأنها معقل لحزب الله.. أم استعان بشركات انتاج عبر أطراف ثالثة ورابعة، لا تدري أصلاً أن التقرير النهائي سيُعرض على قناة اسرائيلية.
لا صور لحمّو في الضاحية
وتتبعت "المدن" مضمون التقرير العبري الذي بلغت مدته 24 دقيقة، ليتضح أن إيهود حمّو نفسه لم يظهر في كادر التصوير خلال اللقاءات التي جرت مع من وصفهم بنشطاء ومحسوبين على بيئة حزب الله، كما أنه من المستحيل أن يأتي إلى الضاحية شخصياً؛ لأن ذلك يُعدّ مخاطرة أمنية له ولطاقم القناة "12" العبرية، خصوصاً أن إيهود حمّو شكله "مألوف" في المشهد الإعلامي الإسرائيلي.. وهو ما يؤكد أن حمّو لم يدخل الضاحية، كما أنه ليس بالضرورة أن تكون كاميرا القناة الإسرائيلية قد دخلت بشكل فعلي إلى المنطقة.
ويُرجح أن تكون المشاهد الحصرية للدمار في الضاحية، مروراً باللقاءات الخاصة مع لبنانيين، قد نُفذت من قبل شركات انتاج أجنبية، أو شخصيات أجنبية باعت المحتوى في النهاية الى القناة العبرية، وربما عرّف مَن صور وأجرى المقابلات، عن نفسه، بأنه يقوم بـ"وثائقي لجهة أجنبية"، وهي واحدة من أساليب الالتفاف الاعلامي التي يُضلَّل بها المتحدثون في التقارير، والذين يستحيل أن يدلوا بتصريحات لجهات إسرائيلية إذا عرفوا ذلك.
ولا يُستبعد أن يكون حمّو قد ضلل حتى الجهة التي أجرت اللقاءات وصورت المشاهد الحصرية بالضاحية، لدرجة اعتقادها أنها تفعل ذلك لصالح وثائقي لقناة أو وكالة أجنبية وليس لقناة إسرائيلية!
مقابلات هاتفية ووجاهية.. مع مؤيدين لحزب الله!
لكن ما رصدته "المدن" في تقرير إيهود حمّو، هو استهلاله بمقابلة صوتية مع لبناني عُرّف كـ"مؤيد" لحزب الله، وقد ظهر صوت حمّو كمُحاوِر له خلال اتصال من دون إظهار شكله، ثم يُجيب اللبناني بصوت تم تغييره لإخفاء هويته الحقيقية، معبراً عن نقده لحزب الله الذي قال إنه يواجه وضعاً صعباً نتيجة التراجع الكبير لقوته، وحالة اليأس في صفوف كوادره وبيئته الحاضنة.
تقرير القناة 12
كما وثق التقرير لقاءات مع 4 لبنانيين في بيروت والضاحية: شاب وامرأتان في بيروت، وشاب آخر في الضاحية، أبرزهم شاب "تم إخفاء وجهه"، وسُوّق على أنه ناشط بحزب الله، حيث يقر باللغة الإنكليزية بأن الحزب واللبنانيين لم ينتصروا في المواجهة مع إسرائيل، كما تحدثت امرأتان (تم تصويرهما أسفل الرأس) عن "ضعف حزب الله وعدم قدرته على تعويض الذين دُمّرت منازلهم جراء الحرب".
لبناني مع حمّو.. في الجنوب
لكن حمّو ظهر شخصياً بمعية شاب لبناني في قرية لبنانية هُجّر أهلها على إثر العدوان الإسرائيلي الأخير، وقد تم إخفاء وجه وصوت هذا الشاب وهو أحد اللبنانيين المقيمين في إسرائيل، وتحدث عن إحباطه الشديد مما خلفته الحرب من دمار ونزوح، وما سمّاه "عجز" حزب الله عن تعويض من دُمّرت بيوتهم، مروراً بانتقاد إيران، وانتهاءً بحديث الشاب عن رغبته في "السلام" مع إسرائيل وجميع الدول المجاورة للبنان الذي اعتبره "دولة ضعيفة لا تتحمل الحروب".
ويبدو أن إيهود حمّو نسق مع هذا الشاب مسبقاً، للترتيب أمنياً لمجيئه إلى القرية اللبنانية القريبة من الحدود، والتي هَجّر الاحتلال سكانها جراء الحرب الأخيرة.. حيث تجوّل حمّو بمعية الشاب اللبناني وسط دمار هائل في البلدة التي لم يذكر اسمها.
لبناني في اسرائيل
وعمد التقرير إلى إبراز انتقادات مزعومة وجهها "نشطاء ومناصرو حزب الله" لإيران خلال حديثهم في تقرير قناة "12" العبرية، بدعوى أنها "لم تتدخل لمساندة لبنان خلال الحرب"، لدرجة أن شاباً "مُناصراً" قال في التقرير إنه "ليس من اللطيف التصريح بذلك، لكن عندما هاجمت إسرائيل والولايات المتحدة إيران، كنا سعداء بالفعل؛ لأنها تخلّت عنا.. فلتتعلم الدرس بنفسها".
وعندما سأل إيهود حمّو الشخص اللبناني الذي تحدث معه هاتفياً أو عبر وسيلة أخرى، عن مدى مفاجأته بعدم مساندة حزب الله لإيران عند تعرضها للهجوم الإسرائيلي، فأجابه: "لم أُفاجأ؛ لأن هناك خلافات ومشاكل داخل الحزب"!
ملامح الاختراق الاستخباراتي
ولم يضيّع إيهود حمّو فرصة المفاخرة بقدرات إسرائيل الهولوودية، باعتبارها "كلمة السر" لـ"التحوّل" في الجبهة الشمالية، حيث استضاف رئيس الموساد السابق يوسي كوهين، كونه "أشرف على الاختراق الاستخباراتي داخل حزب الله"، وروى الأخير كيف استعدت تل أبيب طوال سنوات طويلة لـ"يوم الأوامر" الذي ستكون فيه "مضطرة لتقويض التهديد من الشمال".
ورسم كوهين ملامح عملية اختراق الحزب، قائلاً لتقرير القناة "12" العبرية إن الموساد طوّر قدرة جديدة "مكنتنا" من اختراق صفوف التنظيم، عبر الانخراط في قنوات شراء أسلحة لصالحه؛ بهدف "بيع تقنيات تخدمنا في يوم الأوامر".
ولعل ما قاله كوهين يثير علامات استفهام بشأن ما إذا كان يقصد ضمناً أن اختراق حزب الله لم يكن فقط عبر أجهزة النداء "البيجر" والاتصالات، بل أيضاً بشحنات أسلحة للحزب، بعد تثبيت أجهزة تكنولوجية دقيقة عليها للتتبع والتنصت؟! وتابع كوهين أن حزب الله "لم يقدّر مدى اختراقه بعد أننا قدمنا أنفسنا كمورّد معتمد وموثوق".
رئيس الموساد السابق.. كدليل سياحي بلبنان!
واللافت أن كوهين بدأ حديثه بكلمات عربية، قبل إكمال حديثه باللغة العبرية، حيث قال باللغة العربية إنه يعرف لبنان "أكثر من اللازم"، كونه خدم فيه أمنياً على مدار عقود، من دون أن يكشف مهامه، مضيفاً بلهجة ضاحكة: "خليها مستورة".. ثم سأله إيهود حمّو ممازحاً: "ماذا تنصحني كسائح في لبنان؟.. أين أذهب؟"، فأجابه يوسي كوهين: "اذهب إلى الشاطئ".
والحال أن إيهود حمّو المتخصص في الشؤون الفلسطينية والعربية، يتحدث أيضاً اللغة العربية إلى جانب العبرية، ويقول خبير في الشؤون الإسرائيلية لـ"المدن"، إنّ حمّو خدم مسبقاً في وحدة الاستخبارات 8200 أو الشاباك، قبل أن يصبح صحافياً متخصصاً في الملفين الفلسطيني والعربي.
من الأمن.. إلى الصحافة
ووفق خبراء، فإن إيهود حمّو يتلقى دعماً من الأمن الإسرائيلي لإعداد تقارير تبث رسائل دعائية أمنية، عبر تمكينه من الوصول إلى أرقام هواتف وصفحات فايسبوكية لشخصيات لبنانية وعربية، مروراً بربطه مع جهات تمكنه من الحصول على لقاءات ومشاهد حصرية في قلب ضاحية بيروت الجنوبية ومناطق أخرى، إضافة إلى تأمين وصوله إلى مناطق أمنية حساسة.
اوهاد حمو في جنوب لبنان
لذلك، فإن الرسالة التي أراد حمّو أن يروج لها في تقريره، منسجمة تماماً مع الدعاية الرسمية، وهي أن "إسرائيل انتصرت، وحزب الله هُزم.. وزمن أول تغيّر". ومن أجل ذلك، جلب لبنانيين ادعى أنهم "مناصرون لحزب الله"، ليروّج بألسنتهم دعاية "النصر" الإسرائيلية، بموازاة تعزيز الإحباط داخل الحزب وبين مؤيديه، وإظهاره معزولاً داخل بيئته. كما اشتمل تقرير حمّو على رسالة أخرى للبنانيين والعرب، وهي "نعرف عنكم أكثر مما تتوقعون.. ونصل إلى كل مكان بأي وسيلة".
لكن أحد الإسرائيليين انتقد تقرير حمّو، وعلق عليه في تغريدة بموقع إكس: "جميل، إذًا الآن كل شيء على ما يرام.. نصر كامل، هذا ما تقوله؟ الغرور والتعالي، خطر. كصحافي، أتوقع منك أن تعرض صورة دقيقة قدر الإمكان، لا أن تكرر كليشيهات مريحة للأذُن الإسرائيلية مثل (لقّناهم درساً) و(انتصرنا)".
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|