نزع سلاح حزب الله بالكامل.. واشنطن ترفع سقف مطالبها من لبنان
حمل المبعوث الأمريكي توم باراك، في 19 يونيو/حزيران، إلى السلطات اللبنانية قائمة مطالب تتعلق بسلاح "حزب الله".
لم يكشف عن محتوى الورقة بشكل رسمي، إلا أن التسريبات التي حصل عليها "إرم نيوز" توافقت على أنها تطالب بنزع كامل لسلاح "حزب الله"، في كامل الأراضي اللبنانية، وليس في جنوب نهر الليطاني كما كان الحال في السابق.
وتشير التسريبات أيضًا إلى أن الإدارة الأمريكية تلوح بأن تنفيذ هذه المطالب سيقابل بتسهيل حصول لبنان على المساعدات المالية والاقتصادية الدولية، بينما سيقابل عدم التعاون بإغلاق الباب أمام هذه المساعدات، وباحتمال توجيه إسرائيل ضربة عسكرية كبيرة لـ"حزب الله" بهدف نزع سلاحه بالقوة.
وفهم من التسريبات أيضًا أن النافذة الزمنية لمعالجة ملف سلاح "حزب الله" تستمر إلى خريف هذا العام.
باراك زار بيروت مرة ثانية، في 7 يوليو/تموز، لتلقي الجواب الرسمي اللبناني. ومرةً أخرى، لم يكشف عن محتوى هذا الجواب بشكل رسمي.
تصريح مسيّس
وعلق باراك بأن الرد اللبناني "إيجابي". فهل حصلت إدارة ترامب على ما تريده من لبنان؟ في الحقيقة يبدو هذا مستبعدًا بالكامل في ضوء التسريبات والمؤشرات الملموسة القادمة من لبنان.
أما تصريح باراك فهو على الأرجح مسيس، ويذكرنا بتصريحات ستيف ويتكوف عن الأجواء الإيجابية المحيطة بالمفاوضات النووية الإيرانية.
ويتكوف وباراك صديقان مقربان للرئيس الأمريكي، الذي فوضهما من جانبه بإدارة السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بشكل يتجاوز دوائر الخارجية الأمريكية. وكل من ويتكوف وباراك يدرك حساسية الإعلان عن انتكاس تحركاتهما، وما يعنيه ذلك من انتكاس مقاربة ترامب نفسه.
تجربة ويتكوف انتهت بهجوم إسرائيلي غير مسبوق على إيران، وتنفيذ الولايات المتحدة لأول ضربة عسكرية مباشرة ضد إيران منذ 45 عامًا فكيف ستنتهي تجربة باراك؟
رسالة باراك
الرسالة التي حملها باراك إلى لبنان وصلت في خضم حرب إسرائيل وإيران، ولهذا تجنب "حزب الله" التعليق عليها رسميًا لأيام عدة، وهذا ما دفع البعض للاعتقاد بأن "حزب الله" قد يكون قبل فعلًا مناقشة التخلي عن سلاحه، إلا أن "حزب الله" اضطر لكسر صمته تدريجيًا.
في 4 يوليو/تموز، أجرى عناصر من "حزب الله" استعراضًا عسكريًا، بالسلاح الخفيف، في وسط بيروت بالتزامن مع حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد عدم تخلي "حزب الله" عن سلاحه.
وفي 5 يوليو/تموز، تواترت التسريبات عن أن "حزب الله" أبلغ رئيس مجلس النواب نبيه بري، شريكه الشيعي، بأن الورقة الأمريكية هي ورقة "استسلامية" وأنه يرفضها.
وفي 6 يوليو/تموز، اضطر نعيم قاسم، أمين عام "حزب الله"؛ لأن يزج بنفسه في واجهة المشهد، وأن يصرح بأن "التهديدات الإسرائيلية لن تدفع حزبه إلى الاستسلام أو ترك السلاح".
هذا التصعيد في مواقف "حزب الله" قوبل بتصعيد كبير في العمليات العسكرية الإسرائيلية التي تجاوزت جنوب لبنان وصولًا إلى شرقه.
كما صدرت انتقادات حادة من رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام لمظهر حمل السلاح في وسط العاصمة اللبنانية. والأجواء تشير – على عكس ما يزعم باراك – إلى اقتراب مواجهة كبرى غير واضحة المعالم.
الهروب إلى الأمام
لا يمتلك "حزب الله" اليوم شركاء في الداخل اللبناني مستعدين للدفاع عن سلاحه. فقد خسر "حزب الله" حليفه المسيحي الماروني، المتمثل في التيار الوطني الحر الذي يقوده الرئيس السابق ميشال عون والوزير السابق جبران باسيل.
كما خسر "حزب الله" حلفاءه السنة الذين تعاطفوا معه خلال الحرب مع إسرائيل، وخلال حرب غزة.
وحتى في الأوساط الشيعية، فقد "حزب الله" هيبته التي تمتع بها طوال 19 عامًا، منذ حرب 2006، وذلك بعد سقوط النظام السوري وتهشيم الصورة التي رسمها "حزب الله" لمحور المقاومة وللمارد الإيراني المزعوم.
كما فقد "حزب الله" الكثير من قدراته المالية والاقتصادية بعد العقوبات الأمريكية الأخيرة، ولاسيما تلك التي استهدفت مؤسسة "القرض الحسن" التي استخدمها "حزب الله" لعقود لمساعدة فقراء الشيعة ولتعويضها عن خسائر المواجهات العسكرية مع إسرائيل.
وفي الآونة الأخيرة تواترت الشكاوى حول عدم تلقي مؤيدي "حزب الله" تعويضات تكفي لتغطية الخسائر التي لحقت بمساكنهم وأرزاقهم خلال الحرب الأخيرة مع إسرائيل.
وحتى حركة "أمل"، الحليف التاريخي لـ"حزب الله"، بدأت تنأى بنفسها. فبحسب كل التسريبات، ماطل "حزب الله" في تسليم رده حول الورقة الأمريكية، ولم يقدم هذا الرد إلا بعد أن حذره نبيه بري من أن عدم تقديم رد رسمي سيدفع الرئاسات الثلاث للمضي قدمًا في الرد على العرض الأمريكي دون "حزب الله".
ملخص مشهد "حزب الله" هو أنه بات وحيدًا دون حليف أو غطاء.
ولكن، من منظور "حزب الله" ربما يبدو المشهد مختلفًا قليلًا. فسقوط النظام السوري، وتخلي الحلفاء المسيحيين والمسلمين السنة اللبنانيين، ونأي نبيه بري وحركة "أمل" بنفسهم، تعني لـ"حزب الله" أنه ما من ضمانة للبقاء سوى القوة الذاتية المتمثلة بالسلاح، الخفيف منه والثقيل، وأن الهزيمة الكاملة لا تزال بعيدة، ويجب التفاوض – بالسياسة والقوة – لمنعها وللحد من آثارها، لكيلا ينتهي أمر "حزب الله" كما ينتهي أمر حركة "حماس" حاليًا، وكما انتهى حضور منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان في صيف 1982، بعيد الغزو الإسرائيلي في يونيو/حزيران من ذاك العام.
تحذيرات من التنازل
الأبواق الإعلامية المقربة من "حزب الله" بدأت بالتذكير بأن الفلسطينيين في المخيمات اللبنانية دفعوا سريعًا ثمن قبول منظمة التحرير الفلسطينية الخروج في لبنان، وشمل ذلك الثمن مجزرة صبرا وشاتيلا، في سبتمبر/أيلول 1982.
والمقربون من "حزب الله" بدأوا يروجون لخطورة عودة تنظيم "داعش" وبشكل أخطر مما ظهر منذ عقد من الزمن، خصوصًا بالاستفادة من تسونامي انتصار الإسلاميين السنة في سورية.
التسريبات اللافتة شملت الإعلان، في مايو/أيار، أن تنظيم "داعش" قرر إنشاء ولاية مستقلة خاصة بلبنان. وفي 26 يونيو/حزيران، أعلن عن اعتقال أمير هذه الولاية، وأن هذا الأمير ينتمي إلى قرية "كامد اللوز" في قلب البقاع الغربي، التي تبعد عشرات الكيلومترات عن جرود القاع وعرسال، في شمال لبنان، والتي كانت مسرح المواجهات مع تنظيم "داعش" بين 2015 و2017.
وفي 2 يوليو/تموز، فجر إبراهيم الأمين، رئيس تحرير صحيفة "الأخبار" المحسوبة على "حزب الله"، مفاجأة بالزعم بأن 150 من المقاتلين الإيغور قد دخلوا لبنان، باستخدام جوازات سفر سورية مزورة، وأنهم قد توزعوا بين مدينة طرابلس، في الشمال، والعاصمة بيروت، وبلدة برج حمود، ذات الغالبية المسيحية في محافظة جبل لبنان.
الأمين زعم أن دخول هؤلاء المقاتلين يأتي في سياق التعاون بين الرئيس السوري أحمد الشرع وإسرائيل ضد "حزب الله".
مثل هذه التسريبات تسمح لـ"حزب الله" بشد عصب أنصاره الشيعة – خصوصًا بالتزامن مع احتفالات العاشر من محرم – عبر التلويح باقتراب مواجهة أخرى مع الإسلاميين السنة المتطرفين.
مثل هذه المواجهة يمكن أن تسمح لـ"حزب الله" بالزعم أمام باقي الشركاء اللبنانيين بأن سلاحه هو فقط من يضمن احتواء خطر هؤلاء – كما حصل خلال مواجهات الجرود مع تنظيم "داعش".
ولكن، ماذا لو لم تحقق هذه السردية هدفها، وقررت السلطات اللبنانية التحرك ضد "حزب الله" في العاصمة بيروت ومحيطها؟
يمكننا أن نتوقع، وبثقة كبيرة، أن "حزب الله" سيرد عبر إرسال أنصاره، غير المسلحين، لقطع الطرق الرئيسة المؤدية إلى العاصمة بيروت، وخصوصًا الطرق المؤدية إلى المطار الدولي الوحيد في البلاد، مطار "رفيق الحريري" في بيروت، والطريق الساحلي الذي يصل العاصمة بيروت بالجنوب اللبناني.
مثل هذا التحرك سيخلق ضغوطًا غير مسبوقة على أجهزة الدولة اللبنانية التي طالما تجنبت الاصطدام مع مثل هذه التحركات التي يقوم بها عناصر عُزّل.
ولكن، ماذا لو فشلت مثل هذه التحركات في تحقيق هدفها، وتفاقمت الضغوط الداخلية والدولية على "حزب الله" لنزع سلاحه؟
هذا المشهد غير مسبوق، ويتطلب التفكير في سيناريوهات غير مسبوقة.
تحرك الأجهزة الأمنية والعسكرية اللبنانية لنزع سلاح "حزب الله" من العاصمة يمكن أن يقود إلى رد عسكري من جانب "حزب الله". مثل هذا الرد سيمر على الأرجح بأن يطلب "حزب الله" – سواء عبر قيادته أو عبر مرجعياته الروحية – من العناصر الشيعة الانشقاق عن صفوف الأجهزة الأمنية والعسكرية الرسمية.
ويمكن أن يلي ذلك تحرك عسكري من "حزب الله" للسيطرة على بعض المقرات الأمنية والعسكرية اللبنانية في العاصمة بيروت، خصوصًا في محيط الضاحية الجنوبية، المعقل التاريخي لـ"حزب الله".
هذا المشهد يشبه ما حصل خلال ما يعرف بـ"انتفاضة السادس من شباط" 1984 التي قادها نبيه بري ووليد جنبلاط وحلفاؤهما من الرافضين للاتفاق الذي توصل إليه الرئيس اللبناني أمين الجميّل مع إسرائيل (ما يعرف باتفاق "17 أيار 1983).
شهدت تلك الانتفاضة انشقاق وحدات كبيرة من اللواء السادس في الجيش اللبناني، خصوصًا في مقره الرئيس في ثكنة "هنري شهاب" في الضاحية الجنوبية، وانضمامها إلى قيادة حركة "أمل"، وإطلاقها النار على باقي وحدات الجيش اللبناني التي بقيت موالية للرئيس الجميّل.
استمر القتال طوال يوم 6 فبراير/شباط 1984، وقبل الجيش اللبناني بالانسحاب من أغلب بيروت الغربية، ذات الغالبية المسلمة. أما "اللواء السادس" فتابع القتال خلال السنوات التالية إلى جانب حركة "أمل" وحلفائها ضد باقي خصومها في الحرب الأهلية اللبنانية، بما في ذلك القتال ضد الفلسطينيين الموالين لياسر عرفات، خلال ما عرف بحرب المخيمات.
سيناريو الانشقاقات
التفاصيل الديمغرافية، مع تشكيل المسلمين الشيعة في لبنان ما بين 30 و40% من إجمالي السكان، تسهل من احتمال حصول سيناريو الانشقاقات في الوحدات العسكرية والأمنية في لبنان.
وقد يروج "حزب الله" لمثل هذه الانشقاقات على أنها ضرورية لمواجهة عمليات الإقصاء والنقل والتسريح التي يتداول أنها تجري حاليًا بحق الضباط المحسوبين على "حزب الله" والموجودين في بعض المفاصل الأمنية الحيوية – وعلى رأسها أمن مطار "رفيق الحريري" الدولي.
ولكن، ومن ناحية أخرى، فإن تكرار فصول الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) الآن لن يكون بالأمر الهين. فحركة "أمل" وحلفاؤها الذين قادوا الانتفاضة ضد الرئيس الجميّل، كانوا يستفيدون آنذاك من وجود 50,000 جندي سوري على الأراضي اللبنانية، ومن دعم عسكري وأمني وسياسي مباشر من حافظ الأسد.
مثل هذا الدعم غائب تمامًا اليوم. وما هو أكثر أهمية من ذلك هو أن انتفاضة "السادس من شباط"، وانشقاق اللواء السادس من الجيش اللبناني، جاءا بغطاء سياسي من المسلمين السنة، في عموم لبنان، إذ قاتلت حركة "المرابطون" السنية ضد وحدات الجيش اللبناني التي بقيت موالية للرئيس الجميّل، واضطر رئيس الحكومة السني، شفيق الوزان، إلى الاستقالة. كما قاتل الدروز بقيادة جنبلاط إلى جانب المسلمين الشيعة والسنة ضد الرئيس الجميّل.
ودفعت سوريا أيضًا إلى المعركة مع الجميّل، بحلفائها المسيحيين الموارنة، والذين كانوا يقاتلون تحت رايات "الحزب الشيوعي اللبناني" و"الحزب السوري القومي الاجتماعي" و"حزب البعث العربي الاشتراكي".
في 1984، كان الرئيس أمين الجميّل وحيدًا، حتى ضمن طائفته المسيحية، ولهذا نجحت الانتفاضة ضده واضطر للانسحاب من اتفاق "17 أيار".
أما اليوم فإن "حزب الله" هو الوحيد، حتى ضمن طائفته. فهل يستسلم لقدره، أم سيهرب إلى الأمام في محاولة لتغيير هذا القدر أو للتخفيف من وطأته؟ لننتظر ونرَ.
انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب
تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.
انضم الآنشاركنا رأيك في التعليقات | |||
تابعونا على وسائل التواصل | |||
Youtube | Google News |
---|