عربي ودولي

أزمة في سوريا لا يستطيع العالم تجاهلها.. ما علاقة المسيحيين؟

Please Try Again
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر خدمة واتساب...
اضغط هنا

ذكرت صحيفة "The Hill" الأميركية "أنه في 22 حزيران 2025، دخل انتحاري كنيسة القديس إلياس للروم الأرثوذكس في دمشق أثناء صلاة مسائية وشن مذبحة لا يمكن تصورها. وبعد أن أطلق النار على المصلين، فجر المهاجم سترة ناسفة، مما أسفر عن مقتل نحو 30 شخصا وإصابة أكثر من 60 آخرين. وكان هذا الهجوم الأكثر دموية على المجتمع المسيحي في سوريا منذ مذبحة دمشق عام 1860".

وبحسب الصحيفة، "أعلنت جماعة سرايا أنصار السنة الجهادية، المنشقة عن هيئة تحرير الشام، مسؤوليتها عن الهجوم. ويُظهر هذا الهجوم واقعًا مُقلقًا: يواجه المسيحيون السوريون، الذين عانوا قرونًا من القمع السياسي والعنف الطائفي، أزمة وجودية. فمع كل تفجير انتحاري، وكل كنيسة تُدنس، وكل نزوح جماعي، تقترب سوريا من فقدان ركيزة روحية وثقافية عمرها ألفي عام. سوريا موطن أقدم الطوائف المسيحية في العالم، والتي يعود تاريخها إلى العصر الرسولي. ووفقًا للتراث المسيحي السرياني، كانت مملكة أوسروين السريانية (في شمال سوريا الحديثة) أول كيان سياسي في العالم يُعلن المسيحية دينًا رسميًا له. واعتنق الملك أبجر الخامس المسيحية بعد أن شُفي من مرضٍ مُدمر على يد تلميذه تداوس عام ٣٣ ميلاديًا. وفي طريقه إلى دمشق، تحوّل شاول الطرسوسي، مُضطهد المسيحيين سابقًا، إلى الرسول بولس، مُرسّخًا بذلك جذور المسيحية في الأراضي السورية". 

وتابعت الصحيفة، "لعبت سوريا دورًا حيويًا كمنبع للفكر والثقافة والحضارة المسيحية، ويُعرف القديس أفرام السرياني بأنه أحد أكثر الشعراء واللاهوتيين إنتاجًا وتأثيرًا في الكنيسة العالمية. ولا تزال مدنٌ مثل معلولا والقامشلي تحافظ على اللغة الآرامية التي استخدمها يسوع المسيح. وتنتشر الكنائس والأديرة القديمة في كل مكان، شاهدةً بصمت على دور سوريا كمهدٍ للحضارة المسيحية. وقبل اندلاع الحرب الأهلية السورية عام 2011، كان المسيحيون يشكلون حوالي 10% من سكان سوريا، وكان لهم دورٌ محوري في المجالات الأكاديمية والطبية والتجارية والحياة العامة، وتعايشوا مع جيرانهم المسلمين للحفاظ على نسيج اجتماعي متعدد الأعراق والمذاهب، على الرغم من هشاشته إلا أنه مزدهر".

وأضافت الصحيفة، "لكن الحرب الأهلية حطمت هذا النظام التعددي. واليوم، لم يبقَ في سوريا سوى أقل من 300 ألف مسيحي، بعد أن كان عددهم حوالي مليونين قبل الحرب، وما تبقى هو مجتمعٌ ضعيفٌ للغاية، محاطٌ بعدم الاستقرار والطائفية والتطرف. إن التفجير الأخير لكنيسة القديس إلياس ليس مجرد عمل إرهابي آخر، بل هو إشارة إلى المحو الثقافي المتسارع لتراث يعود تاريخه إلى ما قبل الإسلام بقرون. لقرون، شكّل المسيحيون قوةً معتدلةً في سوريا، مُقدّمين للمجتمع السوري نموذجًا للتعاطف والتعايش وضبط النفس، وسيؤدي استبعادهم إلى تضييق نطاق الأفكار والهويات والمعتقدات، مما يُمكّن الأيديولوجيات المتطرفة من الوصول إلى شريحةٍ سكانيةٍ مسلمةٍ كانت تُعتبر معتدلةً".

وبحسب الصحيفة، "إن انقراض المسيحية في سوريا سيُمثّل أيضًا فقدان جسر حيوي بين الشرق والغرب، فالمسيحية السريانية تُتيح مدخلًا فريدًا إلى الفكر والثقافة والنظرة العالمية الأصيلة للمسيح والرسل، وبالتالي ساهمت في تشكيل لاهوت الكنيسة الأولى، وربطت التقليد الغربي بجذوره السامية، وسيؤدي فقدانها إلى قطع رابط حيوي في هذا التراث الحضاري المشترك. ورداً على الهجوم على كنيسة القديس إلياس، يتعين على الولايات المتحدة أن تضغط على الحكومة الانتقالية السورية لتقديم الجناة إلى العدالة وتنفيذ تدابير أمنية قوية لحماية المجتمعات المسيحية في البلاد. ففي حين أن الحكومة الانتقالية السورية عبارة عن ائتلاف من فصائل إسلامية ذات تاريخ إشكالي، فإن الانسحاب الدبلوماسي والعزلة الأميركية يُهددان بخلق فراغ، وتمكين المتطرفين. إن المشاركة الدبلوماسية، إذا ما صُممت بشكل استراتيجي، ستكون أداة فعّالة لوضع حواجز سلوكية وآليات للمساءلة. إن المشاركة الدبلوماسية لا تعني بالضرورة تأييدًا، بل تُوفر إطارًا للضغط والنفوذ. ويجب على الولايات المتحدة أن تجعل أي اعتراف دبلوماسي رسمي مشروطاً بضمان الحكومة الانتقالية السورية لحماية حقوق الأقليات والحريات الدينية وترسيخ الضمانات الدستورية".

وتابعت الصحيفة، "لم تعد سوريا بلا مسيحيين مجرد سيناريو افتراضي بعيد المنال، بل أصبحت واقعًا متسارعًا لا يستطيع العالم تحمّله. إن الوجود المسيحي في سوريا خيطٌ من خيوط الحضارة الإنسانية الأوسع، وإذا انقطع هذا الخيط، انقطع النسيج بأكمله. يتعين على زعماء العالم وصناع القرار أن يتجاوزوا الإدانات التفاعلية ويتبنوا استراتيجيات استباقية للحفاظ على ما تبقى من التراث المسيحي في سوريا. ولن تتوقف عواقب اللامبالاة عند حدود سوريا، فزوال التعددية في الشرق الأوسط سيُغذّي استمرار زعزعة الاستقرار في المنطقة".

انضم إلى قناتنا الإخبارية على واتساب

تابع آخر الأخبار والمستجدات العاجلة مباشرة عبر قناتنا الإخبارية على واتساب. كن أول من يعرف الأحداث المهمة.

انضم الآن
شاركنا رأيك في التعليقات
تابعونا على وسائل التواصل
Twitter Youtube WhatsApp Google News
انضم الى اخبار القناة الثالثة والعشرون عبر قناة اليوتيوب ...
اضغط هنا